السبت 16 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

ويسألونك عن «الفن».. قل «دراما رمضان» إلا قليلا!

ويسألونك عن «الفن».. قل «دراما رمضان» إلا قليلا!
ويسألونك عن «الفن».. قل «دراما رمضان» إلا قليلا!


إنه المستحيل الذى يفهم الواقع ويلهمه بالخيال الحر.


إنه المادة الأهم لمن يريد لفنه الدرامى أن يحمل صدمة الإدهاش وسحر الجاذبية. ما أحوجنا للخيال والابتكار! فى واقع ما بعد ثورة 25 يناير الممتلئ بالحركة والأحداث المدهشة غير المتوقعة.
 
فماذا ستفعل صور الدراما التليفزيونية فى ظل فيضان الصور القادم من تداعيات الواقع اليومى؟
 
مما لاشك فيه أن الدراما التليفزيونية المصرية قادرة على تخطى معظم ما يقف أمامها من عقبات.
 

 
 
فرغم مقاومة المسرحيين والسينمائيين لها ورغم حالة العداء المستتر لها من معظم المثقفين التقليديين بزعم هشاشة صياغتها الفكرية والفنية، إلا أنها تزداد تأثيرا وتصبح صناعة كبيرة تدور فيها المليارات، خاصة مع اتساع نطاق القنوات الفضائية المتنوعة.
 
ولكن آن لهذا العداء بين أهل الثقافة والفن الدرامى أن ينتهى، لأن الواقع فى مصر بمساحات الوعى الجديدة للجماهير العامة، وبسرعة وتيرة الأحداث الكاشفة للوعى ولاختيارات المجتمع الجديدة يحتاج لفن يعبر عنه ويتناسب مع أفق توقعه وترقبه الجديد.
 
ولذلك فالدراما التليفزيونية يجب أن تتمرد على فكرة النجم الأوحد، وعلاقته بجذب الإعلانات.
 
كما أن إنكار الأدباء وخبراء الدراما وأهل الفن الدرامى المتميزين للنوع التليفزيونى قد أضحى خطيئة.
 
فلابد من الاعتراف الثقافى بتأثيرها الكبير فى الجمهور ووعيه العام، حتى يمكن تطويرها والاستفادة منها فنا وفكرا.
 
هذا.. وقد وضع الفنانون هذا العام مجهوداتهم جميعها تقريبا فى الوعاء الدرامى الآمن ألا وهو الدراما التليفزيونية.
 
فالحركة فى الشارع المصرى بتوتراته ضد انتظام المسرح والعروض السينمائية.. فجاء النجوم جميعهم من كل الأجيال لها هذا العام.
 
فماذا حدث فى معادلة الدراما التليفزيونية من تغير فى ظل الفرصة الكبيرة التى هى فيها الآن؟
 
ما شكل الشاشة الجديد؟
 

 
وماذا طرأ على طريقة البناء الدرامى؟ اختيار الموضوعات.. سلم القيم.. ونماذج الاحتذاء التى تقدمها؟
 
لاشك أن الشكل الجديد القادم من لغة السينما واضح فى عدد من المسلسلات هذا العام، حيث الاهتمام بالتفاصيل وأماكن التصوير الجديدة، والاستخدام المحترف المبدع للإضاءة، وغيرها من العناصر التى تعبر عن ثراء الصورة الدرامية وحضور جديد للمخرج، وهو ما يظهر واضحا فى حالة عادل أديب فى مسلسله باب الخلق.
 
لكن ورغم حدة مناقشة قضية الشباب المصرى العائد من أفغانستان وأزمة سفرهم تحت أعين الحكومة وعودتهم بعد ذلك لتتم معاملتهم كمجرمين بعد انتهاء دورهم.
 
لاشك أن القضية جديدة حقا على الشاشة التليفزيونية، لكن إمكانية مناقشتها بجدية تضيع وسط حبكات فرعية متعددة، منحت العمل صبغة الثرثرة التليفزيونية التقليدية.
 
