من «جنة» إفريقيا إلى «جحيم» أوروبا فى 15 دقيقة
مصطفي ماهر و اية الجندي
تدريجيا أصبحت إسبانيا هى البوابة الجديدة والأسهل أمام المهاجرين الذين يختارون البحر والقوارب المتهالكة الضعيفة للعبور إلى أوروبا، حيث يسعون لبناء حياة جديدة بعيدًا عن المتاعب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التى يعيشونها فى بلادهم فى قارة إفريقيا.. وقد ضاق حال إيطاليا فى السنوات الأخيرة وأصبحت لا تقبل أى تعامل مع المهاجرين الذين يستخدمون البحر المتوسط للوصول إلى شواطئها، وعلى عكس ما كان يحدث فى السنوات الماضية، ففى الرابع من يوليو الماضى رفضت السلطات الإيطالية التعامل مع قارب يضم نحو 60 مُهاجرًا من جنسيات إفريقية مختلفة كانوا يواجهون خطر الموت غرقًا قبالة الشواطئ الليبية.
المهاجرون لم يغرقوا، فقد عرض رئيس وزراء إسبانيا الجديد «بيدرو سانتشيث» استقبال هؤلاء المهاجرين، وقالت رئيسة بلدية برشلونة «أدا كولاو» فى هذا الشأن: «المهاجرون الذين وصلوا اليوم، واجهوا الموت فى البحر، لكنهم أحياء».
ولم تكن تلك هى الواقعة الأولى، خاصًة وأنَّ إسبانيا استقبلت نحو 629 مُهاجرًا قبل تلك الواقعة بشهر.
وكانت إيطاليا تركت نحو 100 مُهاجر يغرقون فى عرض البحر قبالة سواحل طرابلس بعد أن امتنعت عن إنقاذهم فى شهر يونيو الماضى.
كما كشفت وكالة «فرونتيكس» المسئولة عن حماية الحدود الأوروبية فى أغسطس الماضى (2017) عن قلة أعداد المهاجرين الذين يدخلون أوروبا عبر السواحل الإيطالية، بينما ارتفع العدد فى إسبانيا انخفاضا ملحوظا فى عدد المهاجرين غير الشرعيين القادمين إلى إيطاليا فى الآونة الأخيرة، بالتزامن مع زيادة عددهم فى إسبانيا.
وأوضحت الوكالة أنَّ الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا عبر البحر المتوسط قد انخفضت بنسبة الثلثين منذ مطلّع عام 2017، حيث سجلت 127.1 ألف حالة اختراق لحدود الاتحاد الأوروبى الخارجية خلال الأشهر الـ7 الأولى من ذلك العام.
وبسبب محاولات إسبانيا لإنقاذ المهاجرين من الغرق، انقلبت البلد الأوروبى رأسًا على عقب بسبب الإحصائيات الرسمية للمهاجرين غير الشرعيين، والتى جعلت إسبانيا تتخطى إيطاليا كوجهة أولى أمام المهاجرين الذين يعبرون أفريقيا فى محاولة منهم للوصول الى أوروبا عن طريق مدينتى «سبتة» و «مليلة» الواقعتين داخل الحدود المغربية لكن تحت الحكم الإسباني.
> أرقام تعكس حجم الأزمة
ووفقا لإحصائيات منظمة الهجرة الدولية «OIM»، وصل إلى سواحل شبه الجزيرة الإيبيرية منذ مطلّع العام الجارى 20.992 مهاجرا، قادمين بشكل رئيسى من خلال مضيق جبل طارق وبحر البوران، وتبلغ نسبة المهاجرين الذين وصلوا أوروبا عن طريق البحر 38.16 % وتعتبر هذه النسبة أعلى 3 مرات مقارنة بالفترة نفسها العام الماضى.
لم يتوقف الأمر عند ذلك.. أعلنت إدارة الإنقاذ البحرى السبت الماضى، عبر حسابها الرسمى على موقع «تويتر» نجاحها فى مساعدة 334 شخصا كانوا على متن 17 قاربًا صغيرًا متهالكًا، ووفر حرس الحدود الإسبانى الإغاثة لـ888 شخصا آخرين خلال الجمعة الماضية.
> سياسيون غير راضين عن رد فعل الحكومة
من جهة أخرى، طالب «فيرناندو كراند مارلاسكا» وزير الداخلية الإسبانى السبت الماضى عند زيارته لمدينة «قادس» بضرورة إيجاد حل أوروبى لمشكلة الهجرة غير الشرعية، بعدما استطاع خفر السواحل مساعدة وإنقاذ 1200 مهاجر من البحر خلال يومين، مؤكدًا خلال مؤتمر صحفى أن مشكلة الهجرة غير الشرعية تعد أزمة أوروبية فى حاجة إلى حل من جميع دول القارة.
أما «تيوديرو جارسيا» الأمين العام للحزب الشعبى الإسبانى فقد أعلن أن الحزب يعتبر المهاجرين غير الشرعيين ما هم إلا ضحايا، مضيفًا أنَّ الحزب يرى أن العصابات التى تتعامل مع المهاجرين هم المذنبون، بينما يعتقد الحزب أن «بيدرو سانشيز» رئيس الحكومة الإسبانية هو المسئول عن تلك الأزمة، ويجب عليه وضع حلول.
