الإثنين 17 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

قمـة السبع العجاف!

قمـة السبع العجاف!
قمـة السبع العجاف!


تسببت صورة زعماء الدول الصناعية السبع، أثناء محادثات القمة الأخيرة، فى إدهاش العالم، حتى إن البعض أطلق عليها «صورة العام» لما حملته من تعبيرات جسدية عبرت عن مواقف متباينة تجاه البيان الختامى للقمة، التى هيمنت على مناقشاتها قضية الإجراءات الحمائية الأمريكية على وارداتها مؤخرا.
ورغم كونها مجرد صورة، إلا أن المشهد حمل فى طياته ما هو أكثر من الانطباعات الشخصية عن الزعماء الحاضرين، ومواقفهم تجاه بعضهم البعض.
 ما قبل الصورة.. رجل الاقتصاد فى مواجهة السياسيين
 نظرا لخلفيته كرجل أعمال رأسمالى، فإن تحقيق الإنجاز لدى الرئيس الأمريكى دونالد ترامب يقوم على اعتبارات اقتصادية أكثر منها سياسية، بما يعنى أنه يلجأ عادة للغة الحسم، ويميل لإنجاز الصفقات فى أقصر وقت، وبأقل تكلفة وأعلى ربحية، حتى لو تطلب الأمر ممارسة أكبر قدر ممكن من الضغوط، والتضحية بالاعتبارات الاجتماعية والشخصية، فى أحيان كثيرة. ولهذا؛ فإن المنطق الترامبى، يختلف كثيرا عن معظم الممارسات التقليدية المتبعة فى إدارة السياسات الدولية، والعلاقات الاستراتيجية بين الدول، والتى تبحث عن تحقيق الفوائد وجنى المكاسب عبر بناء تحالفات طويلة المدى فى أحيان كثيرة، وتكوين معسكرات للصداقة فى مواجهة الخصوم، مع التضحية أحيانا بالمكاسب العاجلة، من أجل أخرى آجلة، ومستمرة، وربما غير مباشرة.
بعد معاناة الولايات المتحدة من تداعيات الأزمة الاقتصادية، التى ضربتها فى 2008، والتأثير الاقتصادى السيئ لسياسات الحزب الديمقراطى فى عهد الرئيس باراك أوباما، والتى ينظر إليها الجمهوريون، باعتبارها مسئولة عن فقدان آلاف العمال لوظائفهم، ونزوح متزايد لرؤوس الأموال والاستثمارات إلى الصين، تعهد الرئيس الجمهورى ترامب أثناء حملته الانتخابية بإعادة معدلات التوظيف والاستثمارات الهاربة إلى البلاد، من أجل إعادة الاقتصاد الأمريكى لمكانته كقائد للعالم، فى مواجهة التنين الصينى.
الملف الرئيسى للقمة، كان مناقشة قضية فرض الولايات المتحدة لتعريفة جمركية على وارداتها من بعض السلع والمنتجات مثل الحديد والألومنيوم، لحماية المنتجين المحليين، ودعم المصنعين، ما مثل خطوة جادة فى سبيل إعادة بناء القلاع الصناعية الأمريكية المتراجعة، بعد إجبار رجال الأعمال على إعادة توجيه استثماراتهم نحو الداخل، فى الشهور الماضية.
وتأتى الخطوات الحمائية الأمريكية المتمثلة فى رفع التعريفة الجمركية للواردات، من أجل دعم المنتج المحلى،متعارضة مع اتفاقات التجارة الدولية والبينية، التى وقعها أسلافه مع حلفائهم فى أوروبا وكندا واليابان، ما يمثل ضربة قوية لصادرات هذه الدول.
الدول الأوروبية بشكل خاص، قد تكون الأكثر تضررا من الإجراءات الحمائية الأمريكية، لكونها لا تزال تعانى من تبعات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى، بالإضافة إلى تزايد الضغوط، نتيجة التهديد الذى يمثله صعود القوى الشعبوية إلى سدة الحكم فى إيطاليا.