أما مسلسل «ناجى عطاالله» فهو يحمل جاذبية نجمه الكبير عادل إمام، ويحاول أن يستمر به فى البحث عن تناغم مع الجماعة الوطنية المصرية فى صراعها مع الكيان الصهيونى، لكن المعالجة الجديدة لهذا الصراع فى ظل معاهدة السلام كان يمكن رؤيتها بشكل أكثر عمقا.
 
وهى فرصة ضائعة لموضوع شائك وشائق بسبب انشغاله بتفاصيل أفلام الحركة والمبالغة فى حكايته الخيالية بالأساس وتعمد اصطناع الضحك، مما حرم الممثل الكبير من قدرته الهائلة فى التأثير الوجدانى فى موضوع مشابه هو «جمعة الشوان».
 
وتبقى المساحة الحقيقية المشاغبة هذا العام لمحمود عبدالعزيز القادر على الإدهاش وتجديد حساسيته الفنية.
 
لست بصدد أحكام نهائية لأننى لا أثق فى دقة اختبارات قياسات الرأى التقليدية كما لا يمكننى بالتأكيد كفرد متابعة كل تلك الساعات الدرامية متابعة تامة، ولذلك فما أسطره من كلمات ما هى إلا ملاحظات عامة على المشهد.
 
أما الملاحظة شديدة التأثير فى التفاعل الثقافى للدراما التليفزيونية فهى مسألة الحساسية الإنسانية الجديدة المشتبكة مع الواقع، وهى فى معظمها للجيل الجديد من النجوم ويمثلها مسلسل «الهروب» لبلال فضل وكريم عبدالعزيز الذى يرصد التفاصيل الملهمة للثورة المصرية، إلا أن الشق القادم من عالم أفلام الحركة يبتلعها.
 
وإن بقيت تفصيلات الشخصيات الإنسانية الدافئة للأب عبدالعزيز مخيون والأم دلال عبدالعزيز وعالم العائلة، هى الجانب الإنسانى الطازج الجديد على المعالجة الدرامية لأحداث سياسية.
 
وفى ذات الاتجاه جاء «عرفة البحر» لنور الشريف ليحذو الحذو نفسه، ويطغى الطابع الإنسانى القائم على الحكايات الدرامية على إمكانية التحليل الأعمق للفساد وتأثيره على المجتمعات المغلقة الهامشية مثل مجتمع الصيادين، ولولا بعض المبالغة مثل قيام الصيادين بتجمهر من أجل مريم التى يعتقدون أنها ابنة مسلم ولدت فى بيت مسيحى لكان أمامنا فرصة لرؤية طريقة تفكير المجتمعات الهامشية المغلقة.
 

 
ولكن تبقى جاذبية نور الشريف الكبيرة حافزا للمشاهدة.
 
أما شريف منير فى «الصفعة» فيحاول مغامرة مختلفة فى العالم الغائب، عالم الجاسوسية الإسرائيلية.
 
وهى عودة لمرحلة ما قبل انتصار 1973وهو تأكيد من دفاتر الماضى على إمكانية القوة لأجهزة الدولة المصرية العريقة بتواصل مع الحاضر، ويحقق بالتأكيد الأثر القومى العام أكثر من «فرقة ناجى عطاالله» بأحداثها الافتراضية، لكن تظل الحبكات النسائية المتنوعة على جرأتها تخصم من رصيد «الصفعة» وإنتاجه الكبير.
 
وفى زاوية منفردة متكررة يظل الصعيد ملهما للدراما التليفزيونية، وهذا العالم تبرز العين السينمائية للمخرج أحمد عبدالظاهر فى العناية بالصورة، وهو ما تحقق أيضا فى سيدنا السيد، إلا أن العملين يدوران فى العالم التقليدى للصعيد، بينما يذهب «الخواجة عبدالقادر» للفنان الكبير يحيى الفخرانى نحو زاوية نظر مختلفة، حيث «الخواجة» المتمصر الذى يؤمن بالدين الإسلامى، ونرى تفاعل ثقافته الأوروبية مع العالم الصوفى فى رحابة إنسانية تصطدم بعالم الصعيد الخشن، بكل ما فيه من قسوة ومحبة.
 
