الجمعة 2 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

عبدالمتعال الصعيدى.. تحت «العِمّة» ليبرالى!

عبدالمتعال الصعيدى.. تحت «العِمّة» ليبرالى!
عبدالمتعال الصعيدى.. تحت «العِمّة» ليبرالى!


 هو واحد من أولئك العظماء الذين يولدون فى الزمان غير المناسب والمكان غير المناسب مما يضعهم أمام تحديات صعبة.. وفى ظروف يصبح تحقيق الأمانى فيها من المستحيلات.. ومع أن الزمن لم ينصفه فى حياته.. فقد ينصفه التاريخ بعد وفاته.. بطل قصتنا هو واحد من أصحاب الفكر المستنير بالأزهر عبر تاريخه ومن المنادين بالمنهج الإصلاحى فى التعليم والتجديد الدينى.. عانى من التجاهل والنسيان للدرجة التى جعلت من كتبوا عنه وأرّخوا لحياته قد اختلفوا اختلافًا عجيبًا فى تاريخ وفاته، فبعض الباحثين أكدوا أن تاريخ وفاته سنة 1966، بينما يقطع آخرون بأنه قد توفى سنة1971.
هو العالم المجدد الكبير عبدالمتعال عبدالوهاب أحمد عبدالهادى الصعيدى وشهرته «عبدالمتعال الصعيدى».. ولد فى 29 شعبان 1311 هـ الموافق 7 مارس عام 1894م بكفر النجبا، مركز أجا بمحافظة الدقهلية.. عرف الشيخ الصعيدى بآرائه الثورية والتجديدية، فكان يرى نظام التعليم فى الأزهر مصابا بالعقم، ورأى ضرورة تطويره بما يلائم روح العصر، لتخريج جيل من الأزهريين المجددين والمبدعين والبعيدين عن الجمود والتقليد والتعصب، والذين كان يراهم المذنب الحقيقى وراء ما يظهر من كتابات المجترئين من حين لآخر، وواكب هذا دعوته إلى تطوير فقه الحدود فى الشريعة الإسلامية وذلك فى مقالة نشرت فى جريدة السياسة الأسبوعية عام 1937م.
فى عام 1919م شرع فى تقديم كتابه «نقد نظام التعليم الحديث للأزهر الشريف» ونُشر فى عام 1924م، وقد ألف الصعيدى 49 كتابًا مطبوعًا و20 كتابًا مخطوطًا أهداها للأزهر مثل «تاريخ الإصلاح فى الأزهر»، «حكماء اليونان السبعة»، «قضايا المرأة»، «الفن القصصى فى القرآن»، ومن أشهر كتبه «المجددون فى الإسلام» وهو أحد أهم الكتب التى ألقت الضوء بالنقد والتحليل على أهم الشخصيات المجددة فى الفكر الإسلامى منذ القرن الأول الهجرى حتى نهاية القرن الثالث الهجرى.
 النشأة والثقافة
كان الصعيدى من أسرة بسيطة الحال. وفى مرحلة التعليم الأزهرى كان يقرأ مجلة المقتطف والهلال والمنار والأستاذ والبلاغ، ورغب فى دراسة الفلسفة وتاريخ العلم وأصول النقد وتاريخ الحضارة الإنسانية وقرأ مختارات جورجى زيدان. وأعجب بفلسفة ابن رشد وافتتن بموسوعة يعقوب صروف فى تثقيف الرأى العام وكتابات عبدالله النديم. وفى المرحلة الثانوية درس علم المنطق. ويعتبر الصعيدى من أوائل الأزهريين الذين أسهموا فى تطوير دراسة علم المنطق فى المعاهد الأزهرية. وكان لأحداث ثورة 19 عظيم الأثر فى تكوين العديد من القيم والمفاهيم فى فكره، فقد شاهد القساوسة والشيوخ يتساقطون برصاص الإنجليز، واختلطت دماؤهم.. وذخرت حياته العلمية بالمعارك الفكرية حول قضايا الأدب وتاريخه. وفى عام 1937 نشر مقالًا فى السياسة الأسبوعية دعا فيه إلى ضرورة تطوير فقه الحدود الشرعية. وقد أثار هذا المقال حفيظة عدد من شيوخ الأزهر، وزعموا أنه ينكرالحدود ويساير المستشرقين.
