الأربعاء 8 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

باسم «وكالة الاستخبارات».. أعلنكم زوجًا وزوجة

باسم «وكالة الاستخبارات».. أعلنكم زوجًا وزوجة
باسم «وكالة الاستخبارات».. أعلنكم زوجًا وزوجة


حالة من الجدل يعيشها المجتمع الأمريكى، بعدما تم الكشف عن وثائق خاصة بـ«هيئة الإنفاذ لشئون الهجرة والديوان» الأمريكية، التابعة لوزارة «الأمن الداخلى»، والتى أوضحت أن عملاء الوكالتين، بإمكانهم الزواج قانونًا، أو زورًا من الأشخاص المستهدفين، إن استدعى الأمر لحصولهم على المعلومات المطلوبة، وإنجاز المهمة.


الوثيقة المعنونة بـ«دليل العمليات السرية»، عبارة عن كتيب مكون من 227 صفحة، والذى قسمه ناشره إلى 14 فصلًا، و10 ملاحق، يسلط فيه الضوء بشكل عام على البنية الأساسية والسرية لعمليات إدارة المُخبرين السريين فى (الولايات المتحدة).
ولكن موقع «ويكيليكس» تنبه إلى نقطة مهمة وهى أن الكتيب يحتوى على تفاصيل التعليمات الخاصة بالوكلاء السريين، وطريقة تسللهم وتنفيذ مهامهم بأية وسيلة، بما فى ذلك الزواج بأشخاص مستهدفين، كعملية سرية حساسة.. وهو أمر تقوم به وكالات تطبيق القانون، والاستخبارات هناك منذ سنوات.
وينص القانون داخل هذا الكتيب، على أنه من الممكن أن: «يحتوى النشاط (العملية السرية) على زواج قانونى مزعوم بين العميل السرى والشخص المستهدف، أو إتمام عملية «زواج زورًا»..حيث يقوم أحد العملاء السريين بتزوير الزواج من الشخص المستهدف».
وعلى الرغم من صدور هذا القانون منذ عام 2008، لكنه لم يكشف عنه إلا خلال الأيام القليلة الماضية، مما يثير –وفقًا لما أوضحه موقعه «ويكيليكس»- فضولًا واسعًا حول اقتراب ظهور وابل لا محدود من فضائح الزواج الزائف لجواسيس (الولايات المتحدة)، شبيهة لما حدث فى (بريطانيا) من قبل.
يذكر أن هذا النوع من الانتهاكات لحقوق الإنسان لم يكن قانونيًا فى بريطانيا، إلا فى يونيو عام 2012، عندما قرر وزير الداخلية البريطانى حينها ـ «نيك هربرت»، أمام البرلمان، أن: «ضباط الشرطة المتخفين يمكنهم بدء علاقات جنسية مع المستهدفين، كجزء من عملهم التشريعى، إذا كان ذلك يعنى أنهم سيكونون أكثر قابلية للتصديق». قائلًا: «لست مقتنعًا بأنه سيكون من الضرورى تقديم إرشادات قانونية محددة، بشأن ظروف العلاقة بموجب القانون»..بمعنى آخر، أن تكون دائرة العلاقات أمرًا قانونيًا، دون وضع أطر معينة لنوعية تلك العلاقة، بداية من الصداقة حتى الزواج وإنجاب الأطفال أحيانًا !!
تسير وكالات الاستخبارت الأمريكية بنفس النهج، وعلى رأسها وكالة الاستخبارات المركزية (CIA)، التى تقوم بتدريب ضباط المخابرات على الكذب، وطرق التسلل المتنوعة، لإعدادهم للقيام بالمهام الخطيرة المتمثلة فى سرقة الأسرار فى الخارج. وعلى الرغم من عدم تسريب القانون الصريح، الذى يتيح لهم بفتح دائرة العلاقات، أو الزواج من المستهدفين، إلا أن بعضًا من عملاء الوكالة اعترفوا بإباحة تلك العلاقات، وإن كان أغلبهم قد أنجز مهمته قبل إتمام الزواج، أى على مستوى العلاقات الجنسية فقط حسبما أوضحت اعترافاتهم.
 وفى اعتراف مسئول سابق فى وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية «رويل مارك» على موقع جريدة «ذا نيو ريبابليك»، قال: «كان زملائى يشعرون بالبهجة، أو يصابون بخيبة أمل من حين لآخر، لكنهم لم يصابوا أبدًا بأى صدمة، عندما اكتشفوا أن ضباطًا متزوجين، يراقبون مديرة مكتبهم أو غيرها من زملائهم فى المكتب، ولم يصابوا بصدمة حين عرفوا عن لقاءات سرية داخل بيوت أو فنادق خاصة، أو حتى فى موقف السيارات.. فيستطيع هؤلاء إبقاء عشيقاتهم المستهدفات مخفيات، ويمكنهم أيضًا أن يحافظوا على ما يسمى «شريك فى السرير» لبعض الوقت، وأن يقولوا له فيما بعد بصدق، أنهم لم يكونوا يقصدون ذلك».
