متحف «قصر المنيل».. الإبداع المنسى على ضفاف النيل!

هدي منصور و ابتسام عبد الفتاح
فى 8 نوفمبر من العام 1875 وُلد الأمير «محمد على توفيق» نجل الخديو توفيق وشقيق الخديو عباس حلمى الثاني، والذى تحمل اسمه لافتة واحد من أجمل قصور العهد الملكى فى مصر ذات الطابع المعمارى الفريد.. فعلى ضفاف نهر النيل، بـ«منيل الروضة» وداخل قصره الذى تحول إلى متحف شهير تحت مسمى «متحف قصر المنيل»، كان الاحتفال بذكرى ميلاد الأمير، والتى كان لها طابع خاص هذا العام، حيث قامت إدارة المتحف بتوزيع جوائز على الزائرين من مواليد نفس اليوم.
«روزاليوسف» زارت التحفة المعمارية الجميلة والمنسية والمجهولة أيضًا لكثير من المصريين أيضًا لرصد تفاصيل المتحف المميز.
أجواء المتحف:
يقع متحف «قصر المنيل» فى منطقة تعج بالزائرين، فهو ذو موقع استراتيجى للحاضرين إلى منطقة وسط البلد ومصر القديمة وقصر العينى وجاردن سيتي، فمن يمر عليه يلفت انتباهه، فتتميز جدرانه بالضخامة والأحجار القديمة الصفراء، وُضعت لافتة صغيرة على أبوابه شديدة الارتفاع تؤكد أنه هنا متحف «قصر المنيل» الخاص بالأمير «محمد على توفيق» أحد أبناء الأسرة الملكية.
يحرص الزائرون على التواجد منذ الصباح الباكر مع افتتاح أبوابه ..الجميع يحتفل على طريقته بتفاصيل المتحف المميز من خلال جنسيات متنوعة، ويظهر ذلك من خلال اللغات المختلفة للزائرين أثناء السير فى الزيارة ما بين اللغة الإسبانية والإنجليزية والألمانية واللكنات العربية المتنوعة، وطلاب المدارس، ومجموعات الرحلات الخاصة.
ورغم أن تذكرة المتحف 20 جنيهًا للمصرى و5 جنيهات للطلاب و80 جنيهًا للأجنبي، فإن الإقبال بارز، وشريحة الزائرين لديهم معلومات عنه قبل زيارته والانبهار يؤكد أن رحلة زيارة المتحف من الداخل لن تكون تقليدية، حيث إن المتحف يشمل أكثر من بناء، ولكل بناء دور مميز فى حياة الأمير.
رحلة الزائرين:
فى حالة عدم وجود مرشد خاص للزائر يحضر معه خلال رحلته، فيجب عليك أن تجتهد بنفسك لمساحة المكان الكبيرة دون خريطة، وفى كل مبنى تدخله والتى يصل عددها لـ8 أبنية وهى «سراى الاستقبال، برج الساعة، المسجد، سراى العرش، سراى الإقامة، القاعة الذهبية، حديقة القصر، المتحف الخاص»، وفى أثناء التواجد فى أي من تلك الابنية فتجد مرشدًا فى الداخل يتحدث معك عن تفاصيل المبنى الذى يشرف عليه.
يحرص القائمون على إدارة المتحف على توفير منشورات متناثرة فى المكان، كان أولها لوحة تعريفية ضخمة وُضعت فى بداية القصر تشرح السيرة الذاتية للأمير محمد على توفيق الذى كان وصيًا على العرش مع عزيز عزت باشا وشريف صبرى باشا، ما بين وفاة الملك فؤاد الأول وجلوس ابن عمه الملك فاروق لحين إكماله السن القانونية، ثم أصبح وليًا للعهد إلى أن أنجب فاروق الأمير أحمد فؤاد الثانى، تُوفىّ عام 1955 بسويسرا، ودفن بضريح الخديوى توفيق «قبة أفندينا » بمنشية ناصر.
