الأربعاء 8 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

«الضحك للرتب» فى مسلسلات رمضان!

«الضحك للرتب» فى مسلسلات رمضان!
«الضحك للرتب» فى مسلسلات رمضان!


فى مسلسل «ربع رومى» يدور حوار بين الأب فؤاد بيومى، والابن غاوى التمثيل الذى يؤديه مصطفى خاطر، عن أمنية الأب التى لم تتحقق فى أن يصبح ابنه ضابطًا كبيرًا، فيقول له الابن: إن المهم هو المضمون وليس «الرتب»، فيجيبه الأب «دا الضحك هيبقى للرتب»!
تقريبًا، بين حلم السلطة عن طريق الرتبة والمنصب والمركز الاجتماعى، وحلم الثروة عن طريق النصب والاحتيال والسرقة تدور معظم الأعمال التى شاهدتها خلال أول أيام رمضان.

«كلبش»
الحلقة الأولى من مسلسل «كلبش» عالمية بأكثر من معنى. الأول هو أنها جيدة الصنع للغاية من ناحية الإخراج والإيقاع وبالأخص تصميم المعارك، بالرغم من المبالغة فى استخدام المفرقعات والحرائق.
المعنى الثانى هو أنها «تشبه» الأعمال العالمية بشكل كبير، لدرجة التقليد، من أفلام بعينها مثل «القناص»، إلى الفكرة والشخصيات والجو العام الذى يشبه أفلام «الكاوبوى»، وامتداداتها الحالية فى السينما الأمريكية، عن البطل الخارق الذى يحل ضيفًا على مدينة يعيث فيها الاجرام فيطهرها بيديه العاريتين، وعن رجل القانون الذى يدخل فى صراع شخصى وثأرى مع مجرم بعينه، وحتى «تترات» المسلسل التى تعتمد على أغنية «عالمية»، سبق استخدامها بالفعل للدعاية لفيلم أكشن أمريكى معروف، وهو نَسخ لم يحدث بهذه الصورة المباشرة فى تاريخ الدراما.
«كلبش» مصروف عليه، وأصحابه يراهنون عليه لتقديم صورة إيجابية عن الشرطة المصرية، فالبطل سليم، الذى يؤدى شخصيته أمير كرارة، أشبه بأنصاف الآلهة فى الأساطير الإغريقية، وسينما الأكشن الهوليودية. وهو يجسد حلم كل رجل شرطة عن نفسه، وحلم كل امرأة تتمنى الارتباط برجل شرطة. وكل هذا جميل، ومطلوب، ليس فقط من لجنة الدراما، ولكن من النقاد أمثالنا، لأننا متفقون على أن صورة القانون تعانى من خلل فادح فى المجتمع المصرى، وهذا الخلل يتسلل عبر الأفلام والمسلسلات بالضرورة.
ولكن السؤال بالرغم من الجهود الخارقة التى يبذلها سليم، والتى بذلها صناع المسلسل لتشكيل صورة سليم بهذا الشكل «الإيجابى»، هل هذا النموذج الأمريكانى الذى يعتمد على القوة العضلية والحل الفردى والعنف المبالغ فيه هو ما تريده «لجان الدراما»، وما يحتاج إليه المجتمع، أم أنه تلبية لمفهوم صناع العمل عن البطولة، وتلبية لخيالات المشاهدين المراهقين عن الرجولة، إن لم يكن فى دور البلطجى،ففى دور الضابط؟!
وهل خطر ببال صناع المسلسل أن أغنية التتر الأجنبية تتحدث عن رحلة سقوط؟!
«رحيم»
فى مسلسل «رحيم» يلعب ياسر جلال دور رجل فاسد، بل واحد من أفسد أنواع البشر. رجل «أعمال إجرامية» من الذين تمتلئ بهم البلد، عندما قامت فى مصر ثورة أطاحت بنظام مبارك لم يجد رحيم شيئًا يمكن أن يفعله أفضل من تهريب مليارات الدولارات خارج مصر، وهو أمر أزعج بعض ضباط أمن الدولة الوطنيين، فقرروا اعتقاله، ولكن رحيم المدجج بالبلطجية قاوم أمن الدولة بالأسلحة الثقيلة وحاول الهرب لولا أن صدمته سيارة نقل عابرة.
