الخميس 9 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الاقتراب الممكن من وحدة الفنون

الاقتراب الممكن من وحدة الفنون
الاقتراب الممكن من وحدة الفنون


ذهب مهرجان القاهرة السينمائى الدولى فى دورته الأربعين محملًا بضجة كبرى قامت على فعل خاطئ لفستان غربى وارد إيطاليا، بينما لم يفكر أحد النجوم فى ارتداء الملابس التقليدية المصرية وهى متعددة ومبهجة وبعضها مصدر إلهام خاص لصناع الأزياء فى أنحاء الدنيا الأربعة، تبقى الدروس المستفادة فى جوهرها أن تقليد كل ما هو غربى كنموذج صحيح لهو أمر مخيف.

كما يبقى أمر المهرجان بعد عقود أربعة مثار اهتمام المجتمع ومجلس النواب فى أمر ثانوى،  أما جوهر الأمور فيظل غائبًا ألا وهو المحاور الفنية والفكرية للمهرجان والتى تحتاج لتجديد، ميزانية ضخمة ومدى صحة عائدها المعنوى والمادى على الفن المصرى،  غياب الإنتاج السينمائى عن مؤسسات الإنتاج الرسمية، غياب الكتب والأطروحات النظرية السينمائية المترجمة لتطوير السينمائيين والمهنة.
تكرار سرد نشأة وتاريخ السينما المصرية فى حفلات الافتتاح، وعدم طرح أية رؤى سينمائية تعزز الدور المحورى لمصر الآن فى صراعاتها الإقليمية والدولية، غياب الطابع المحلى وعدم التفاعل مع الشأن العام، وغياب أطروحة هامة تشغل أهل الفن فى الدوائر الغربية مع تعاظم دور التكنولوجيا ألا وهى مسألة المزج بين السينما والمسرح وهى مسألة يمكن أن تكون إثارتها الآن بمثابة الحل الممكن لمشاكل المسرح الهزلى التليفزيونى وندرة الإنتاج المسرحى والسينمائى والدرامى الجاد فى مصر، وهى المحاولة المبتكرة التى شهدها حفل توزيع جوائز الأوسكار العام الماضى لأنها مسألة ينشغل بها العديد من المهنيين حول العالم، ألا وهى وحدة الفنون، وعلى رأسها فن المسرح والسينما إذ ربما تدخل بنا كما يفكر العالم كله لعالم الأدب فى علاقة بين فنون السرد والكاميرا، ذلك حيث يعيش العالم المعاصر فى دوائره الغربية المركزية حالة من التفاعل بين الشعر والموسيقى والسينما والمسرح والفنون التشكيلية، كتعبير عن حالة من الإنصهار المعاصر لتجديد الأنواع الفنية.
بينما يبقى مستقبل السرد هو جوهر غواية الدراميين المعاصرين، إذ يبقى الفارق الجوهرى بين النوع المسرحى والنوع الدرامى السردى «الرواية» يتأسس على مشتركات تاريخية.
ويبقى الفارق الجوهرى أن السرد يتأسس على صوت السارد الذى يروى،  والأنواع التمثيلية وعلى رأسها المسرح تتأسس على الفعل الدرامى الذى يحدث أمام الجمهور.
ولكن ومع تطورات ملهمة فى عالم معاصر يميل للتخصص الدقيق فى العلوم ويحمل صفة التكاثر اللانهائى فى التطبيقات التكنولوجية، أصبح تفتيت الحساسية الفنية الذى سعى إليه العالم فيما بعد عصر النهضة الأوروبية، كما يظهر واضحًا فى مبدأ فصل الأنواع، وهو الأمر التاريخى،  ذلك أنه الآن عالم يميل إلى جمع الحساسيات الفنية التى سعى إلى فصل أنواعها.    ويتمثل ذلك فى سعى المسرح والسينما نحو السرد والتشكيل، إذ يظل الاقتراب الدرامى فى فنون ما بعد الحداثة من التداخل والاختلاط بشكل يبدو متكررًا وملحوظًا، بل إن رافدًا مسرحيًا هامًا فى إبداعات المسرح المصرى المعاصر يقوم على السرد، فيما يعرف بالحكى المسرحى،  وهو قابل للغاية لأن يصبح حكيًا سينمائيًا مصورًا فى ظل يسر وتوفر تقنيات التصوير زهيدة التكاليف.
حاول ذلك الاقتراب من قبل كاتبين كبيرين ألا وهما توفيق الحكيم ونجيب محفوظ، والحكيم يحمل فى الأدب المصرى والعربى الحديث صفتى الرائد والمجدد معًا، وريادته وتأسيسه الكلاسيكى لم يمنعه من المغامرة فى كتابة السرد والمسرح، مزجًا فنيًا فى قطعة نادرة أسماها بنك القلق، تصلح كعمل سينمائى ومسرحى ودرامى يمزج ما بين العرض الحى والصور المسجلة بطريقة مبتكرة.
أما نجيب محفوظ المؤسس أيضًا عبر غزارة الإنتاج وانتظامه، فقد دخل إلى مغامرة فنية مدهشة هى آخر ما كتب ألا وهى أحلام فترة النقاهة التى تحمل اقتصادًا موجزًا يقوم على التكثيف الحاد معتمدًا على صيغة الحلم وهى صيغة تفتح عالم السرد على عالم استخدام الصور الدرامية القادم من الكتابة للسينما مع منهجية الفعل المسرحى،  على اعتناء بالتفاصيل الصغيرة، وإطلاق تيار الوعى واللاوعى لإنتاج دلالات فنية شديدة الكثافة.
فهل ينتبه أهل الفن لقضايا من هذا النوع، وهل يتابع مجلس النواب ما يحدث نحو دفع الثقافة المصرية بما فيها المهرجانات الكثيرة المتلاحقة إلى إنتاج رؤى وأفكار من هذا النوع تعظم من دور مصر المحورى الثقافى والفنى.>