ثم أضاف: «على حد علمى فإن للوكالة قدرة على تجنيد الصديقة ضد صديقها، والحبيب ضد حبيبته، والزوج ضد زوجته».
ولم يتوقف الأمر عند هذا، فأكد أن مثليي الجنس، كانوا يُطردون فور اكتشاف الوكالة أمرهم، إلى أن جاء مدير الوكالة «جيمس وسلى» فى عهد إدارة الرئيس الأمريكى الأسبق «بيل كلينتون»، وأتاح وجودهم بقرار تنفيذى رقم (12968). وعلق «مارك» قائلًا: «ومن حينها ازدهر رجال الشرطة المثليين بهدوء، حتى فى الوكالات الاستخباراتية الأجنبية فى أوروبا الشرقية». مما قد يشير أيضًا إلى أن زواج المثليين صار بالنسبة للوكالة أمرًا مشروعًا إذا ما تطلبه العمل أو كان حدوثه سيسهل تنفيذ مهمة ما.
وبالفعل كان الموقع الرسمى لـ(CIA)، قد احتفل الشهر الماضى، بما أطلقوا عليه مسمى «شهر المثليين»، على الرغم من القرارات التعسفية للرئيس الأمريكى الحالى «دونالد ترامب» ضد المثليين.
واحتفى الموقع بما قامت به مديرة الوكالة «جينا هاسبل» أثناء الاحتفال، الذى أقيم فى المقر الرئيسى لوكالة المخابرات المركزية، فى الأسبوع الأول من شهر يونيو.. حيث قدمت أمام الجميع اللواء «تامى سميث»، أول امرأه، وأعلى رتبة لمثلية الجنس فى تاريخ الوكالة الأمريكية.
 أما فى بريطانيا فإن قضية زواج الجواسيس من ناشطات أو حتى إقامة علاقات عابرة معهن هو  أمر معروف وآمن كان غير قانونى والهدف منه بالطبع هو اختراق المجموعات أو الجماعات الناشطة فى مجال ما. الواقع يؤكد أن هذه القصة تكررت مرارًا هناك ووصل الأمر إلى حد رفع الزوجات دعاوى قضائية ضد أزواجهن يتهمنهن بالغش وانتحال صفة نشطاء وعدم الإفصاح عن هوياتهم الحقيقية على مدار سنوات الزواج.
وتعتبر قصة الجاسوس البريطانى «مارك كيندى» هى الأشهر حيث كان يعمل مع الشرطة البريطانية وتحديدًا فى وحدة الاستخبارات.وكانت الوحدة قد وضعت خطة لاختراق عدد من المجموعات الاحتجاجية فى الفترة ما بين عامى 2003 و2010 ووقع الاختيار على كيندى لتنفيذ بعضها. ويذكر أن كيندى، بعد افتضاح أمره، عرف بأنه من أوائل الضباط الذين استخدمتهم الشرطة فى عمليات الاختراق.
سبع سنوات قضاها الجاسوس العاشق فى عمله السرى مستخدمًا أسماء مزيفة منها «مارك ستون» و«مارك فلاش». اعترف كيندى فى حوار تليفزيونى عام 2011 بعد افتضاح أمره بأنه قام بمهمة لصالح جهات الشرطة التابعة لـ22 دولة بهدف إغلاق ما يعرف بـ «مركز بى الشباب» والذى اتخذ من كوبنهاجن مقرًا له حيث تخفى كيندى فى صورة ناشط فى مجال البيئة واخترق المجموعة ونفذ المهمة التى سبقتها مظاهرات وأعمال شغب وحرائق قبل إغلاق المركز تمامًا.
كما اعترف كيندى فى الحوار التليفزيونى بأنه عمل لصالح الحكومة الألمانية خلال مهمة إغلاق المركز وارتكب جريمتين خلال مهمته، موضحًا أن إحدى الجريمتين كانت اشتراكه فى إشعال الحرائق وقتها، وهو ما دفع أعضاء البرلمان الألمانى إلى الاعتراض وانتقاد الشرطة الألمانية التى سمحت لكيندى بممارسة نشاطه خلال فترة الاحتجاجات. وكانت الشرطة الألمانية قد ألقت القبض على كيندى وقتها بتهمة إشعال الحرائق لكنها أفرجت عنه ولم يقدم للمحاكمة أبدًا. وتساءل أعداء البرلمان وقتها كيف سمحت الحكومة الألمانية لجاسوس بريطانى بإقامة علاقات صداقة قوية بل علاقات جنسية أيضًا مع فتيات من ألمانيا ظنن أنه ناشط بينما يخدعهن تحت مرأى ومسمع من حكومة بلادهن.