 كما لا يمكن تناسى تأثير أزمة المهاجرين والأوضاع المتدهورة فى الشرق الأوسط على اقتصادات الدول الكبرى مثل ألمانيا وفرنسا، والاستفزازات التى مثلتها مطالبة الرئيس الأمريكى للأوربيين فى العام الماضى،بالمساهمة فى تحمل مزيد من التكاليف، للإنفاق على الحلف الدفاعى لدول شمال الأطلنطى «الناتو».
التحدى الألمانى والترقب الفرنسى
بالتدقيق فى الصورة التى جمعت بين زعماء الدول السبع الكبرى، يمكن ملاحظة أن جلسة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، العاقد لذراعيه فى ثقة، تعكس رغبته فى التحدى وإملاء الشروط، باعتباره صاحب الهيمنة والسلطة المطلقة، الذى انتهى من فرض إرادته على الجميع، مع عدم الاهتمام بردود أفعال الحاضرين.
وتتفق هذه الجلسة مع حقيقة السياسة الترامبية التى تقوم على ممارسة الضغط لأقصى درجة، على الأعداء والخصوم، من أجل الحصول على كافة الامتيازات الممكنة، وجنى الأرباح بشكل سريع.
الموقف الألمانى الرافض لسياسات أمريكا، دون الرغبة فى خسارتها بشكل كامل، مثلته الوقفة المعبرة للمستشارة أنجيلا ميركل، التى ظهرت فى الصورة متكئة على المنضدة، بملامح تجمع بين الرفض والتحدى والتحذير، واللوم فى آن واحد.
 وجاء هذا التعبير موائما للسياسة الألمانية الرافضة لمنح الولايات المتحدة كل الامتيازات، وتحدى الخضوع لكل ما تمليه من شروط، مع التحذير مما تملكه برلين من قدرات قد تحرج الأمريكيين، وعلى رأسها اللجوء لمبدأ المعاملة بالمثل، والإسراع فى تشكيل القوة الأوروبية المشتركة بدلا من الناتو، بالإضافة إلى القدرة على عقد تسوية منفردة مع الروس حول أوكرانيا، تخسر بها أمريكا جبهة دفاعها الأولى فى أوروبا.
وخلف المستشارة الألمانية يقف الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون بملامح أكثر هدوءا، كأنما ينتظر تصاعد الصدام بين الأمريكيين والألمان، وهو ما يزيد من قوة فرنسا، وقدرتها على توجيه الأمور داخل الاتحاد الأوروبى لصالحها، فى ظل سياستها الرامية إلى بسط مظلتها النووية على القارة، والابتعاد تدريجيا عن هيمنة الولايات المتحدة على الشئون الأوروبية.
كما تهدف السياسة الفرنسية فى السنوات المقبلة إلى إعادة توجيه البوصلة الأوروبية لدعم دورها الدولى سياسيا واقتصاديا، بعد التخلص من تأثير البريطانيين على سياسات الاتحاد، وهو ما تمنحه لها سياسات ترامب على طبق من ذهب، ففرنسا حاولت أكثر من مرة فتح باب التقارب مع الروس، لكونها أقل القوى الأوروبية خلافا مع موسكو، بالإضافة إلى بحثها عن زيادة نفوذها فى إفريقيا.
المتعوس «اليابانى» و«خايب الرجا» الكندى
بعيدا عن الخلافات الأوروبية الأمريكية، لم يكن ممكنا تجاهل مظهر شينزو آبى،رئيس الوزراء اليابانى،فى الصورة، وملامحه التى حملت كامل الحسرة والهم والكآبة، ما يعكس موقفه كأحد أكبر المتضررين من السياسات الأمريكية فى عهد ترامب، لكونه يعرف أكثر من غيره مدى جدية الرئيس الأمريكى فى سياساته الاقتصادية، إثر معاناته بعد انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادى.
ولهذه الأسباب، جاءت الوقفة اليائسة لرئيس وزراء اليابان لتعكس رؤيته المتشائمة إزاء توجهات ترامب.