أما الملاحظة التى تبدو جديدة فى تناول الدراما الاجتماعية المصرية فهى تلك التى تعبر عن شباب مصر فى الأحياء الشعبية وطموحه وتداخل أحلامه مع شرائح جديدة عليا فى المجتمع أصبحت كذلك بما تملك من المال، وهى ملاحظات تركز على الاضطراب النفسى الاجتماعى واللجوء للعنف والمغامرة غير الشرعية لتحقيق الأحلام.
 
وهى مهمة لطزاجتها سواء فى مسلسل «خرم إبرة» لعمرو سعد أو مسلسل «طرف ثالث» أو «خطوط حمراء» لأحمد السقا، وإن ابتعد عن الهموم العامة لتلك الشريحة مثلما اشترك معها فى عالم الجريمة.. وإن اقترب كذلك مسلسل «رقم مجهول» منها.
 
ولكن العنف اللفظى والنفسى والبدنى والثرثرة الدرامية أضاعت فرصة رصد تلك الأزمة الروحية لشريحة كبيرة من الشباب المصرى، وتحليلها على نحو مفيد ليخرجها على أقل التقديرات من دائرة القدوة، وهى المسألة بالغة الخطورة، خاصة على الشباب المصرى الذى ضربته البطالة فكان أن غامر بأى شىء كى يتمكن من أن يتنفس!
 
وفى زاوية منفردة تبقى ليلى علوى حالة خاصة بتأملها لحالة مصر وصدمتها مع الحملة الفرنسية بين الاحتلال والتنوير، ورغم جدة وأهمية الطرح فى الكتابة والإخراج إلا أن المؤلفة عزة شلبى والماجرى المخرج الجاد يظلان بعملهما فى حالة اختباء وسط كل مشهيات العنف والجنس والعلاقات الخطرة التى تضج بها الدراما التليفزيونية الرمضانية هذا العام، وكأن كل هذا التكدس وراثة تاريخية لا يمكن الخلاص منها وترك الشهر الكريم لمساحة تأمل متاحة يمكن متابعتها بما يناسب قدرة المشاهد على الاستيعاب وطبيعة هذا الشهر الروحانية.
 
وفى إطار الضجيج والحرص على المشاركة نجد معالجة عادية لا تتفق وقيمة المخرج الكبير جمال عبدالحميد، حيث انتظر الجمهور مفاجأة محمد سعد معه، لكن ورغم ضخامة الإنتاج إلا أن المادة الدرامية باهتة ويعيد فيها محمد سعد إنتاج نفس طريقته فى تقديم شخصيتين فى عمل واحد.
وأيضا يسرا وإلهام شاهين فى «شربات لوز» و«معالى الوزيرة»، تواجد يجدد علاقتهما بالشاشة الصغيرة، لكنه يبتعد عن المغامرة الفنية، ويعيد إنتاج الصورة النمطية المحببة لهما، ويقع بالتأكيد فى كل عيوب الجاذبية التقليدية للدراما التليفزيونية من بقاء النجم طوال الوقت على الشاشة إلى الثرثرة التقليدية التى هى ميراث درامى تليفزيونى طويل!
 
أما الملاحظة الرئيسية العامة فهى ملاحظة إيجابية، إذ أدت المنافسة مع الشاشة التركية للاهتمام بجعل الصورة أكثر ثراء، وبالبحث عن مناطق تصوير خارجى جميلة وموحية، وكذلك الاهتمام الملحوظ بالمناظر والأزياء والإضاءة، إلا أن العيب الملحوظ هو التقليد الواضح للبعد العاطفى العنيف الذى عرفته الدراما التركية فى الدراما العائلية، وهو الطريق السهل المضلل لقلوب المصريين.
 
