الإثنين 6 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

جــنة الجنس!

جــنة الجنس!
جــنة الجنس!


موجة جديدة من الجدل أثارها الشيخ خالد الجندى بعدما قال فى برنامجه «لعلهم يفقهون» على قناة dmc الفضائية: «فى الآخرة، عندما نموت، لا أعضاء تناسلية، لا أدوات التناكح المعروفة، يعنى الأدوات التناسلية انتهت وظيفتها الدنيوية، وتحولت إلى شكل آخر، وأى حديث سوف ترونه أو آية قرآنية، يقصد بها التقريب والتمثيل وليس المطابقة».

وأكد أن كل شىء سوف يخضع للتعديل قائلاً للمشاهد: «أنت رضيت أنه سوف يحدث تعديل فى الأرض،  وتعديل فى الوقت، وفى النوم، والشرب، والتعب.. قبلت هذه التعديلات،  ولا تعلم أنه سوف يحدث تعديل فى مناطق اللذة عند الإنسان؟! لافتًا إلى أن «اللذة وضعها الله فى فص بالمخ، ويمكن أن يحول هذه اللذة إلى العين، أو كف اليد»، وتساءل: «هل يجب أن تكون نفس مناطق اللذة المعروفة عند الإنسان؟ طبعا، الناس الذين لا يستطيعون أن يستوعبوا هذا، لن يفهموا ما أقوله».
وقع الصدمة المصحوب بقدر كبير من السخرية من هذا الكلام كان فى المقام الأول على السلفيين الذين يروجون أغلب بضاعتهم الدينية عبر الغرائز الجنسية ونعيم الحور العين فى الآخرة، حتى إن استغلال الإرهابيين للشباب من المراهقين، يأتى دائمًا عبر الإيحاء لهم بأنهم إذا قاموا بعملية انتحارية وقتلوا ودمروا فإنهم يصبحون شهداء، وحال موتهم تستقبلهم الحور العين فى الجنة، أى أن هذا الفهم الخاطئ يتم تسخيره  فى غواية الشباب عبر تزيين الانتحار والقتل والتدمير، وهنا تجدر الإشارة لقول سيدنا عيسى عليه السلام: قوم عبدوا الله خوفاً من ناره وتلك عبادة العبيد، وقوم عبدوا الله طمعاً فى جنته وتلك عبادة التجار، وقوم عبدوا الله حبا فى ذاته وتلك عبادة الأحرار.
الحور العين
أسطورة حقيقية تملأ حياة الكثيرين وخيالهم أيضًا، حيث وصفهن القرآن فى عدة مواضع منها فى سورة الدخان «وزوَّجناهِمُ بحورٍ عينٍ» والواقعة «وحورٌ عينٌ. كأمثالِ اللؤلؤ المكنون» والرحمن «حورٌ مقصوراتٌ فى الخيام». وقد جاء وصف باهر لجمال الحور العين،  عن النبى محمد صلى الله عليه وسلم قال فيه: «ولو أنَ امرأةً من أهل الجنة اطَّلَعَت إلى أهل الأرضِ لأضاءت ما بينهما ولملأتهُ ريحا»، ويقول الشيخ محمد الغزالى: «الحور العين هنَّ بنات آدم بعد صوغهن فى قوالب أخرى تجعل العجائز شوابٌّ والدميمة وسيمة أو هنَّ خلقٌ آخر يبدعه الله فى صور فتياتٍ ساحرات العيون يستمتع بهنَّ أهل الجنة». وهكذا جاءت المتعة الجنسية بالحور العين وكأنها تفوق الخَيال، ولا مثيل لها فى الأساطير «بحسب التصور التقليدى». وفى تفسير الآية فى سورة الرحمن  «حورٌ مقصوراتٌ فى الخيام»  أى محبوسات ومستورات فى خيامهن. وهن كما وصفهن النبى خالدات، فلا يمتن ولا تتقدم بهن الأيام، وهن ناعمات، أى ذوات أجساد أنثوية غاية فى الإغراء، وهن راضيات، فلا يتذمرن على نصيبهن من الرجال، وهن «كأمثال اللؤلؤ المكنون» أى فى صفاء الدر الذى لم تمسه الأيدى.
كما ذُكرت نساء الجنة فى القرآن فى سورة البقرة  «ولهم فيها أزواجٌ مطهرَةٌ» أى مطهرة من القذر والأذى ومن الحيضِ والغائط والبول وهذه أوصاف كمالٍ لأنثى يعشقها الرّجال، وتمتاز هذه الزوجات أيضا بأنهن «قاصرات الطرف عينٌ، كأنَهُنَ بيضُ مكنونٌ»  أى قصرن طرفهنّ على أزواجهن، فلا يَنْظُرْنَ إلى غيرهم من الرجال، فهن عفيفات وكذلك «لم يطمثهنَّ إنسٌ قبلهم ولا جانٌ» أى أن تلك النساء لم تمارس الجنس مع أى رجلٍ من الإنس أو الجان، فهن مخلوقات ومهيئات لأزواجهن. وجاء فى سورة الرحمن بالقرآن فى وصف زوجات الجنة: «كأنهّنَّ الياقوتَ والمرجان». وقال ابن عباسٍ: «إن الرجل من أهل الجنة ليعانق الحوراء سبعين سنة، لا يملها ولا تمله. كلما أتاها وجدها بكراً، وكلّما رجع إليها عادت إليه شهوته، فيجامعها بقوة سبعين رجلاً، لا يكون بينهما منى،  يأتى من غير منى منه ولا منها».