 حرية الاعتقاد
أثار كتاب الصعيدى «حرية الفكر فى الإسلام» الذى نشره عام 1955 ضجة كبيرة بعد أن عرّف الحرية الدينية بأنها حق الإنسان فى اختيار عقيدته الدينية بحيث وحسب كلمات الشيخ الصعيدى: «لا يكون لغيره حق استعمال القوة معه فى دعوته إلى عقيدته، ولا يكون لغيره حق استعمال القوة معه فى إرجاعه إلى عقيدته إذا ارتد عنها، وإنما هى الدعوة بالتى هى أحسن فى كل الحالات».
ويقر الصعيدى ما جاء فى آيات القرآن الكريم حول الارتداد عن الدين وأن الآيات لم تذكر أى عقوبة على ذلك.. ثم يلح الرجل على استمرار مفعول آية «لا إكراه فى الدين»، وإبطال دعوى أنها منسوخة.. وفى لمحة فى غاية الذكاء يقول الصعيدي: « إن إكراه المرتد على الإسلام بالقتل أو الحبس داخل قطعا فى عموم قوله تعالى «لا إكراه فى الدين» لأن الإكراه فى الدين كما يكون فى الابتداء يكون فى الدوام، وكما لا يصح الإكراه على الدين فى الابتداء لأن الإسلام الذى يحصل به يكون فاسدا، كذلك الإكراه على الدين لا يصح فى الدوام لأن الإسلام الذى يحصل به يكون فاسدا». كما قام الصعيدى بعرض الأحاديث التى وردت فى عقوبة المرتد مثل «من بدل دينه فاقتلوه»، و«لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث...»، ورأى أنها تحتاج إلى تأويل وفهم أوسع، واستدل بالرأى القائل بعدم قتل المرتدة، وهو ما يعنى أن قتال المرتد لا يصح إلا إذا حارب المسلمين.
 قضية الجزية
استهل الصعيدى كتابه «الحرية الدينية فى الإسلام»، بسطور معبرة وقوية قال فيها: «الحمد لله الذى فتح باب الاجتهاد فى الدين، ولم يجعل الجمود سُنّة فى العلم، بل فتح باب التجديد فى الدين والعلم على مصراعيه، وجعل لكل قرن مجددين ينهضون بالدين والعلم فيه، حتى لا يَقفا على حد محدود، بل تسير الأمّة بهما فى ركب النهوض والتجديد، ولا تتخلف عنه بالركون إلى الجمود».
ومما توقف أمامه الشيخ عبدالمتعال فى هذا الكتاب قضية الجزية، والتى فند كل أصولها، وأكد أن آية الجزية « قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون»، ليست آية عامة فى جميع أهل الكتاب، بل رأى أن الأمر فيها: «أمر خاص ببعض أهل الكتاب لا عام، وهم الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر حق الإيمان، ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله من الاعتداء على الداعين إليه»، أى أن هناك عدوانًا واعتداءً فى المسألة.. وذهب إلى أنها لم تجب على الناس لكفرهم ، وهذا يفيد أن الجزية ليست إلا غرامة حربية وأنها لا شأن لها بكفرهم، فلا يكون لها تأثير فى تركهم له، ولا يكون فى فرضها عليهم أدنى وسيلة لحملهم على الإسلام، لأن الإسلام أكبر من أن يغرى الناس على دعوته بالمال.
 المجددون فى الاسلام
تعود أهمية كتاب «المجددون فى الإسلام» إلى أن مؤلفه ورغم كونه أحد خريجى الأزهر فإنه خارج السياق الأزهرى بنقده لجمود الفقه الإسلامى طوال 14 قرنًا. ثم مقارنة تخلف العرب والمسلمين بنهضة أوروبا. حيث يرى الصعيدى أنّ الفلسفة والعلوم الطبيعية هما السبب والنتيجة ، أخذ بهما الأوروبيون فتقدّموا. وصبّ عليهما العرب والمسلمون سهام التكفير فتخلّفوا.