ولكن تبقى الصورة المشهدية للدراما التركية أكثر جمالا وإسعادا للعين، وللمشاهد الباحث فيها عن مدن وبشر يعيشون حالة حداثة، يتمنى معظم المصريين البقاء فيها، حيث تحرص معظم الدراما التركية على الحركة مع أفراد الطبقة العليا الغنية التى يتمثلها المشاهد العربى كتعبير عن حنينه للأناقة ولجمال المدن والبيوت والشخوص، وهى الحالة التى كانت عليها المدن المصرية فى الستينيات وحتى أوائل الثمانينيات، وهو الأمر الذى يفسر حنين المشاهد المصرى للماضى فى درامات ما قبل ثورة 1952 بمساحة الحرية والجمال التى كانت عليها القاهرة، وهذا الحنين للماضى تواصله وفاء عامر فى درامتها «تحية كاريوكا» لنجد وفاء فى حالة نضج خاصة تشكل مرحلة جديدة فى عمرها الفنى، وإن كانت تطرح مرة أخرى مشكلات دراما السير الذاتية والمبالغة فى إخفاء عيوب صاحب السيرة والتعاطف التام معه.
 
لاشك أن «كاريوكا» هذا العام هو دليل على التنوع الثقافى المصرى، وقدرته على التعبير عن نفسه رغم حدة مساحات الاختلاف الفكرى.
 
أكرر أننى فى الصدد هذا لا أستطيع متابعة الجميع، وهو أمر يجعل ملاحظاتى ذات طابع انتقائى يحاول رصد الملامح والنتائج العامة، ومنها بالتأكيد المشكلة الكبرى فى دراما رمضان هذا العام، ألا وهى غياب النسق الأخلاقى القائم على التقمص الدرامى للمشاهد.
 
وهذا ليس انحيازا للأخلاق بالمعنى التربوى، لكن بالتأكيد صورة المصريين غير ممثلة بالمعنى الحقيقى فى الدراما التليفزيونية إلا قليلا.
 
فنحن نحتاج كمجتمع يتغير أن تساهم الدراما التليفزيونية التى تدخل كل بيت فى تحليل وفهم ودعم الشخصية المصرية بالقيم الإيجابية، لخلق مفاهيم جديدة للنجاح والقيمة تنتصر على الإحباط والبطالة وغموض المستقبل، وتقوم بالعلاج الدرامى النفسى للجراح العميقة التى صنعها الفساد والفقر، وتغييب العقل والثقافة عن السلوك اليومى فى المجتمع المصرى.
 
إننا نحتاج لأعمال فنية على مستوى المغامرة الجمالية والفكرية لمسلسل عمر بن الخطاب، فهو عمل مغامر يفتح آفاقا جديدة، ويحطم الثوابت التقليدية فى تجسيد الشخصيات الإسلامية.
 
ومثل «فيرتيجو» لهند صبرى الذى يحاول ببساطة إيجاد علاقة غائبة بين حساسية الفنان الشاب وحساسية الأدب الروائى الجديد، حيث قدم عملا إنسانيا رقيقا، رغم خصوصية شخصياته إلا أنه يعبر بالفعل عن الطبقة المتوسطة المصرية المنهارة بقيمها الطيبة والمتسامحة والمحبة للحياة والخير والمنحازة للقيم الإنسانية.
 
وكذلك تجربة النجم محمد رياض فى «الإمام الغزالى» تبقى مهمة رغم بساطة الإنتاج، والمعالجة التقليدية للمخرج إبراهيم الشوادى، إلا أن معالجة علاقة الفقيه المجدد لفقه الأمة بالحاكم، وبعده على مسافة منه، هى قضية معاصرة نحن فى أشد الحاجة لتمثلها من الإمام الغزالى.
 
إن نشأة الدراما التليفزيونية فى إنجلترا بالمصادفة فى B.B.C كانت أثناء تصوير المسرح الإنجليزى فى البلاتوه، وتم تطويرها لتصبح على ما هى عليه الآن، وقد نمت بشكل هائل فى العالم كله وأيضا حدث هذا فى مصر منذ الستينيات حتى الآن.
 
ونشأتها ذات الطابع الثقافى سواء فى إنجلترا أو مصر، كانت نشأة فى حضن الأدب والمسرح.
ويجب أن تعود إليه لتشحذ عقلها ووجدانها بطاقة حقيقية، تجعلها بالفعل وسيلة مهمة من وسائل الفرجة والفكر فى مصر القادمة.
 
كل عام وأنتم بخير.