الوثائق السرية لتحالف «العيون الخمس» الاستخبارى!
آلاء شوقي
لا يمكن اعتبار «العيون الخمس» مجرد تحالف استخباراتى قوى، فقد نجح الشركاء من خلال أجهزة استخباراتهم فى الوصول إلى درجة من التقارب حولتهم إلى ما يشبه «جهاز تجسس عالمى» حيث يتقاسمون يوميًا كنزًا من المعلومات عالية السرية، من خلال التجسس على المنظمات، والحكومات الأجنبية، وبعض الأفراد المستهدفين، فى ظل صمت إعلامى رهيب، لا يتطرق للحديث عنهم إلا نادرًا. فقد تعاهد هؤلاء على السرية التامة، كأحد أهم الركائز الأساسية لاتحادهم، ليتواروا عن الرأى العام، فى مفارقة تاريخية داخل عالم ينادى فيه الجميع بالشفافية، والمساءلة. ويعد التحالف الاستخباراتى «Five Eyes»، أو «العيون الخمس» أقدم ائتلاف سرى لأجهزة استخبارت تابعة لخمس دول، والتى تشمل: وكالة الأمن القومى الأمريكية (NSA)، ومؤسسة أمن الاتصالات الكندية (CSEC)، ومكاتب الاتصالات الحكومية البريطانية (GCHQ)، ومكتب أمن الاتصالات الحكومية فى نيوزيلندا (GCSB)، ومديرية الإشارات الأسترالية (ASD)، والتى كانت تعرف حينها باسم مديرية إشارات الدفاع (DSD).
كما يسمح لبعض البلدان الأخرى، التى تسمى ببلدان «الطرف الثالث»، بمشاركتها فى أوقات متفاوتة أحيانًا، حسب الحاجة الأمنية لها، أو بمعنى أدق، عندما تتعرض مصالح الدول الخمس الأساسية للخطر.
بدأ تحالف المجتمع التجسسى المصغر هذا خلال الحرب العالمية الثانية، بعد أن اتفق البريطانيون، والأمريكيون معًا على اعتراض اتصالات الراديو النازية وتفكيكها. وكان تبادل المعلومات الاستخباراتية جزءًا مهمًا من جهودهما، التى استمرت بعد الحرب أيضًا، مما أدى إلى إبرام اتفاقية (UKUSA).فى مارس من العام 1946 .. يذكر أن أتفاقية (UKUSA) كانت تحمل اسم اتفاقية (BRUSA)، بين واشنطن ولندن فى 17 مايو من العام 1943، وما زالت سارية المفعول..أما فى عام 1947 فدُون رسميًا تقسيم مجالات المسئولية عن تجميع الإشارات الاستخباراتية بين «الطرف الأول» (الولايات المتحدة)، و«الأطراف الثانية» (بريطانيا، وأستراليا، وكندا، ونيوزيلندا)..الذين من أجلهم تم تمديد الإتفاقية لتشملهم.. حيث انضمت «كندا» فى عام 1948، و«أستراليا، ونيوزيلندا» فى عام 1956.
وكانت الاتفاقية المكونة من 69 ورقة - حسبما نشر الموقع الرسمى لـ«وكالة الأمن القومى»، والتى تم تحديثها - قد نصت على: «سوف يتم النظر فى هذا الوقت فقط إلى «كندا، وأستراليا، ونيوزيلندا» كدول الكومنويلث المتعاونة فى المملكة المتحدة».
وبالفعل نفذ هؤلاء الخمس العديد من الأنشطة التعاونية الدقيقة خلال الحرب الباردة لتتبع الغواصات السوفيتية بصواريخ باليستية فى شمال المحيط الأطلسى، وبحر الشمال.
وبالنسبة للولايات المتحدة، فقد اعتمدت على مواقع تنصت بريطانية قديمة، داخل مناطق كانت جزءًا من إمبراطورية «بريطانيا» لإشارات الاستخبارات، للتجسس على «الشرق الأوسط» تحديدًا، لأنها كانت ضمن المناطق، التى تتجسس عليها الاستخبارات البريطانية، بجانب أوروبا، ودولة «الصين».
كما قسم الحلفاء الخمسة أيضًا عملهم على عدة مناطق متنوعة أخرى على مستوى مراقبة المحيطات، والعمليات السرية، وجمع الاستخبارات البشرية...وغيرها.
فكان فرع إشارات الدفاع- المعروف الآن باسم مديرية الإشارات الأسترالية- يتعاون بشكل مباشر، مع مهام كانت تحددها «وكالة الأمن القومى» الأمريكية، والتى كانت مجدية جدًا بالنسبة للولايات المتحدة، لأن الاستخبارات الأسترالية غطت بشكل متخصص كل ما يتعلق بمنطقة جنوب، وشرق آسيا، والمحيط الهادئ.
أما «نيوزيلندا» فكانت تهتم بجنوب المحيط الهادئ، وأجزاء من جنوب شرق آسيا. ومن جانبها تراقب «كندا» المناطق الداخلية لروسيا، والصين، وأجزاء من أمريكا اللاتينية.. وأخيرًا تشرف «الولايات المتحدة» أيضًا على «الشرق الأوسط، الصين، وروسيا، وإفريقيا، ومنطقة البحر الكاريبى».
