الأحد 19 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

عندما تفرَّق دم «أبوطالبان» بين أجهزة المخابرات

عندما تفرَّق دم «أبوطالبان» بين أجهزة المخابرات
عندما تفرَّق دم «أبوطالبان» بين أجهزة المخابرات


استيقظ الجنوب الآسيوى، يوم الجمعة قبل الماضى، على صدمة اغتيال رجل الدين الباكستانى البارز، مولانا «سميع الحق»، والمعروف باسم «أبو طالبان»، داخل منزله فى مدينة (روالبندى).. حيث هاجمه مجهول بسكين، وطعنه عدة طعنات فى مناطق البطن والصدر والكتف والرأس، مما أثار غضب أنصاره، الذين قاموا بأعمال شغب، بعد وفاته بفترة وجيزة، وألحق العشرات منهم أضرارًا بالمحلات والسيارات، وخلفوا وراءهم فوضى بشوارع (إسلام آباد، وروالبندى)، لكن دون إصابات، رغم توقع العديد، أن مقتله قد يؤدى إلى صراع طائفى شديد.

نجله «حميد الحق» قال إن والده كان وحيدًا فى غرفة نومه، عندما تعرض لهجوم من قبل مجهول، هرب من دون أن يُكتشف، مؤكدًا أن حارسه خرج قبل دقائق من الهجوم، وعند عودته شاهد أباه فى حالة حرجة.
ومن جانبها علقت الشرطة الباكستانية، أن «الحق»، ذو الـ81 عامًا، نقل إلى مستشفى قريب، حيث توفى هناك. وعليه اكتفى المتحدث باسم «الحق»، «يوسف شاه»، بتصريح صغير أمام الصحفيين، بأنه فوجئ بعد عودته له بنصف ساعة، أنه غارق فى دمائه، ولكن لم يعرف المهاجم، ولا دافعه بعد، كما وصف الإعلام العالمى تلك العملية الإجرامية، بالاغتيال الدموى، واللا إنسانى.
وفى الوقت الذى قال فيه مؤيدو «أبوطالبان»، إنهم يشكون فى تورط وكالات الاستخبارات فى بلدان غير صديقة لـ(باكستان)، متهمين -تحديدًا- دولتى (الهند، وأفغانستان)، أشار عدد من التقارير الغربية بأصابع الاتهام إلى الاستخبارات الباكستانية نفسها، فى اتهام مباشر بأنها تقف وراء مقتل «سميع الحق»، السياسى المحنك، ورجل الدين، الذى كان يدير مدرسة دينية تدعى «دار العلوم حقانية»، فى مدينة (أكورا خاتاك) بشمال غرب (باكستان). التى استخدمت خلال الحرب «السوفيتية-الأفغانية» فى الثمانينيات لتدريب وتسليح الأفغان، الذين أطلق عليهم مسمى «المجاهدين»، أو «محاربين من أجل الحرية». وتلقى العديد من قادة حركة «طالبان» البارزين تعليمهم فى مدرسته، وعلى رأسهم القائد الأعلى والزعيم الروحى لحركة «طالبان» الأفغانية، المُلا «محمد عمر».
ولكن من أجل فهم الدافع وراء اغتياله –وفقًا لتلك التقارير- فإنه من الضرورى الرجوع إلى الوراء قليلاً بالأحداث، التى توضح أن «أبو طالبان» قد يكون مجرد «كبش فداء» من أجل إتمام صفقات أخرى، يصب أغلبها فى الرضوخ للضغوطات الأمريكية الشديدة.
ففى 31 أكتوبر الماضى، برأت المحكمة العليا الباكستانية، امرأة مسيحية، تدعى «آسيا بيبى»، من حكم بالإعدام كان قد صدر بحقها فى عام 2010، فى قضية «التجديف»، أى قضية «ازدراء الأديان»، حيث اتهمت بإهانة النبى «محمد» صلى الله عليه وسلم، لتكون أول امرأة يحكم عليها بهذا الحكم فى قضية كتلك، مما أثار - حينها - انتقاد العالم، وألقى الضوء على قضيتها، وتلقت اهتمامًا دوليًا كبيرًا، وهو ما أدى إلى تأخير تنفيذ الحكم.. وفى أكتوبر 2014، تم تنظيم أكثر من مظاهرة فى (بريطانيا)، أمام مقر رئيس الحكومة البريطانى، وأمام مبنى اللجنة العليا لباكستان، والسفارة الباكستانية فى (لندن).