ومنذ الصفحات الأولى للكتاب يصدم المؤلف المؤسسة الدينية، فنص على أنّ التغالى فى العبادات فهم منه المسلمون أنّ الإسلام دين عبادة فقط. وأنّ من كرّسوا ذلك ابتدعوا رهبانية فى الإسلام.
ذكر المؤلف أنّ الفقهاء انشغلوا بمسألة مقياس الكفاءة فى النكاح «الزواج» بين الشعوب. وكانت قمة العنصرية عند سفيان الثورى الذى قال «إذا نكح المولى العربية يُفسخ النكاح» وبذلك قال ابن حنبل والمولى فى اللغة العربية كل من هو غير عربى. ارتبط الموقف العنصرى فى مسألة الزواج بالفلسفة، حيث عداء أهل السنة لها ولأصحابها، لأنّ الدين فى نظرهم عدو للفلسفة، وأنّ المتشددين من أهل السنة كانوا يضيقون بالعلوم الطارئة على الإسلام ، فحاربوها سرًا وجهرًا وأثاروا العامة عليها. وأشاد الصعيدى بموقف ابن حنبل فى محنة خلق القرآن لأنه أصرّ على رأيه بأنّ القرآن غير مخلوق. وصبر على ما أصابه من الحبس والجلد ، وهذه شجاعة فى الرأى يُحمد عليها ولكن يؤخذ عليه أنه كان يُكفر مخالفيه الذين يقولون بخلق القرآن.
 قرون من الظلام
فى كتابه المجددون فى الإسلام يشير الصعيدى إلى أنه فى القرن العاشر الميلادى «الرابع الهجرى» نجد أنّ الدول الإسلامية تتطاحن على المُلك وتسوق رعاياها سوق الأنعام، فتقوم دولة وتسقط دولة مع غياب إرادة الشعوب. وكذا الفِرق الدينية كانت تتطاحن بعد أنْ ظهر للشيعة العلوية دولة بمصر والشام وبلاد المغرب، فاستقر الأمر فى الدولة العباسية لأهل السنة. وأخذت تضطهد فى بلادها كل الفرق المخالفة لهم. وبهذا كان هذا القرن أسوأ من القرن السابق. ووصل التنازع بين الفرق الدينية إلى حد القتال كما حصل بين السنة والشيعة. وصار التنازع عنصريًا، فهذه دولة عباسية صبغتها الفارسية وهذه تركية وهذه عربية، فوصل الانقسام إلى غايته فصارت دولها تتقاتل على المُلك وتنسى أنه يجمعها دين واحد. وفى القرن الحادى عشر الميلادى «الخامس الهجرى» كان المسلمون أسوأ حالا منهم فى القرن السابق. ووصلت لغة التكفير إلى درجة أنّ ابن حزم الأندلسى كفّر الصوفية. أما الغزالى فقد شنّع على الفلسفة وكفر الفلاسفة، مع أنهم كانوا يرون أنّ الفلسفة لا تنافى الإسلام، وتغالى حتى قضى على الفلسفة فى المشرق، إذْ كرّه أهله فى علومها.
وفى القرن الثانى عشر الميلادى «السادس الهجرى» كانت أشد حملة على الفلسفة فى دولة نورالدين ودولة صلاح الدين الأيوبى. وكان فى دولتيهما سلطان قوى لرجال الدين من الفقهاء والأشعرية. وهم معروفون بعدائهم الشديد للفلسفة، فاستباحوا دم كثيرين مثل السهروردى الذى قتل بأمر صلاح الدين الأيوبى. ورغم أهمية ابن رشد فإنه لم يحاول إصلاح الحكم ولم يحاول أنْ يُزيل العصبية الجاهلية بين المسلمين ولم يحاول نشر التسامح بين الفرق الدينية.