جميع التصميمات الهندسية والزخرفية لهذا القصر أشرف على تنفيذها، حيث اشترى الأمير محمد على فى ديسمبر عام 1902 هذه الحديقة العريقة، وبدأ بناء القصر يناير 1903 م، واستمر التشييد حتى عام 1937 م، وتبلغ مساحة القصر 61711 م بما يعادل 14 فدانًا تقريبًا .
سراى الاستقبال:
هى المكان الأول لزيارة القادمين للمتحف، فهى تتكون من طابقين، الطابق الأول وهو الأرضى عبارة عن حجرتين تم تخصيصهما لاستقبال الشخصية ذي الصفة الرسمية مثل الوزراء والسفراء، وحجرة أخرى خُصّصت للصلاة للزائرين ووضعت نماذج فى تلك الغرفة لتؤكد أنها كانت محرابًا للصلاة.
ومن خلال سلم من الخشب مزيّن بالنقوش الإسلامية، تحملك تلك العتبات إلى الطابق الثانى من سراى الاستقبال وتجد نفسك أمام قاعات ذات طابع عربى خالص المذاق، فقد وجدت غرفة على اليسار بطابع مغربى خالص، وأُطلق عليها الغرفة المغربية، حيث إنها صُمِّمت على الطراز المغربي، والغرفة التى تقع على الجانب الأيمن عرفت بالغرفة الشامية وتميزت بأن سقفها وجميع جدرانها أحضرها الأمير من قصر العظم الأثر من دمشق لذلك تميزت الغرفة بالطابع الشامى الخالص.
سراى الإقامة:
هى السراى الرئيسية وأول المبانى التى تم تشييدها، وكانت مقرًا لإقامة الأمير وتتكون من طابقين يصل بينهما سلم دقيق الصنع. الطابق الأول يضم بهو النافورة، حجرة الحريم، الشكمة، حجرة المرايات، حجرة الصالون الأزرق، حجرة صالون الصدف، حجرة الطعام، حجرة المدفئة، ومكتب ومكتبة الأمير. وتختلف قاعات السراى فيما بينها بالنسبة للزخارف والمقتنيات من تحف ومعروضات ما بين أثاث وسجاد وصور ولوحات زيتية ومجوهرات، وتعتبر السراى متحفًا لأنواع البلاطات القيشانى التركي، وملحق بها برج يطل على أهم معالم القاهرة والجيزة.
سراى العرش:
تتكون السراى من طابقين؛ الطابق الأرضى يسمى «قاعة العرش»، والتى تحتوى على صور للأسرة العلوية بداية من محمد على باشا وانتهاءً بعباس حلمى، يزين سقفها قرص «الشمس» ويغلب عليها اللونان الذهبى والنبيتى وهما من الألوان المفضلة لدى الأسرة الملكية.
بها مجموعة من الآرائك المنجدة بالقطيفة الحمراء عليها زخارف أشعة الشمس واسم محمد على بالسرما المذهبة، وعدد 2 صورة زيتية من عمل الفنان «هدابت»، إحداهما تمثل النيل والأهرامات، والأخرى تمثل منظورًا للقلعة وهضبة المقطم.
بالإضافة إلى مجموعة من الصور الزيتية من عمل الفنان «هدابت» لأسرة محمد على باشا بترتيب توليهم العرش، وقام الأمير محمد على توفيق بعمل قاعة العرش تأكيدًا على أنه الأكثر أحقية بكرسى العرش، بعد أن قام الملك فؤاد الأول بتغيير نظام العرش وجعل العرش بدل ما كان الأكبر سنًا إلى نظام الوراثة، لذلك جعل الملك فاروق ابنه وريثه للعرش.
أما الطابق العلوى فيحتوى على حجرة «الأوبيسون» على الطراز الفرنسى، وحجرتين شتويتين، يوجد بهما صالون للجلسات الشتوية يتميز بأنه على النيل، وغرفة نوم تطل على نهر النيل وكانت غرفة نوم خاصة بزوجته أمينة هانم، وتميز السريرباللون النحاسى الأصلي، حيث تم تصميمها على نفس تصميمات غرف النوم فى القصور بتركيا.
