الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

هل يغضب الله من الموسيقى؟!

هل يغضب الله من الموسيقى؟!
هل يغضب الله من الموسيقى؟!


هل حقًا يتخذ الإسلام موقفًا معاديًا من الموسيقى؟
ليس أبسط من أن تتسرع فتطلق هنا حكمًا قاطعًا وتجيب بـ«نعم» أو «لا»، لكن قبل التورط فى إصدار حكم نهائى فى هذه القضية هناك مجموعة من النقاط يجب الإلمام بها أولًا.. قبل أن تصدر مثل هذا الحكم عليك أن تسلم أذنيك إلى عدة مقطوعات موسيقية متنوعة بين الحزن والشجن والهدوء والحماس وتتركها تحدث أثرها فى نفسك كى تعرف أولًا عن أى شىء نتحدث.
السؤال الذى نطرحه الآن ناقشته بالتفصيل فقهيًا وتاريخيًا الدكتورة سهير عبدالعظيم أستاذ الموسيقى العربية بكلية التربية الموسيقية بجامعة حلوان فى أطروحة الدكتوراه التى ضمنتها فى كتاب صدر حديثًا عن الهيئة العامة لقصور الثقافة.
قبل أن نمضى فى استعراض الجوانب الفقهية والتاريخية والشخصية فى المسألة علينا أن نسأل أنفسنا أولًا: ما الدين؟ وما الموسيقى؟ وهل يمكن أن يكون هناك تعارض بينهما؟ وهل يمكن أن يغضب الله من سماعنا للموسيقى وهو الذى صاغ الكون كأعظم معزوفة موسيقية شديدة التناغم والدقة؟
 موقف الأديان من الموسيقى
بنظرة عامة، سنجد أن الأديان جاءت لكى تنظم للناس سبل ممارسة حياتهم والاستمتاع بها لا لتقيد حرياتهم وتحرمهم من الجمال، ولكى تمد روحهم بأسباب التوازن النفسى لا لتجعلهم فى عداء مع كل أوجه المتعة، ولم يأت الإسلام مناقضًا لما جاءت به الأديان السابقة فى مناسكها وشرائعها، وإنما جاء بتعديلات تلائم نضج المجتمع البشرى الذى بدأ يتحول من عصور البدائية إلى عهد جديد تخللته الحضارات والمدنية.
تعددت الديانات وتنوعت العقائد ومارس كل إنسان طقوس دينه منفردًا أو منضمًا إلى جماعات، وحينما ينضم إلى جماعة فهو بحاجة إلى خلق انسجام فى الحركة أو الصوت، ومن هذا المنطلق جاءت فكرة التوافق الحركى والصوتى فى العبادة، وإذا ما تتبعنا طقوس الأديان على اختلاف المكان والزمان وجدنا أنها جميعًا قد اتخذت من الموسيقى أداة فى عملية التعبد الجماعى، وبعث النشوة الروحية، دخلت الموسيقى إلى المعابد مع الطقوس الفرعونية والإغريقية وانتقلت إلى أغلب الديانات.
بتتبع موقف الإسلام من الموسيقى تاريخيًا سنجد أن العرب فى شبه الجزيرة عرف عنهم حبهم للموسيقى والغناء والرقص والشعر، وانتشرت بينهم الحفلات الصاخبة، كما كانوا يدفنون موتاهم بالنواح ويزفون أعراسهم بالدفوف وهى الآلات المتعارف عليها حينها، وحين قدم الرسول إلى المدينة المنورة استقبله الأنصار بالدفوف منشدين «طلع البدر علينا»، وقد أهدى الرسول فى بداية سنوات الدعوة إلى شاعره حسان بن ثابت أسيرين بينهما جارية مغنية ولم يثبت عنه أنه نهاها عن الغناء.
 موقف الخلفاء من الألحان
خلال فترة الدعوة المحمدية والخلافة الراشدة ظلت أصوات الفتوحات والمعارك الحربية ثم تأسيس وتثبيت دعائم السلطة أو الدولة أعلى من غيرها من الأحداث، ولعل هذا الجانب من الحياة هو ما ركزت عليه وأبرزته كتب السيرة والتأريخ.
بانتقال الحكم إلى الأمويين انتقلت عاصمة الخلافة إلى دمشق وكان لهذا الأمر بالغ الأثر فى الاهتمام بالموسيقى والفنون وعم الاهتمام بها جميع أرجاء الدولة الإسلامية، وكان الخليفة يزيد بن معاوية من المولعين بالموسيقى رغم أنها استعدت عليه كثيرًا من الطوائف، وكان عبدالملك بن مروان موسيقيًا وملحنًا، أما الخليفة عمر بن عبدالعزيز فكان موسيقيًا وشاعرًا من الطراز الممتاز.
فى العصر العباسى اكتمل اهتمام المسلمين بالموسيقى وظهر فى ميدانها أعلام مثل إسحق الكندى والفارابى وابن سينا وغيرهم.
وفى الأندلس كانت أشبيلية أعظم مركز للموسيقى والشعر وصناعة الآلات الموسيقية، وقال ابن خلدون فى مقدمته «حينما يموت عالم فى أشبيلية ويراد أن تباع كتبه بثمن عظيم ترسل إلى قرطبة، وإن مات موسيقى فى عاصمة الأندلس كانوا يرسلون آلاته الموسيقية ومؤلفاته ومخطوطاته إلى أشبيلية التى نمت فيها الموسيقى وولع أهلها أشد ولعًا بها».
