الإثنين 6 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

كيف تتحرك مصر دوليًا للقضاء على الإرهاب؟

كيف تتحرك مصر دوليًا للقضاء على الإرهاب؟
كيف تتحرك مصر دوليًا للقضاء على الإرهاب؟


2822 كم هى المسافة بين مدينة «أستانا»، عاصمة جمهورية كازخستان، و«موسكو» عاصمة جمهورية روسيا الاتحادية، لكن سلسلة من التحركات الاستراتيجية المصرية مؤخرًا طوت تلك الأميال لتؤسس لعهد جديد ونقلة نوعية مختلفة فى الحرب على الإرهاب.. فبينما وقف الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف، الدكتور أحمد الطيب، فى افتتاح مؤتمر قادة الأديان، الذى عقدت فعالياته فى كازاخستان، يومى 10 و11 أكتوبر الجارى، ليعلن أن الإرهاب ليس صنيعة للإسلام أو الأديان، ولكنه صنيعة سياسات عالمية جائرة ظالمة ضلت الطريق، وفقدت الإحساس بآلام الآخرين من الفقراء والمستضعفين.
كان رأس الدولة المصرية الرئيس عبدالفتاح السيسى بعدها بخمسة أيام وتحديدًا فى 16 أكتوبر على موعد مع  كلمة تاريخية، هى الأولى من نوعها لرئيس دولة أمام مجلس الفيدرالية الروسى، ليؤكد أن الجميع أصبحوا فى خندق واحد، فلم يعد أحد بمنأى عن الخطر، ولم يعد بالإمكان تخطى تلك الأزمات فرادى، أو بدون تحمل جميع أعضاء المجتمع الدولى لمسئولياتهم، سواء عبر الإسراع بتحقيق التسوية السلمية للنزاعات، أو التصدى بحزم للأطراف التى تقف وراء الإرهاب، وتُغذيه بالقول أو الفعل.. أو المال.
ربط الرسائل والعبارات والتحركات المصرية بالتاريخ والجغرافيا التى تمت فى سياقها يجعلنا أمام خريطة مصرية جديدة ومتغيرة وشاملة فى التحرك ضد الإرهاب.. خريطة تظهر أبعادها أكبر وأعمق كثيرًا من «العملية الشاملة سيناء 2018» التى تسحق العناصر الإرهابية وتقضى عليهم فى الداخل، حيث المجابهة هذه المرة على المسرح الدولى وبأدوات الدولة المصرية القوية والمتنوعة.
تحركات بوتين
فور مغادرة الرئيس عبدالفتاح السيسى روسيا، حدثت تطورات مهمة فى مجابهة الإرهاب على الساحة الدولية، حيث أعلن الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، البدء فى عملية عسكرية بسوريا، مؤكدًا أن البدء فى تلك العملية العسكرية بسبب خطر الإرهاب، بما فى ذلك خطره على روسيا.
 تحرك بوتين أيضًا يأتى بعد العملية الإرهابية التى حدثت فى «كيرتش» بالقرم، حيث سقط 20 قتيلاً فى انفجار استهدف معهد بالمدينة،  الأربعاء الماضى، ومن بين القتلى 15 طالبًا، 6 منهم قُصَّر و9 يبلغ أعمارهم من 20 إلى 21 سنة، و5 بالغون، هم من عمال المعهد، ووصف بوتين الحادث بأنه يشبه حوادث المدارس فى الولايات المتحدة الأمريكية، داعيًا لحماية حضارة اليوم من الأمراض من خلال تضافر الجهود لمكافحة الإرهاب.
اللافت فى تصريحات الرئيس الروسى التى جاءت بعد مغادرة الرئيس السيسى وإعلان تحركه ضد الإرهاب تأكيده بأن هناك توافقًا فى الرؤى مع الرئيس عبدالفتاح السيسى حول الملف السورى قائلًا: «قضينا على الكثير من الإرهابيين، ونجحنا فى استعادة 95 % من الأراضى من يد الإرهابيين، وحافظنا على الدولة السورية وأدى ذلك إلى استقرار الأوضاع فى المنطقة».
تحرك بوتين الأخير ضد الإرهاب لا يمكن قراءته بمعزل عن كلمة السيسى لمجلس الفيدرالية الروسى، حين أكد أن الإرهاب يمثل تهديداً خطيراً على الإنسانية بأسرها، وإن تفكيك مفهوم الدولة الوطنية، تحت وطأة الأزمات المتلاحقة، يشكل خطراً وجودياً على أمن المنطقة والعالم كله، فلا يكفى أن المنطقة العربية لا تزال تعانى من أقدم وأعقد أزمة فى التاريخ المعاصر، متمثلة فى الصراع الفلسطينى الإسرائيلى، بعدما عجز المجتمع الدولى عن إيجاد حل عادل وشامل لهذا الصراع الممتد، يعيد للشعب الفلسطينى حقوقه المشروعة، بل تلاحقت باقى أزمات المنطقة، لتؤجج الصراعات الطائفية، وليخيم شبح تفكك وانقسام الدولة ومؤسساتها الوطنية، ليفرض مزيداً من التحديات والأخطار الجديدة، الأمر الذى يستدعى العمل معاً، وتسخير الطاقات وشحذ الهمم، لمواجهة الأخطار المشتركة.
بين الداخل والخارج