يعنى تهريب مليارات وتخريب اقتصاد البلد وخيانته وقتل رجال أمن، ومع ذلك سُجِن لمدة سبع سنوات فقط.. مش مهم، المهم أنه خرج من السجن ليواصل جرائمه، ولكن قبلها بحث عن أبيه – حسن حسني- فوجده ضالًا يشحذ فى الشوارع بعد أن غدر به الزمن وأصدقاء رحيم الخونة. وهنا يتوقف سرد المسلسل التشويقى لندخل فى وصلة نواح ميلودرامية وأغنية شعبية تقطع شغاف القلوب عن الأب على لقطات مقربة بالسرعة البطيئة لرحيم يحلق لحية والده ويحممه والاثنان يبكيان ثم يبتسمان.
كل عناصر هذا المشهد الطويل، شاذ السياق، ليس له سوى وظيفة واحدة هى إثارة تعاطفنا مع رحيم والاصطفاف معه ضد بقية زملاء الاجرام وضد رجال القانون أيضًا الذين يصورهم المسلسل بطريقة فاترة.
المصيبة ليست فى تعاطفنا مع المجرمين أو الشرطة. رواية «البؤساء» لفيكتور هوجو وفيلم «جعلونى مجرمًا» لفريد شوقى وعشرات الأعمال الدرامية تجعلنا نتعاطف مع المجرمين ولكن لأسباب درامية منطقية، على رأسها أنهم يمثلون الشعب الغلبان فى مواجهة رجال السلطة الفاسدين وأنظمة الحكم والاقتصاد الظالمة، وأنهم فى الأول والآخر مجرمون صغار لا يؤذون سوى المجرمين الكبار، وأنهم غالبًا مثل «روبن هوود» يسرقون الأغنياء ليعطوا للفقراء.
المصيبة أن المسلسل لا يلقي بالًا بالفقراء المتسولين الذين يملأون شوارع مصر بسبب رحيم وأمثاله، ولكنه يجعلنا نذرف الدموع على والد رحيم الذى ألقى به مجرم زميل إلى الشارع، كما لو أننا مطالبون بالتعاطف فقط مع آبائنا وأمهاتنا فى الوقت الذى نقوم فيه بسرقة وتدمير حياة الملايين، أو كأننا مطالبون فقط بالتعاطف مع آباء المجرمين لأن هؤلاء المجرمين أثرياء ولديهم بيت فاخر وحمام فخيم و«شاور جيل» مستورد، أو لأن لديهم آباء «أحسنوا» تربية أبنائهم فأصبحوا مجرمين أثرياء على عكس آباء الفقراء الذين «أساءوا» تربية أبنائهم فأصبحوا مواطنين عاديين.
«فوق السحاب»
فى مسلسل «فوق السحاب» الذى يلعب فيه هانى سلامة دور مجرم يحاول سرقة وخداع المافيا الروسية، يدور الحوار التالى بين أخته المحجبة المهاجرة إلى المجر وابنتها التى ترغب فى التحرر من التقاليد. الأم تلوم ابنتها على تعرية رأسها وكتفيها فتسألها الابنة عن شقيق الأم المجرم صاحب السوابق، فلا يكون من الأم سوى أن تجيبها: خالك على الأقل بيتقى الله فى أهله ويسأل عليهم.
مرة أخرى: ليس المهم أن تكون قاتلًا، ولصًا، ومهربًا للمخدرات، طالما أنك تتقى الله فى أهلك وترسل لهم بعض المال الحرام، وطالما أن زوجتك وأختك محجبتان.
«خفة يد» و«عزمى وأشجان»
 حبكتا هذان المسلسلان الضاحكان واحدة تقريبًا: مجموعة من اللصوص الظرفاء يشكلون عصابة للنصب والسرقة، وبحكم أنهم الأبطال، وبحكم أنهم ظرفاء، وفقراء، يتعاطف معهم الجمهور ويتمنى لهم النجاح فى مهامهم الإجرامية.
بشكل ما المسلسلان، وأخواتهما من بقية مسلسلات اللصوص الظرفاء، هما امتداد لأعمال مثل «نيللى وشيريهان» الباحثتان عن الكنز، وأفلام «زنقة ستات» و«علشان خارجين» وغيرها.
كما ذكرت هناك كتلة لا بأس بها من إنتاج السينما العالمية والمصرية يعتمد على «ثيمة» الأبطال المجرمين، وهناك نجوم بنوا أمجادهم على هذه النوعية مثل عادل إمام، وفريد شوقى، وأحمد السقا، مثلًا. وهذه النوعية تستخرج المشاعر السلبية تجاه ممثلى السلطة والأثرياء وتثير التعاطف مع الأفراد الذين يحاولون «استعادة العدالة» بطريقة فردية. ولكن هيمنة هذه النوعية تؤكد الخلل الاجتماعى السائد فيما يتعلق بمفاهيم القانون والأخلاق والعدالة. وهو أمر يطول شرحه، وإن كان لا يحتاج إلى شرح. 