ولم يذكر القرآن نصيب كل رجل من حوريات الجنّة، بل جاء ذكر عددهن فى الحديث: عن أبى هريرة قال النبى صلى الله عليه وسلم: «وإن له من الحور العين اثنتين وسبعين زوجةً سوى أزواجه من الدنيا» وعن أبى سعيد عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «أدنى أهل الجنة منزلة الذى له ثمانون ألف خادم واثنتان وسبعون زوجة». ويدل هذا الحديث على أن عدد الحوريات لا يتوقف عندأربعين أو اثنتين وسبعين حورية، فهذا العدد نصيب صاحب أدنى درجة فى الجنّة، وبالتالى كم يكون نصيب أصحاب الدرجات العليا؟!.
الجنس فى الجنة
لم يأت الشيخ خالد الجندى بجديد ولكنه أعاد إنتاج وجهة نظر قديمة بالأساس حول فكرة الجنس فى الجنة حيث إن العرب وهم حملة الرسالة، وكان أقصى ما لديهم من اللذة هو الجنس والخمر واللبن، ولذلك جاءت الجنة مليئة بتلك الأمور لكنه لم يثبت أن الصحابة ركزوا فى دعوتهم للشعوب الأخرى على الخمر واللبن والجنس فى الجنة، كما أن فكرة عدم وجود جنس بالجنة مبنية على أنه لو رجعنا إلى القرآن الكريم لوجدنا أول سورة جاء فيها ذكر الحور العين هى سورة الدخان وهى سورة مكية يقول فيها سبحانه وتعالى (كذلك وزوجناهم بحور عين) فكانت فى وصف ما أنعم الله به على المتقين وقال بعض المفسرون لهذه الآية: إن ذلك لا يعنى النكاح بل المقارنة. ولم ترد كلمة زوجناهم بحور عين إلا فى آيتين بسورتى الدخان والطور، ولم يقل فى الآيتين سنزوجهم فى المستقبل بل جاءت فى الماضى مما يؤكد على أن القصد هو القران والمرافقة، وليس النكاح المعروف فى الدنيا، بالإضافة إلى أن الاستمتاع بالحور ليس استمتاعاً جنسياً لهذا أعطاهم الله أحسن ما فى صورة الآدمى وهو الوجه وأجمل ما فى الوجه وهو العين مما يدل على حسن الخلقة، فهو استمتاع معنوى لا ندرك مداه بعقولنا الدنيوية.
ولأن النفس البشرية مولعةٌ بالتفكير فى مصيرها، وما ينتظرها فى مستقبلها، ولم يُنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم  من صحابته مثل هذه الأسئلة عن الجنة وما فيها، فسألوه عن نسائهم فى الجنة، فأخبرهم أن الجنَّة ونعيمها ليست مقتصرة وخاصةً بالرجال دون النساء بل هى أُعدت للمُتّقين من العباد، كلا الجنسين حيث قال تعالى «ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمنٌ فأولئك يدخلون الجنة ».
وجميع نساء الجنة متساويات فى الأعمار والجمال، لقول القرآن أنهن «أتراباً» ويتفق معظم مفسرى القرآن على أن كلمة «أتراباً» تعنى فى سن واحدة وهو ثلاث وثلاثين سنة، أى أنهن على ميلاد واحد. وقد أتت عجوز لرسول الله فقالت: ادع الله تعالى أن يدخلنى الجنّة فقال: «إن الجنة لا تدخلها عجوز» قال: فولَّت تبكى قال: أخبروها أنها لا تدخلها وهى عجوز إن الله تعالى يقول «إنَّا أنشأناهُنَّ إنشاءً، فجعلناهُنَّ أبكاراً»، وتفسير النص هو أن جميع النساء من عجائز أو صغار السّن سيرجعن أبكاراً فى الجنة.
لكن بعيدًا عن مسائل غيبية اختلف فيها المفسرون والعلماء ورجال الدين أنفسهم، فإن المحصلة النهائية لهذا الجدل تؤكد أن معركة الوعى الدينى لاتزال طويلة وممتدة!.