الإثنين 6 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

ابن عربى.. رسول «دين الحب»!

ابن عربى.. رسول «دين الحب»!
ابن عربى.. رسول «دين الحب»!


أن  تستلهم الوحى؛ لتجود «قريحتك» بأبياتٍ بليغات من الشعر، فهذا أمرٌ وارد ومتكرر.. لكن عندما يلهمك الوحى؛ لصياغة دستور «دين الحب» فهذا هو الأمر نادر الحدوث.
تسامت الروح؛ فانكشفت الحُجُب.. وانفتح القلب؛ فنطق اللسان بما كان أقرب إلى الوحى فى عصر ما بعد الرسالة!.. فكان «ابن عربى» وكانت أبياته الخالدة:
لقد صار قلبى قابلاً كل صورة        فمرعى لغزلان ودير لرهبان
وبيت لأوثان وكعبة طائف        وألواح توراة ومصحف قرآن
أدين بدين الحب أنى توجهت        ركائبه فالحب دينى وإيمانى

يقينًا.. يتسع قلب «العارف» لكل تلك الصور مجتمعة!.. تهيم روحه بين أروقة الدير، كما تتوقف نفسه بالأشواق  حول الكعبة!.. تطالع عينه الوصايا والألواح، بالشغف نفسه الذى تطالع به آيات القرآن!
يبحث العارفون - قطعًا - عن الجوهر لا المظهر.. تشغلهم «الأصول» عما يمكن أن يعتريه الذبول.. يدركون بفيض الحق «الخالق» أن العلاقة بين السماء والأرض، هى «علاقة حب».. وأن العلاقة بين «الخلق» - وإن اختلفت مشاربهم - هى علاقة حب.. وما كان جوهره الحب، فلا يهم إن تعددت صوره!

بعبارة أخرى (والاقتباس من كتاب د. نصر حامد أبوزيد: هكذا تكلم ابن عربى): يسعى الصوفى من خلال التجربة إلى محاولة التواصل مع «مصدر المعرفة» بدلاً من الانشغال بنصوص الشريعة التى مزقت الاختلافات المذهبية دلالتها.. وفى رأى الصوفى أن «نصوص» الشريعة تعبيرات لغوية تتسم بالغموض والإجهال فى حالات كثيرة، ويرى أن «جلاء غموضها وإزالة إبهامها وتفصيل مجملها إنما يمكن الوصول إليه عبر السعى إلى معانقة مصدرها من خلال تجربة تترسم خطى «التجربة النبوية» التى هى أصل «الوحى» المعبر عنه فى النصوص.
لذلك.. مثّل فكر ابن عربى قمة نضج الفكر الإسلامى فى مجالاته العديدة (من: فقه، ولاهوت، وفلسفة، وتصوف)، فضلا عن علوم «تفسير القرآن»، وعلوم «الحديث النبوى، وعلوم اللغة والبلاغة».
يقول «نصر حامد أبوزيد»: من هذه الزاوية فإنّ دراسته فى السياق الإسلامى «أى دراسة ابن عربى» تكشف عن بانوراما الفكر الإسلامى فى القرنين السادس والسابع الهجريين (الحادى عشر والثانى عشر الميلاديين)، إذ يمثل الشيخ الأكبر محيى الدين بن عربى همزة الوصل بين التراث العالمى، والتراث الإسلامى.. ومن هذه الزاوية يمكن النظر لتراثه بوصفه تواصلاً حيًا خلاقًا مع التراث العالمى الذى كان معروفًا ومتداولاً فى عصره، سواء كان تراثًا مسيحيًا أم يهوديًا، أو كان تراثًا فلسفيًا فكريًا.
وفى الحقيقة.. يمثل منهج ابن عربى (أبوعبدالله محيى الدين محمد بن على بن محمد بن العربى الحاتمى) سلاحًا فعالاً - إلى اللحظة - فى  مواجهة أفكار التطرف، والغلو كافة.
فعندما تتحد القلوب حول الجوهر (مصدر المعرفة) يتلاشى التمسك بالمظهر (التعصب المذهبى، والطقوسى).. ويصبح للتفاهم (مع التنوع) أرضًا خصبة، مزدهرة.
يقول ابن عربى عن نفسه: «لقد آمنا بالله وبرسوله وما جاء به كله مجهلاً ومفصلاً مما وصل إلينا من تفصيله ولم يصل إلينا، أو لم يثبت عندنا. فنحن مؤمنون بكل ما جاء به فى نفس الأمر. أخذت ذلك عن أبوىَّ أخذ تقليد ولم  يخطر لى ما حكم النظر العقلى فيه من جواز وإحالة ووجوب. فعملت على إيمانى بذلك حتى علمت من أين آمنت وبماذا آمنت، وكشف الله بصرى وبصيرتى وخيالى فرأيت بعين البصر ما لا يبصر إلا به، ورأيت بعين الخيال ما لا يدرك إلا به، ورأيت بعين البصيرة ما لا يدرك إلا بها».
وبين البصر والخيال والبصيرة، كان دين الحب، وكان «ابن عربى» أيضًا!