فيما طالب «ألبرت ريفيرا» رئيس حزب «المواطنون» الليبرالى الإسبانى رئيس الحكومة الإسبانية بالتخلى عن العمل الخيرى فى موضوع الهجرة، وأن يستثمر المزيد من الموارد والعديد من وسائل التكنولوجيا لمواجهة مشكلة الهجرة غير الشرعية.
>عصابات تصادر أحلام الحالمين بجنة أوروبا
المسافة بين شمال المغرب وسواحل إسبانيا ليست بالبعيدة، قد لا تزيد على 16 كم، لذلك الهجرة تبدو مغرية بشكلٍ كبير لكل من يعيش فى المغرب أو انتقل للحياة بها سواء من دول شمال أفريقيا أو جنوبها حيث الفقر والأزمات الاقتصادية الصعبة، وقبل تسعينيات القرن الماضى كان الانتقال من المغرب إلى إسبانيا تحديدًا أمرًا سهلًا قد لا يحتاج إلى استخراج تأشيرة سفر، لكن الحال تغير خاصًة بعد أن تأزمت العلاقات السياسية والدبلوماسية بين إسبانيا وجارتها الإفريقية المغرب، حيث إن إسبانيا تحتل 21 جزيرة مغربية أمازيغية، بالإضافة لاحتلال مدينتى «سبتة» و«مليلة»، وفى عام 1995 أصبحت «مليلة» تتمتع بصيغة الحكم الذاتى داخل إسبانيا، وذلك بقرار من البرلمان الإسباني.
فى التسعينيات أصبح الانتقال من المغرب إلى إسبانيا يتطلب تأشيرة دخول، بعد أن انضمت إسبانيا إلى الاتحاد الأوروبي، وأصبح الأمر يتطلب تأشيرة دخول خاصة لأوروبا «شينجن»، ومن هنا ظهرت الهجرة غير الشرعية عن طريق البحر من المغرب إلى إسبانيا، والتى تتحكم فيها عصابات تهريب لا يمهما سوى جمع المال.
>ارتفاع مستمر فى أسعار الهجرة
وبحسب ما ذكرته صحيفة «إلباييس» الإسبانية العام الماضي، زادت كلفة الهجرة غير الشرعية لتصل إلى ألف يورو أو أكثر بعد أن كانت 400 و500 يورو فى الأعوام السابقة، وذلك بسبب زيادة الإقبال على الهجرة فى الآونة الأخيرة، ومع وجود قوارب جديدة مُثبت بها محركات قوية تستطيع أن تنقل المهاجرين من أفريقيا إلى أوروبا فى أقل من 30 دقيقة!
وتحاول الحكومة المغربية مواجهة عصابات الهجرة بالعديد من الطُرق، لكنها ما زالت مواجهات ضعيفة، وتمكنت حتى نهاية العام الماضى من القبض على 73 شبكة تعمل فى تهريب البشر إلى أوروبا.
وفى الوقت ذاته، تحاول عصابات التهريب تقليل المخاطر والوقت الذى يقضيه المهاجر فى الرحلة، وكانت من أبرز الابتكارات الاعتماد على القوارب السريعة التى لا تستوعب سوى اثنين فقط، ويمكنها أن تصل سواحل إسبانيا فى أقل من ربع ساعة، وفى تلك الرحلة قد تصل تسعيرة الهجرة إلى حوالى 3000 دولار.
ووفقًا للاستخبارات الإسبانية، تبلغ التكلفة التى يتحملها كل مهاجر ما بين 1000 إلى 1200 يورو حتى يتمكن من العبور إلى إسبانيا عن مضيق جبل طارق.. وتفرض هذه العصابات رسمًا يتراوح بين 25-45 يورو عن كل مهاجر حتى يسهلوا لهم دخول مدينتى «سبتة» و«مليلة» سواء بالسباحة أو عن طريق أى وسيلة أخرى، و 1000 يورو إذا كان سيستخدم قاربا صغيرا، و3000 أو 4000 يورو إذا كان العبور سيتم بسيارة و5000 أو6000 يورو لتقديم جواز سفر مزور.
كما تعلم المخابرات الإسبانية أن جانبا كبيرا من الأشخاص الذى يهاجرون عبر المغرب قادمون من المغرب، وموريتانيا، ونيجيريا والسنغال ومصر والجزائر وسوريا أحيانًا.
وطبقا لما قالته الشرطة الإسبانية حول السياج الحدودى لمدينة «سبتة» فإن تخطى السياج الحدودى يعتبر أصعب من «مليلة»، وذلك يرجع لخصائص الأرض الموجود فوقها السياج، أما فى مليلة، ينتظر المهاجرون عبور الحاجز فى مخيمات مؤقتة فى جبال «جورجو»، حيث يأتى المهاجرون القادمون من مدينتى «وجدة» و«الناظور» شمال المغرب، والتى عادة ما يأتى منها مهاجرون ناطقون بالفرنسية، أما فى «وجدة»، فمن الملاحظ وجود تجمعات نيجيرية تتحكم فى عملية الهجرة من الحدود الجزائرية».
وتفتخر السلطات الإسبانية بإغلاق طريق آخر أمام الزوارق التى تنقل المهاجرين من السنغال وجامبيا إلى جزر الكناري، فمنذ عام 2009 لم تصل هذه الأنواع من السفن بفضل التعاون بين الحكومات المعنية بذلك، بينما الآن غيرت عصابات الهجرة غير الشرعية طريقها وقررت أن تنقل عملاءها إلى شمال المغرب.