وأكد العاملون بالمتحف، أن لأول مرة يأتى معرض من الخارج، وهو معرض خاص بوزارة الثقافة وفنانون كالفنان محمد عبلة ليقوموا بعمل لوحات مميزة وعرضها فى المتحف من الداخل، كما تحرص إدارة المعرض على عرض قطعة مميزة فى القصر يطلق عليها «قطعة الشهر».
حجرة الأوبيسون:
أطلق عليها هذا الاسم لأن جدرانها من الأوبيسون المصنع فى فرنسا، والذى اقتناه عن جده الخديوى إسماعيل، وهذه الحجرة كانت مخصصة لجده «إلهامى باشا» واحتفظ الأمير بجميع مقتنياتها.
الشكمة «هو الجزء البارز من المبنى» ويميزها مدفأة مغطاة بالقيشانى تنتهى من أعلى بشكل هرمي.
صالون الصدف:
«سمى بهذا الاسم لأن مقتنياته مطعمة بالصدف» يزخرف الجدران صور منها : صورة زيتية لرفاعة الطهطاوى، وصور زيتية لكاترين إمبراطورة روسيا، وعدد من الصور للمملوك الهارب من فوق أحد أسوار قلعة صلاح الدين.
مسجد القصر:
يعد المسجد أول شيء قام الأمير محمد على توفيق بتشييده، يتكون سقف المسجد من جزأين؛ جزء يأخذ شكل « قرص الشمس» هو شعار الدولة العثمانية، مزخرف بشعاع الشمس، ومزود بقباب صغيرة من الزجاج الأصفر، وكان الهدف منه أن تدخل الشمس المسجد، ويوجد «كرسى المقرئ»، حيث كان يجلس الشيخ لقراءة القرآن قبل كل أذان بوقت 15 دقيقة تقريبًا، بالإضافة إلى المنبر والمحراب، فيما كسيت الجدران ببلاطات قيشانى على بعضها كتابات، والسجاد الأصلى باللون الأحمر والأزرق، وأسماء الله الحسنى على حائط المسجد، وأسماء الصحابة سيدنا أبوبكر وعمر وعثمان وعلي، ويقام أداء صلاة الجمعة بالمسجد كل أسبوع حيث يفتح بابه المطل على الشارع للجميع ناس لإداء الصلاة.
برج الساعة:
شُيّد على نمط الأبراج الأندلسية والمغربية التى كانت تستخدم للمراقبة وإرسال الرسائل بواسطة النار ليلًا والدخان نهارًا وأُلحق بها ساعة كبيرة، ويوجد بها 153 كتابًا بالخط الكوفي، ويحتوى على ساعة من نفس طراز الساعة المثبتة فى واجهة محطة مصر، لكن مع اختلاف العقارب، حيث تتميز ساعته بأن عقاربها على هيئة أفاعي.
المتحف الخاص:
مغلق أمام الزوار، إلا أن تفاصيله تظهر من اللوحه التذكاريه أمامه، حيث تؤكد أنه عبارة عن مقتنيات إسلامية وتحف ثمينة قام بجمعها الأمير من جميع دول العالم، وهى عبارة عن مخطوطات وسلاح وملابس خاصة، والفخار والخزف بأنواعه، والمصاحف وعدد من أدوات الكتابة.
حديقة المتحف:
تبلغ مساحتها 34 ألف متر وتضم مجموعة نادرة من الأشجار والنباتات التى جمعها الأمير محمد على من أنحاء العالم، منها مجموعة الصبار، وأشجار التين الهندي، وأنواع من النخيل مثل النخيل الملكى ذى الجذوع البيضاء، وأشجار البامبو، وشجرة الفيكس، وغيرها، ولكن الحديقة ممنوعة الاقتراب منها فهى شبه مهجورة لا يوجد بها ممرات حتى يستطيع الزائرون مشاهدتها والتعرف على تلك الأشجار والنباتات النادرة.
وهذه الحديقة تاريخية بها بعض النباتات الباقية منذ المماليك مثل شجرة الفيكس التي يبلغ عمرها500 عام.