3 أطراف متهمة بالتورط فى محاولة اغتيال آبى أحمد؟

هدى المصرى
جاءت محاولة الاغتيال الفاشلة لرئيس وزراء إثيوبيا «آبى أحمد» بقنبلة يدوية وهو يلقى خطابًا فى العاصمة أديس أبابا وسط حشد من أنصاره يدعو فيه إلى الوحدة والمصالحة والسلام فى توقيت شديد الحساسية، إذ تمت بعد أقل من أسبوعين من تعهده بعدم المساس بحصة مصر من مياه النيل وقبل أيام قليلة من وصول وفد إريترى إلى إثيوبيا للمرة الأولى لبحث تطبيع العلاقات وحل الخلافات العالقة بين البلدين، وتبقى المحاولة الفاشلة هى الحدث الإفريقى الأبرز خلال الأيام الماضية، خاصة أن التحقيقات لا تزال جارية بعد إلقاء القبض على تسعة من قيادات الشرطة الفيدرالية فى الدولة، من بينهم رئيس شرطة العاصمة الإثيوبية أديس أبابا.
تشير الفرضيات الأولية إلى أن الدوافع السياسية تأتى فى مقدمة الأسباب المفترضة وراء محاولة اغتيال آبى أحمد وتصفيته، لاسيما بعد التغييرات الكبيرة التى أجراها فى التوجهات العامة للبلاد، منذ أن تولى مهامه على رأس الحكومة فى إثيوبيا فى أبريل الماضى، حيث أفرج آبى أحمد عن عدد كبير من المعارضين واتخذ إجراءات لتحرير الاقتصاد، كما قرر إنهاء الخلاف مع إريتريا إلى جانب إجرائه تعديلًا واسعًا فى المناصب القيادية بالجهاز الأمنى للدولة .
التحولات الكبرى التى أجراها «آبى» على شبكة علاقات نظام الحكم الإثيوبى خلال فترة قصيرة جعلت من الصعب التنبؤ بدقة بالطرف المتورط فى محاولة اغتياله، فاتجاه آبى أحمد لإحلال السلام فى الصومال وتبنيه فكرة إنهاء الحرب مع إريتريا وتعزيز الروابط الاقتصادية بينهما مع ترحيب مصرى إماراتى بذلك، وإعادة تشكيل العلاقات بين أديس أبابا وجيرانها بإبداء قدر من المرونة لحل الخلافات إلى جانب اتخاذ إجراءات لإصلاح الخلل العرقى القائم فى البلاد وتطهير الأجهزة الأمنية من سيطرة أقلية «التجراى» مع الحفاظ فى الوقت ذاته على الائتلاف الحاكم فى الدولة، ووعوده بإعادة الأرض الإريترية المحتلة من قبل إثيوبيا تعتبر كلها مقدمات لعملية اغتيال فاشلة لرئيس الوزراء الإصلاحى الذى فاجأ الجميع خلال الشهر الجارى بزيارة لمصر تعهد فيها بعدم الإضرار بحصتها من مياه النيل، كما أعلن فى نفس الشهر عن استعداده لتنفيذ اتفاق سلام أبرمته بلاده مع إريتريا عام ٢٠٠٠ لإنهاء حرب استمرت بينهما لعامين.
بعض أصابع الاتهام تشير إلى أن من يقف خلف العملية هى الدولة العميقة من «التجراى»، وذلك كونهم على رأس من تشملهم عملية الإصلاح فى البلاد، حيث بدأ آبى أحمد بالإطاحة بهم تخلصًا من نفوذهم، كما كشفت أقوال مدير الشرطة النائب الخاص به وأركان الجيش والطيران غير أن الأمر قد يكون له علاقة بالصراع على النفوذ من قبل جهات خارجية تصر على أن تكون أديس أبابا شوكة ومصدر قلق دائم لجيرانها وقد تعرقل إصلاحات آبى أحمد الأخيرة مصالحها فى منطقة القرن الأفريقى والتى ترتكز بالدرجة الأولى على توتر علاقات إثيوبيا مع دول الجوار.
وحتى تسفر نتائج التحقيقات التى تجريها الجهات المختصة عن مزيد من المعطيات لتزيل كل هذا اللبس والغموض، خاصة أن محاولة الاغتيال الفاشلة تشير لكون الأمر مدبرًا وإن هناك قصورًا أمنيًا متعمدًا، فإن توجيه آبى أحمد الاتهام عبر كلمة متلفزة بعد دقائق من الحادث لقوى وجهات لم يسمها تقف وراء الحادث بأنها تستهدف مسيرة النهضة والتغيير فى البلاد ولا تريد أن ترى إثيوبيا متحدة ظلت محل جدال، كما أثارت حفيظة خصومه بالداخل من رجال الحرس القديم الذين يمثلون أركان الدولة العميقة فى إثيوبيا.
وكما رفض قادة الجيش وبعض الإثيوبيين فى الشمال بالقرب من الحدود مع إريتريا اتفاق السلام مع إريتريا، انزعجت بعض الدول ( قطر – تركيا ) من بوادر إنهاء حالة الحرب بين البلدين إلى جانب قلقهما من التقارب الإثيوبى مع المعسكر المصرى الإماراتى ويدعم هذا المعسكر الأخير التقارب الجديد الحاصل بين إثيوبيا والصومال الأمر الذى يصب فى صالح تخفيف التوترات فى منطقة القرن الإفريقى وتراجع نفوذ الدوحة لصالح استعادة الدور الإماراتى فى تلك المنطقة – كشفت عنه زيارة ولى العهد الإماراتى الأولى من نوعها لإثيوبيا .