وفى القرن 14م قال الإمام الذهبى «الفلسفة الإلهية لاينظر فيها من يرجى فلاحه ولا يركن إلى اعتقادها من يلوح نجاحه. وما دواء هذه العلوم وعلمائها إلاّ التحريق والإعدام من الوجود. إذْ أنّ الدين مازال كاملا حتى عُرّبتْ هذه الكتب ونظر فيها المسلمون، فلو أعدمت لكان فتحًا مبينًا».
عن القرن 16م كتب الصعيدى بأنه أسوأ من سابقه، لأنّ الدولة العثمانية كانت تعامل الرعايا كأنهم عبيد لها «نستطيع أنْ نحكم بأنّ العلم فى هذا القرن ازداد ضعفًا بين المسلمين وازداد قوة بين أهل أوروبا. وأنّ هذا سيكون له أثر فى ضعف المسلمين. ولم يظهر بينهم من أدرك هذه الحقيقة» وبدأ المؤلف القرن 17م بقوله «يمكننا أنْ نحكم بأنّ حالة المسلمين السياسية كانت أسوأ منها فى القرن السابق، وكذا حالتهم العلمية. وبينما كان المسلمون يصلون فى الانحطاط إلى أسوأ حالاته، كانت أوروبا تطفر من عصر النهضة إلى العصر الحديث لأنها ثارت على الثقافة القديمة لبناء ثقافة جديدة. ومن أشهر منشئى الفلسفة الحديثة رينيه ديكارت الفرنسى أبوالفلسفة الحديثة. فقد أطلقها من سلطان الكنيسة وبدأ بالثورة على منطق أرسطو. ولا يقوم القياس إلاّ على أسس فكرية. وفى معظم فصول الكتاب، يتأكد القارئ من ثقافة الصعيدى الموسوعية ، إذْ ذكر دور الأوروبيين فى التنوير. مثل فرنسيس بيكون وجاليلو وتوماس هوبزولوك الذى ذهب إلى أنّ الملك يستمد سلطته من الشعب فيجب أنْ تكون حكومته دستورية تحترم إرادة الشعب وتنفذها وتدعو إلى المساواة والحرية. ولا يتدخل الملك أو الكنيسة فى عقائد الناس بل يجب فصل الكنيسة عن الحكومة.
وفى تعرضه فى نفس الكتاب «المجددون فى الإسلام» للدعوة الوهابية، يعلل الصعيدى سبب نجاحها بأنها قد ظهرت بين البدو فى إمارة عربية. بينما لم تنجح دعوة ابن تيمية التى تعتبر النسخة الأصلية لها لأنها ظهرت فى أهل الحضر. وقطع الصعيدى بأن الوهابية لم تكن دعوة سلمية، بل أعلنت فى سبيل تأييدها جهادًا دينيًا لحمل مخالفيها على الدخول فيها، فمن آمن بها سلم ومن خالف فقد حلّ دمه وماله. وعلى هذا الأساس كانت غزواتهم فى نجد واليمن والحجاز وأطراف الشام والعراق.
وعن القرن الـ20 ذكر الصعيدى أنّ جمود الأزهر بلغ غايته. ونقل عن مصطفى بيرم أنّ العلوم الرياضية والجغرافية والفلسفية بقيت مهجورة من الأزهر ويُنظر إليها بعين السخط ويفر من سماعها فرار الصحيح من الأجرب.
دافع الصعيدى عن المرأة ورأى أنّ أمر الحجاب والنقاب يرجع للعرف والعادة. وطالب بتقييد حق الطلاق للرجل. ورفض لغة التكفير. ومن عباراته الخالدة «لم يصل المسلمون فى القرن العشرين الميلادى إلى التجديد المطلوب. وها هم لا يزالون متأخرين عن العالم الحديث بمراحل شاسعة بحيث يعد ما وصلوا إليه شيئًا تافهًا إذا قيس بما وصلت إليه أمريكا وأوروبا ، بسبب الحكم الاستبدادى وعدم إدراك أسباب النهضة الأوروبية التى شملت العلوم والاجتماع والسياسة. وبسبب جمود رجال الدين، ومحاربة ملوك المسلمين لأى حركة إصلاحية إلى درجة قتل المعارضين وسجنهم وتعذيبهم».