النقلة المصرية الكبيرة فى مجابهة الإرهاب وحصاره على المسرح الدولى جاءت بعد خنقه داخليًا، حيث تكشف الإحصاءات عن أن هناك انحسارًا ملحوظًا للعمليات الإرهابية فى مصر، حيث وصلت لـ 260 عملية إرهابية عام 2017 مقابل 365 عملية إرهابية فى 2016. وبكل تأكيد فإن هذا الرقم تراجع كثيرًا جدَا فى العام 2018، ولعل من المهم هنا العودة للوراء والتذكير بتصاعد وتيرة الأعمال الإرهابية فى مصر خصوصًا فى الثلاثة أعوام التى تلت سقوط حكم الإخوان من 2013- ٢٠١٦، حيث سجلت تلك الفترات أعلى معدلات للعمليات الإرهابية، بل جاءت لتأخذ منحى جديدًا من حيث المستهدفات، حيث استهداف القيادات الكبرى بأجهزة الأمن، وشخصيات عامة ورجال دولة، واستهداف الكنائس. وكان كل ذلك يتم بجوار المستهدفات الرئيسية الدائمة المتمثلة فى أعمال إرهابية ضد بنية الدولة من كهرباء وخطوط غاز ووسائل مواصلات.
حدث تحول نوعى فى فبراير ٢٠١٥ عندما قامت القوات الجوية المصرية بضرب أهداف فى مدينة «درنة» الليبية رداً على قتل 20 مصريًا اختطفوا فى مدينة سرت، حيث جاء التحرك المصرى موازيًا وقتها لهـذا التحول الجديد فى أداء التنظيمات الإرهابية، خاصة أن الحديث عن مواجهة التنظيمات الإرهابية فى الداخل المصرى بانعزال عن فهم البيئة الإقليمية من حيث التشابك التنظيمى والفكرى لتلك الجماعات الإرهابية هو خطأ فى توظيف آليات المواجهة وتحديد مسرح العمليات الأهم.
وهذا المثل يعبر عن ساحة المعركة الحقيقية، فمواجهة التنظيمات الإرهابية تبدأ خارج حدود الوطن، خاصة مع  التحولات الكبيرة التى شهدتها التنظيمات الإرهابية، خلال الفترة الماضية، حيث لا يمكن فصل الإرهاب فى مصر عن الإرهاب فى المنطقة فى ظل وجود شبكة علاقات قوية تربط بينهم، ووجود قوى إقليمية تدعم الإرهاب فى مواجهة الدولة المصرية، وربما هذا ما أشارت إليه تصريحات الرئيس التركى رجب طيب أردوغان بشكل علنى والتى أشار فيها إلى احتمالية انتقال الدواعش من سوريا باتجاه سيناء، كما أنه لا يمكن فصل الأحداث الإرهابية التى شهدتها مصر فى بعض الفترات، والتحركات المصرية الخارجية، فعلى سبيل المثال تم استهداف مطار العريش بعد التحرك المصرى فى الأمم المتحدة ضد قرار الرئيس الأمريكى دونالد ترامب باعتبار القدس عاصمة لإسرائيل، حتى إعلان الرئيس التركى رجب طيب أردوغان عن انتقال الدواعش إلى مصر جاء بعد القمة الثلاثية بين رؤساء مصر، وقبرص، واليونان.
تحرك الأزهر
التحرك المصرى على رقعة الشطرنج الدولية بات فى حاجة لنقلة كبيرة بدأت تتكشف ملامحها، فى خطاب الرئيس السيسى أمام مجلس الفيدرالية الروسى بالتأكيد على أن  مبادرة تجديد الخطاب الدينى، التى تم إطلاقها من مصر منذ سنوات، جاءت من أجل مواجهة خطاب التطرف والأفكار المغلوطة والتفاسير الملتوية، التى تجافى صحيح الدين، وتنافى قيمه الحميدة، منوهاً بالدور المقدر الذى يقوم به الأزهر الشريف فى هذا الشأن، كمنارة للإسلام المعتدل، الذى يعلى من قيم التسامح وقبول الآخر.
كلمات السيسى سبقتها جولة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، والتى شملت كلاً من كازاخستان وأوزبكستان وإيطاليا، حيث امتدت تلك الجولة ما بين آسيا وأوروبا، واستهدفت تشييد المزيد من جسور السلام والحوار عبر العالم، والتأكيد على رسالة الأزهر العالمية فى توضيح حقيقة الإسلام وتعاليمه السمحة وشريعته الغرّاء.
ويذكر أن شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب قام بـ8 جولات خارجية إلى الدول الغربية من أجل تجديد الخطاب الدينى، ونشر المفاهيم الصحيحة التى شوهتها الجماعات المتطرفة وعودة الحوار بين الأزهر والفاتيكان، فقد زار الإمام الأكبر نيجيريا وفرنسا، ألمانيا، الشيشان، السعودية، إندونيسيا، سويسرا، المغرب، البرتغال.
وهنا يبرز الدور المصرى الانتقال إلى تفكيك الإرهاب من خلال العمل على تفكيك منظومته الفكرية والفقهية، وإبراز دور علماء الدين فى مكافحة التطرف والإرهاب عبر التركيز على آليات وطرق جديدة، والتخلى عن الطرق التقليدية التى لم تعد تواكب العصر، حيث يجب الانتقال من الدفاع عن الشريعة فقط إلى مهاجمة الأفكار المتطرفة، وتفنيدها، والرد عليها بشكل منطقى يضع تلك الأفكار فى إطارها الصحيح، وذلك بشكل فعّال وأساليب جديدة، وخطاب جذاب، وتفاعل مع المجتمع. 