زار رئيس الوزراء الإثيوبى آبى أحمد مؤخرًا الصومال وأعلن الجانبان عن خطط للاستثمار المشترك فى أربعة موانئ على البحر الأحمر لجذب الاستثمار الأجنبى إلى بلديهما فى أحدث خطوة للاستفادة من الموانئ المطلة على واحد من الممرات المائية الاستراتيجية فى العالم.
وبالتزامن مع زيارة آبى للصومال تعهدت الإمارات العربية بتقديم ثلاثة مليارات دولار لإثيوبيا مساعدات واستثمارات فى تأييد كبير للقيادة الجديدة فى إثيوبيا.
ولأن إسدال أديس أبابا الستار على المشكلات المصرية الصومالية الإريترية قد يحد من نفوذ الدوحة الذى تزايد فى منطقة القرن الإفريقى وبالتحديد فى كل من السودان وإثيوبيا، فقد أشارت مصادر دبلوماسية إلى وجود قلق شديد فى الدوحة من السياسة الجديدة لآبى أحمد، ولذلك لم تستبعد المصادر أن تكون العملية الأخيرة محاولة قطرية تركية مشتركة لتحريض بعض الجماعات الإرهابية لنشر التوتر فى الداخل الإثيوبى وزعزعة الاستقرار وإفشال عملية السلام مع إريتريا التى تصر القيادة الإثيوبية الجديدة على إنهاء حالة الخلاف معها.
فى الداخل اتخذ آبى أحمد إجراءات واسعة من شأنها أن تغير من الخلل العرقى القائم بسيطرة أقلية التجراى على الأجهزة الأمنية والمخابرات والاستحواذ على عوائد التنمية والاستثمارات وعدم التوزيع العادل لموارد الدولة الأمر الذى أثار غضب وثورة الأورومو والأمهر أو دفع ديسالين رئيس الوزراء السابق للاستقالة لتهدئة الاحتجاجات التى عمت البلاد على مدار العامين الماضيين وجعل الولايات المتحدة التى تريد استقرار الأوضاع فى تلك المنطقة بأن تساند الأورومو التى ينحدر منها (آبى أحمد) وهى القومية الأكبر فى إثيوبيا وتتجاوز نسبتهم نصف عدد السكان، وبالفعل قامت بتصعيد الأخير إلى السلطة وبمجيئه بدأ بعزل قيادات الجيش وعمليات تطهير أشعرت التجراى بالقلق وخرجوا فى تظاهرات احتجاجًا على سياساته ولذلك قد تكون محاولة الاغتيال الأخيرة عملًا هدفه التخلص من رئيس الوزراء الجديد أو على الأقل إظهار إنه غير قادر على السيطرة على الأوضاع في البلاد.
تشير بعض أصابع الاتهام إلى حركة الشباب المجاهدين الصومالية الإرهابية التى لها تواجد داخل الأراضى الإثيوبية وذلك بعد أن شاركت الحكومة الإثيوبية فى الحرب التى تم شنها على الحركة فى الصومال ضمن قوات الجيش الإفريقى، الأمر الذى جعل الحركة ترد بهجمات داخل الأراضى الإثيوبية كانتقام على هذا التدخل، وهو نفس الأمر الذى كررته الحركة فى كينيا، كونها مشاركة فى التحالف ذاته.
وقد أعلن آبى أحمد فى مايو الماضى التعاون مع كينيا من أجل الحرب على هذه الحركة المتشددة، حيث تنفذ الحركة أيضًا هجمات فى كينيا، معظمها فى منطقة تقع على الحدود مع الصومال للضغط على الحكومة الكينية، لسحب قوات حفظ السلام التابعة لها من الصومال.
معطيات مهمة فى المشهد السياسى الإثيوبى سبقت المحاولة الفاشلة لاغتيال آبى أحمد لفت إليها اللواء أركان حرب سيد غنيم زميل أكاديمية ناصر العسكرية وإستشارى الأمن القومى والدفاع ومنها تطور الموقف الإثيوبى - الإريترى وزيارة رئيس وزراء إثيوبيا لمصر.
وعن أصداء مبادرة آبي أحمد قال اللواء غنيم : الولايات المتحدة تتحسب بشدة لمنافسه الاقتصادى الأقوى فى أفريقيا وخاصة شرقها، فهى ترى إثيوبيا شريكًا استراتيجيًا مهمًا، خاصة فيما يتعلق بما يسمى الحرب العالمية على الإرهاب، كما تعتبرها الدولة الأمثل لتوسع نفوذ الولايات المتحدة فى القرن الأفريقى وشرق إفريقيا حالة تصويب إثيوبيا علاقاتها مع إريتريا.
ورجح اللواء غنيم ثلاثة سيناريوهات وراء محاولة الاغتيال الفاشلة، السيناريو الأول قد يكون له علاقة بالتغييرات التى أجرها آبى أحمد فى الجهاز الأمنى وعمليات الإصلاح والتطهير التى قام بها ضد القيادات من التجراى، والثانى قد يكون له علاقة بالقلق من تراجع النفوذ القطرى التركى فى تلك المنطقة جراء سياسات رئيس الوزراء الجديدة والثالث له علاقة بدولة جيبوتى الدولة الصغيرة للغاية التى ستضرر من كونها لن تكون الركيزة التى ستبنى عليها الولايات المتحدة استراتيجتها الإقليمية حال تصويب إثيوبيا علاقاتها مع إريتريا بينما ستكون إثيوبيا هى الخيار الأمثل لواشنطن.