عندما سيطر الأتراك على العالم العربى تحت مسمى الخلافة العثمانية وصلت نكسة الموسيقى ذروتها وأخذت تتدهور فى جميع الأقطار الإسلامية، التى اقتصر فيها النشاط الموسيقى على ما يقوم به الدراويش فى الميادين، وهو ما ساهم فى حفظ بعض التراث الخاص بتلك البلدان.
 القرآن نفسه يحفل بالموسيقى
بعيدًا عن المواقف التاريخية، فإن القرآن نفسه يحفل بالموسيقى سواء ما يسمى بالموسيقى الداخلية الناجمة عن تقطيع آياته وتناغم كلماته، أو من خلال اتباع المقامات الموسيقية فى تجويد قراءته وهى العملية التى برع فيها مشايخ القراء المصريون عبر الزمن، بل إنه يعد مدعاة للفخر أن نقول إن قراءة القرآن ازدادت جمالًا بعذوبة أصوات القراء المصريين وحسن أدائهم له، وقد كانت المقامات الموسيقية ضمن المواد التى تدرس فى الأزهر حتى نهاية القرن التاسع عشر.
فقهيًا، انقسم الأئمة الأربعة - وهم بشر - فى موقفهم من التغنى بالقرآن، ففيما رأى مالك بن أنس وأحمد بن حنبل أن القراءة بالألحان بدعة، ذهب أبو حنيفة والشافعى إلى إباحة التطريب بالقرآن مستدلين بالعديد من الأحاديث والمواقف التاريخية من حياة الرسول.
يستدل أصحاب الرأى القائل بإباحة الغناء والموسيقى بعدة أحاديث منسوبة للرسول منها قوله «مابعث الله نبيًا إلا وكان حسن الصوت»، وقوله «الله أشد أذنا للرجل حسن الصوت من صاحب القينة لقينته»، وقول أنس بن مالك أن النبى كان يحدى له فى سفره، أما أصحاب الرأى القائل بتحريم الغناء فقد استدلوا بالآيات القرآنية التى تتحدث عن اللغو، وهى كلمة عامة تشمل كل ما لا يحل قوله من الكلام وما لا فائدة منه مطلقًا.
 أزهريون فى حب الطرب
وقد كان الشيخ حسن العطار إمام الجامع الأزهر فى القرن الثالث عشر الهجرى له ولع شديد بالسماع وعلى معرفة تامة بأصوله، ومن كلماته فى هذا الصدد «من لم يتأثر برقيق الأشعار حين تتلى بلسان الأوتار على شطوط الأنهار فى ظلال الأشجار فذلك جلف الطبع حمار».
وكان الشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر يرى أنه لا يمكن تحريم صوت الآلة الموسيقية إلا إذا استعين به على فعل أمر منهى عنه، وكان يقول إن تحريم ما لم يحرم الله أو تحليل ما حرم كلاهما افتراء على الله، واستدل بقوله تعالى «قل من حرم زينة الله التى أخرج لعباده والطيبات من الرزق».
 شغلت قضية الموسيقى جميع مفكرى الشعوب، فالأديب الألمانى الشهير جوته يعرفها بأنها «الواسطة فى كل ما لا يستطيع اللسان النطق به» والحكيم الصينى كونفوشيوس يقول «إذا أردت أن تعرف مكانة أمة من الرقى فابحث عن موسيقاها، فهى أقوى الفنون تحريكًا للنفس البشرية».
 أثر الموسيقى على الإنسان
بقى أن نشير إلى أثر الموسيقى على الإنسان، فقد أطلق البعض عليها مسمى «غذاء الروح»، فإذا كان كل كيان حى يحتاج إلى غذاء ليستمر، فالروح أيضًا بحاجة إلى غذاء، وقد استخدمت الألحان الحماسية منذ زمن بعيد فى شد عزيمة وشحن همة المقاتلين قبيل ابتداء المعركة وأثناءها.
تساعد الموسيقى الهادئة على النوم وتخفّف أعراض النوبات المرضية المختلفة، وتستخدم فى بعض العمليات الجراحية كمخدر، كما تستخدم كمساعد للعلاج فى الطب النفسى،إذ تعمل على زيادة الشعور بالاسترخاء أو الانتشاء، كما تخفف من الشعور بالاكتئاب.
تساعد أنواع من الموسيقى فى زيادة نسبة التركيز، وتؤثر على انتظام ضغط الدم وتساعد على استرجاع الذكريات، وهو ما يؤكد فوائدها الطبية والصحية والذهنية للبشر، فهل يعقل أن يعادى الله واحدة من أجمل ما خلق فى كونه؟
 خلاصة القول
خلاصة القول أن بعض رجال الدين ممن نصبوا أنفسهم من دون حق أوصياء على الخلق، بنوا تصورًا عن شريعة الله ويريدون نشره وتعميمه من دون سواه، بعد أن دفنوا رءوسهم فى تلال النصوص التاريخية التى اعتلتها الأتربة، فاستخرجوا منها عبارات مبتورة ومجتزأة، صاغوا منها صورة الشريعة الإلهية تشبههم إلى حد كبير.. وهو ما انعكس أيضا على تصورهم للإله ذاته.
إله يكره الفن والموسيقى بأنواعهما، ويكاد يكون فى خصومة مع كل أوجه الجمال أو المتعة، إله يحب الجلباب الأبيض الذى يخاصم القدم، ويستمتع بالنظر إلى اللحى الكثة الطويلة، والشارب المحفوف، وتقف شريعته عند حدود السواك، ودخول الخلاء بالقدم اليسرى، وهى فى الحقيقة ليست صورة الإله الذى يجب أن يعبده جميع البشر، وإنما صورتهم هم التى عبدوا أنفسهم من خلالها.