وإن كان من غير المرجح أن تلجأ اليابان لاتخاذ ردود فعل حادة تجاه توجهات ترامب، فى ظل مشكلاتها الاقتصادية، وطبيعة توازناتها السياسية، فإنها من الممكن أن تبدأ فى التصرف كدولة آسيوية فى المقام الأول، وتبحث فى المقابل عن مزيد من التفاهم مع الصين، وهى خطوة ستأتى على أى حال فى المستقبل، فى ظل تزايد قوة التنين الآسيوى.
وبالنسبة لجاستن ترودو، رئيس الوزراء الكندى،الذى وقف متباهيا بأناقته ووسامته، بما يظهر غروره الشاب، فى مواجهة المخضرمين الحاضرين للمشهد، فإن هذه القمة تسببت فى حدوث شرخ كبير فى علاقات بلاده بالولايات المتحدة، بعدما وجه ترامب انتقادا حادا له، واتهمه علانية بالضعف وعدم النزاهة.
وتعكس الاتهامات توقعات ترامب بالحصول على التأييد الكامل من رئيس الوزراء الكندى لمواقفه فى القمة، فى مواجهة التحدى الأوروبى،وصدمته فى ترودو، بعدما خيب كلاهما أمل الآخر، عبر انتهاج سياسات مخالفة فى سابقة ربما لم تحدث منذ وقت طويل بهذه الحدة، فى مسار العلاقات بين البلدين.
وإذا كانت مواقف ترامب متسقة مع شخصيته كرجل أعمال، فإن مواقف ترودو فى المقابل، تعكس ميوله الأكثر يسارية، والتى تبدو أكثر اتساقا مع توجهات الحزب الديمقراطى الأمريكى،منها لسياسات الجمهوريين، رغم ما شاب علاقته بالرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما من بعض التوترات.
ويبدو أن ترامب نسى أو تناسى حقيقة أن كندا لا تملك حدودا فعلية لها إلا مع الولايات المتحدة، ما يعنى أنها تعتمد فى تجارتها بشكل كبير جدا على الامتيازات التى تمنحها لها الجارة العظمى، منذ عقود طويلة، بشكل لا يسمح لها بالتخلى عنها بجرة قلم.
وفى حال استمرار الخلافات، سيكون على رجال الدولة فى الولايات المتحدة التدخل لاحتواء الأزمة بحثا عن عدم فتح جبهة توتر جديدة على الحدود الشمالية، فى ظل توتر الأوضاع على الحدود الجنوبية مع المكسيك.
كما أن هذه التداعيات قد تتسبب فى الإطاحة برئيس الوزراء الكندى فى انتخابات العام المقبل، فى حال ثبوت عدم قدرته على إدارة الخلاف، والخروج بمكاسب اقتصادية منه، ما يجعله يدفع ثمن خلافه الاقتصادى مع أمريكا بشكل سياسى،بعد حرب التصريحات التى اشتعلت بينهما.
فى خلفية الصورة، لا يبدو رئيس الوزراء الإيطالى الجديد جوزيبى كونتى،معنيا بالأزمة، لذا يعكس غيابه شبه الكامل عن الصورة طبيعة اللحظة التى تمر بها بلاده، وحالة عدم اليقين التى تعيشها فى ظل التوجهات الجديدة لحكومته، المعادية للمهاجرين، والباحثة عن التقارب مع الروس.
أما تريزا ماى،رئيسة الوزراء البريطانية، فرغم تصريحاتها التى أعلنت فيها رفضها للقرارات الأمريكية، ووصفها إياها بغير المبررة، إلا أن صيغة الرفض جاءت على استحياء، لتعكس التنسيق المسبق فى هذا الملف مع الولايات المتحدة، وتفضيل البحث عن امتيازات فردية، تحمى بريطانيا مما سيعانى منه الآخرون.
هذا الموقف عكسته وقفة ماى الهادئة، ونظراتها المطمئنة تجاه ما يحدث، نظرا لإدراكها لطبيعة العلاقة الخاصة التى تجمع بين لندن وواشنطن، خاصة بعدما سببه «البريكست» من ضربة موجعة للأوروبيين، فى ظل دعم أمريكى كامل، ما يجعلها تترقب حصولها على المكافأة لا العقاب مثل الآخرين، وهو أمر يبدو أنه سيحدث إن آجلا أو عاجلا.■