ومع ذلك، لا يعنى هذا التقسيم الإقليمى، أن الأطراف مقيدة لتوجيه جهودها فقط إلى تلك المناطق، أو ملزمة بمراقبة تلك الأجزاء من العالم فقط، بل لهم مطلق الحرية فى الخروج عن هذا النطاق.. خاصة فى الوقت الحالى، ومع تطور العصر، صاروا يتجسسون على «المجال البحرى» لمراقبة حركة النقل البحرى، التى تمر عبر المناطق البحرية الاستراتيجية، و«مجال الفضاء الجوى»، الذى يغطى اختبارات الصواريخ الباليستية، وعمليات نشر الأقمار الصناعية الأجنبية، والأنشطة العسكرية ذات الصلة بالقوات الجوية..ناهيك عن المجال الإلكترونى (السيبراني) اللامحدود.. بالإضافة إلى قضايا المنظمات الإرهابية، والصفقات التجارية المتعلقة بالأسلحة التى تقوم بها بعض الأنظمة تقع أيضًا ضمن نطاق العيون «الخمس».
جدير بالذكر أن الشراكة بين دول التحالف كانت سرية للغاية لدرجة أن رئيس الوزراء الأسترالى الأسبق «جوف وايتلام» لم يكن على علم بوجودها، أو انضمام بلاده من الأساس حتى عام 1973..كما لم يعرف عنهم شىء سوى عام 2005.. وفى يونيو 2010، تم إصدار النص الكامل لاتفاقية (UKUSA) من قبل الحكومتين البريطانية والأمريكية للمرة الأولى، فى اعتراف رسمى بالتحالف أمام العالم.
كما تساعد المعلومات التجسسية التى تصل أجهزة الاستخبارات التابعة لـدول التحالف فى عملية صنع سياساتهم الدولية، لأن البيانات التى يتم جمعها، وتحليلها من قبل التحالف تصبح حيوية فى إدارة الأزمات بمختلف السيناريوهات.
ويذكر أن تلك المجموعة حصلوا على اسمائهم من الطريقة التى تصنف بها منتجات الاستخبارات، على سبيل المثال، ووفقًا لما شرحه «جيمس كوكس»، أن «وثيقة سرية للغاية» مخصصة فقط لمسؤولى الاستخبارات الكندية، يتم ختمها على أنها «TOP SECRET - CANADIAN EYES ONLY» فقط.
كما يتم وضع علامة على تقارير الاستخبارات، التى يتم تقاسمها مع مجموعة من أقرب حلفاء الاستخبارات، مثلًا «SECRET - AUS/ CAN NZ/ UK/ US EYES» فقط، بمعنى «سرى – أستراليا/ كندا/ نيوزيلندا/ المملكة المتحدة، الولايات المتحدة».
ويتمتع عملاء الأعضاء الخمسة بحرية الحركة داخل أجهزة استخباراتهم، فوفقًا لما قاله أحد كبار أعضاء مجتمع الاستخبارات البريطانى، بأنه: عندما تحصل على تصريح من وكالة (GCHQ) البريطانية، فإنها تمنحك أيضًا إمكانية الوصول إلى وكالة (NSA)، والعكس صحيح. وعندما يكون لدى (NSA) بعض المعلومات، فإنها تطلب غالبًا من «GCHQ» الحصول على معلومة، أو رأى ثانٍ.. مضيفًا أنه كان هناك صعود وهبوطً على مر السنين فى مستوى العلاقات».
أما فيما يخص التعاون مع مختلف بلدان «الطرف الثالث» الأخرى، فقد تعاون الخمس مع دول «الدنمارك، وفرنسا، والنرويج، وهولندا» باسم «Nine Eyes» أو «التسع أعين».. وهناك أيضًا «Fourteen Eyes»، أو «الأربعة عشر عين»، التى تتكون من التسعة السابقين، بالإضافة إلى دول «بلجيكا، وألمانيا، وإيطاليا، وإسبانيا، والسويد».
أما الكيان الصهيونى فيتعارف من خلف الستار، خاصة وأن هناك العديد من التقارير، التى أكدت بأنها واحدة من أقرب الشركاء مع الإدارة الأمريكية، ووكالة الأمن القومى الأمريكية.
كما ذكرت تقارير، بجانب تسريبات «إدوارد سنودن»، أن دولتى «سنغافورة، وكوريا الجنوبية» كانتا شريكتين متقاربتين فى تحالف «فايف آيز»، خاصة مع دول «نيوزيلندا، وأستراليا، والولايات المتحدة». أما «اليابان» فعلى ما يبدو كانت شريك مراقبة متعاون مع «الولايات المتحدة» خاصة فى فترة الخمسينيات.. كما سعت (NSA)- بحسب سنودن- فى عام 2011 إلى التعاون معها، بشأن استخدام كابلات تنقل معلومات عن «الصين» على وجه التحديد، ثم بعض مناطق آسيا، ودول المحيط الهادئ من خلال التجسس على الهواتف، وبيانات الإنترنت، لكن الطلب رُفض.>