وبينما أقامت الفتيات المخدوعات دعاوى قضائية ضد كينيدى،أقام الجاسوس نفسه دعوى ضد الشرطة البريطانية يتهمها بتدمير حياته والفشل فى حمايته. أما الضحايا من الناشطات فقد أقمن دعاوى أيضًا ضد جهاز الشرطة الذى اضطر، فى كل مرة تثبت المحاكمة تورطه،إلى إصدار بيان رسمى يعتذر فيه عما بدر من الجاسوس الذى يعمل لصالحه.
إحدى ضحايا كيندى أكدت فى حوار تليفزيونى على قناة «بى.بى.سى» أنها أصبحت على ثقة تامة بأن ما حدث معها من خداع ومراوغة ليس سلوكًا شخصيًا من كيندى بل هو أسلوب عمل متفق عليه من جانب جهاز الشرطة البريطانية منذ أربعين عامًا. وأضافت الناشطة «كيت ويلسون» أن الحل الوحيد للوصول إلى العدالة هو إعلان جهاز الشرطة عن أسماء الضباط التابعين له الذين اخترقوا المجموعات الناشطة لكى تتمكن الناشطات من اكتشاف حقيقة علاقاتهم المزيفة. وبالطبع لم تكن «ويلسون» هى الضحية الوحيدة لكيندى بل كانت هناك أخريات ورفعن قضايا بعد نشر صور كيندى فى وسائل الإعلام.
وعلى الرغم من الشهرة التى حظيت بها قصة «كيندى» إلا أنها فى الواقع لم تكن الأولى من نوعها حيث كان «بوب لامبرت» هو أول جاسوس يستهدف النساء ويقيم علاقات معهن لمساعدته فى تنفيذ مهمته وذلك عام 1984. استخدم «لامبرت» اسمًا مستعارًا خلال مهامه السرية مع الشرطة البريطانية، كان الاسم هو «بوب روبنسون» وتخصص لامبرت فى اختراق المجموعات الناشطة فى مجالى الحيوانات والبيئة فى الثمانينيات ثم عمل كمدير لهذه العمليات فى التسعينيات ويبدو أنه أخذ على عاتقه تدريب جيل جديد من الضباط السريين الذين يعملون على طريقته. عمل «لامبرت» كأكاديمى فيما بعد، ولم يفتضح أمر عمله كجاسوس على النشطاء إلا عام 2011 عندما أعلن نشطاء مجموعة «لندن جرينبيس» أنه كان يتجسس عليهم. المثير أن إحدى الناشطات السياسيات اللاتى استهدفهن لامبرت خلال سنوات عمله الاستخباراتى أعلنت أن علاقتهما أثمرت طفلًا لكنها استيقظت يومًا ولم تجد والده ولم تستطع الوصول إليه وعاش يجهل والده ويحمل اسمًا ليس الاسم الحقيقى لوالده بل الاسم المستعار الذى استخدمه أبوه ليخدع والدته.
أما الضابط السرى «ريك جيبسون» فقد فشلت مهمته بعد أن كشفه النشطاء فى مجموعة مناهضة للوجود البريطانى فى أيرلندا فى السبعينيات. قام النشطاء بالتحقيق مع جيبسون بعد تشككهم فيه بسبب ضعف معلوماته السياسية وبالتالى لم يكن وجوده مبررًا بينهم. واكتشف النشطاء أنه انتحل اسم شخص متوفى لاختراق المجموعة. جيبسون اختفى تمامًا بعد افتضاح أمره لكن المجموعة لم تعلن عن القصة أبدًا. لكن بعد أن شاهده بعض أصدقائه من أعضاء المجموعة فى فيلم وثائقى عرض على قناة «بى.بى.سى» باسم «جواسيس حقيقيون»، أعلنوا أنه كان يتجسس عليهم وبدأت الصحف تتداول قصته.
الشرطة البريطانية نفت مرارًا أن تكون مسألة الزواج أو العلاقات بين الجواسيس والمستهدفين قانونية ووصفتها بأنها غير مهنية وغير أخلاقية، لكن جهاز الشرطة لم يعاقب أيًا من موظفيه يومًا على ما ارتكبوه من جرائم رغم الاعتراف بها.