واستمرت قضية «آسيا» محل جدل فى الداخل الباكستانى،  وفى الوقت ذاته استمر الضغط  الغربى الشديد على الحكومة الباكستانية للإفراج عنها، طوال ثمانية أعوام، إلى أن أفرج عنها بالفعل، مما أدى إلى احتجاج الأحزاب السياسية الدينية فى (باكستان) التى انطلق أعضاؤها ومؤيدوها فى الشوارع معترضين على تبرئتها. المظاهرات التى اجتاحت شوارع باكستان وشلت البلاد بأكملها، جاءت قبل أيام من حادث اغتيال «أبو طالبان»، ولكن بمجرد نشر خبر مقتل «سميع الحق»، وتسريب صور الجثة الملطخة بالدماء إلى وسائل الإعلام، تفاجأ العديد من الناس بتوصل الأحزاب الدينية المحتجة هناك إلى اتفاق مع الحكومة الباكستانية، تم على أثره إلغاء جميع الاحتجاجات فى غضون ساعات قليلة من عملية الاغتيال!
وعلى صعيد آخر، ذكرت التقارير سببًا آخر، يعزز من توجيه أصابع الاتهام إلى الاستخبارات الباكستانية أيضًا، وهو ما حدث قبل عملية الاغتيال بأيام قليلة، حيث تم الإفراج عن أحد المقربين من الملا «محمد عمر» الأفغانى، وهو الملا «عبدالغنى بارادار»، الذى ألقى القبض عليه عام 2010 فى مدينة (كراتشى)، فى عملية استخباراتية مشتركة بين (الولايات المتحدة، وباكستان).
وفى ظل هذه الظروف يصبح وجود «أبوطالبان» عائقًا فى تلك المحادثات. لأنه دائمًا ما اشترط بأن تحدث عملية انسحاب كامل للقوات الأجنبية، التى تقودها (الولايات المتحدة) من (أفغانستان)، عندما كان يطلب منه الدبلوماسيون الغربيون، بأن يقنع «طالبان» الأفغانية بوقف القتال، والبدء فى الحديث عن عملية سلام.
ومن هنا، يبدو أن عمليات تجميد المساعدات الأمريكية فى 2017 كانت مجرد ضغوط من جانب واشنطن وهى ما حركت المياه الراكدة بالفعل. فقد كانت (واشنطن) تعمل على تسليح (إسلام آباد) من خلال فرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية، التى تتخذ من (باريس) مقرًا لها، للحد من أنشطة مسلحى «طالبان» الأفغانية، الذين يعملون من داخل أراضى (باكستان)، لزعزعة استقرار الحكومة المدعومة من (الولايات المتحدة) فى (أفغانستان).
وكانت تصريحات الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب» سواء فى الإعلام، أو على موقع التواصل الاجتماعى «تويتر»، تنتقد (باكستان) لقيامها بلعبة مزدوجة، فيما يخص تأييدها لحكومة (أفغانستان)، وفى الوقت ذاته توفير ملاذات آمنة لحركة «طالبان» على أراضيها. وضاعفت واشنطن من ضغوطها عندما قامت بوقف المساعدات الأمريكية، التى تبلغ قيمتها 255 مليون دولار للحكومة الباكستانية. وهو ما كذبه المحللون الغربيون الذين رأوا أن تصريحات ترامب ضد إسلام آباد ما هى إلا تغريدات عصبية وهوجاء من الرئيس الأمريكى، ليكتشفوا بعد وقف المساعدات أنها سياسة مدروسة بعناية للإدارة الأمريكية الجديدة، لإقناع (باكستان) بمواصلة الخط، الذى رسمته (واشنطن) فى (أفغانستان)، والضغط على حركة «طالبان» للشروع فى عملية سلام مع الحكومة الأفغانية.
لذلك أكد العديد من المحللين الأمنيين أن (باكستان) صارت بحاجة إلى تكثيف جهودها الدبلوماسية، لإقناع الإدارة الأمريكية الجديدة، بأن حكومتها كانت مخلصة فى حربها ضد الإرهاب، حتى تستأنف مساعداتها مرة أخرى، والتى بلغت أكثر من 33 مليار دولار من المساعدات الأمريكية على مدى السنوات الـ15 الماضية، وفقًا لتغريدة «ترامب». وقد تكون عملية اغتيال «أبوطالبان»،دليلًا على صدق نيتها أمام الإدارة الأمريكية، ورسالة لبقية قادة الحركات الإرهابية بأن الدور عليهم قد يكون وشيكًا، ويبدو أن هذه الرسالة الأخيرة تحديدًا قد وصلت بعدما أوقف زعماء الأحزاب الدينية الاحتجاجات على تبرئة «آسيا».
وفى النهاية، يعد ما سبق هو مجرد ربط بعض الأحداث المنطقية، التى تشير إلى محاولة ضرب عدة عصافير بحجر واحد.. ومع ذلك، لا شىء مؤكد، فلا يزال قاتل «أبوطالبان» مجهولاً، والتحقيقات مستمرة.