الأحد 25 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي

أمريكا.. التجسس على الأعداء .. والحلفاء أيضًا!

أمريكا.. التجسس على الأعداء .. والحلفاء أيضًا!
أمريكا.. التجسس على الأعداء .. والحلفاء أيضًا!


عندما نتحدث عن الدور الأمريكى فى تحالف «العيون الخمس»، فإننا نتحدث عن لاعب أساسى، بل محرك للأحداث، فالولايات المتحدة لا تكتفى فقط بالتحالف الخماسى الذى نتحدث عنه هنا، بل لجأت إلى عَقد شراكات ثنائية مع كل دولة من الدول الأربع على حدة، هذا إلى جانب التحالفات الاستخباراتية الأخرى التى تلجأ إليها الولايات المتحدة من حين لآخر مع دول خارج التحالف بهدف الوصول إلى معلومات سرية أو استغلال هذا التحالف فى التجسس على دول معينة.

تمثل «وكالة الأمن القومى» NSA الولايات المتحدة فى تحالف «العيون الخمس» منذ نشأته نظرًا لكونها وكالة الاستخبارات الأقدم فى الولايات المتحدة، لكن المعلومات التى يتم تبادلها لا تقتصر على تلك التى تحصل عليها الوكالة فقط، بل تتشارك الولايات المتحدة مع حلفائها الأربعة معلومات سرية تحصل عليها وكالات الاستخبارات الست عشرة الأخرى.
ولكننا هنا سنركز فقط على ما تم تسريبه من وثائق تخص وكالة الأمن القومى و«العيون الخمس» . ففى 2013 كشف «إدوارد سنودن» مجموعة من الوثائق التى أحدثت ضجة. الوثائق المسربة فضحت عمليات التجسس التى تقوم بها الوكالة الأمريكية ضد دول تُعتبر حليفة للولايات المتحدة ومنها ألمانيا وفرنسا وإسبانيا وبلجيكا وجميعها دول أعضاء فى حلف الناتو، وبالطبع تشارك الوكالة كل ما تحصل عليه من معلومات مع دول التحالف الأربع.
الوثائق كشفت تورط الوكالة فى عمليات واسعة من التنصت على الاتصالات الهاتفية لكبار الشخصيات فى هذه الدول مثل المستشارة الألمانية «أنجيلا ميركل» التى اتصلت بالرئيس الأمريكى «باراك أوباما» لاستيضاح الأمر. أوباما أكد أنه لا توجد عمليات تجسس حالية ولن تكون هناك عمليات فى المستقبل، لكنه لم يتحدث عن عملية التجسس التى أثبتتها وثائق سنودن. واقترحت ميركل فيما بعد من خلال رئيس جهاز الاستخبارات الألمانى تشكيل تحالف استخباراتى مع الولايات المتحدة على غرار «العيون الخمس» فى تلميح إلى الانضمام للتحالف حتى تكون لديها الحماية التى يوفرها التحالف للدول الأعضاء من خلال شرط عدم التجسس على بعضهم البعض فى مقابل مشاركة المعلومات الاستخباراتية التى تصل إليها أجهزتها. الولايات المتحدة وحلفاؤها الأربعة رفضوا انضمام حليف جديد إليهم .
كما كشفت الوثائق قيام الوكالة الاستخباراتية الأمريكية بالتنصت على الاتصالات الهاتفية لنصف مليار مواطن ألمانى وعلى بريدهم الإلكترونى ورسائلهم النصية وكتبت الصحف وقتها إن الحماية الوحيدة لأى دولة من التجسس الأمريكى هى أن تكون أحد أعضاء «العيون الخمس».
كما أعلنت فرنسا بعدها أن وكالة الأمن القومى الأمريكية سجلت اتصالات المواطنين الفرنسيين بمعدل 70 مليون مكالمة شهريّا، كما كشفت الوثائق أن هناك أكثر من 60 مليون اتصال هاتفى سجلتها الوكالة خلال شهر واحد واستدعت مدريد السفير الأمريكى لطلب توضيح لما جاء بالوثائق وإبلاغه الاعتراض على قيام بلاده بالتجسس على مواطنى دولة حليفة لها، بينما أعلن وزير الخارجية الإسبانى وقتها «جوزيه مانويل جارسيا مارجالو» أن ما تم الكشف عنه أحدث شرخًا فى العلاقات بين البلدين.
لكن الأمر لا يقتصر على أوروبا فقط، فالنهم الأمريكى للتجسس وجمع المعلومات الذى جعل الولايات المتحدة تمتلك 17 جهازًا استخباراتيّا لا يتوقف أبدًا. فقد كشف سنودن فى وثائق أخرى خلال العام نفسه عن تجسس الـ NSA على الاتصالات والرسائل النصية الخاصة برئيسة البرازيل «ديلما روسيف» ومساعديها . روسيف  ألغت زيارتها للولايات المتحدة التى كانت مقررة قبل نشر الوثائق وتوجهت إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك للإعلان عن رفضها الرسمى لعمليات التجسس الأمريكية على اتصالاتها الشخصية والرسمية متهمة الولايات المتحدة الأمريكية بانتهاك السيادة البرازيلية والقانون الدولى.
رئيسة البرازيل أعلنت فى كلمتها للجمعية العامة أن الأمر لم يقتصر على هاتفها فقط، بل شمل أيضًا الحصول على معلومات استراتيجية واقتصادية سرية خطيرة، فضلاً عن التجسس على البعثات الدبلوماسية البرازيلية ومن بينها بعثتها الدائمة لدى الأمم المتحدة.
تسريبات أخرى لسنودن أيضًا كشفت قيام وكالة الأمن القومى بالتجسس على المواطنين البريطانيين وإرسال البيانات والتسجيلات التى حصلت عليها إلى وكالة الاستخبارات البريطانية GCHQ فى إطار تحالف «العيون الخمس»، ورغم أن قواعد التحالف وشروطه تمنع أيّا من دول التحالف من التجسس على حلفائها الأربعة،فإن القواعد تغيرت عام 2007 وسمحت بريطانيا للوكالة الأمريكية بتسجيل بيانات المواطنين البريطانيين التى شملت أرقام الهواتف والفاكس والبريد الإلكترونى وغيرها من البيانات الشخصية.
ولم تكن هذه هى التسريبات الأخيرة، فقد تبعتها تسريبات أخرى لوثائق استخباراتية أمريكية تؤكد تورط الوكالة نفسها فى التجسس على وزراء الحكومة اليابانية ومسئوليها. الوثائق كشفت عن معلومات حصلت عليها الوكالة حول محادثات داخل الحكومة اليابانية بخصوص سياسات التجارة والتغير المناخى والطاقة والقدرات النووية، بالإضافة إلى معلومات سرية حول محادثات تمت داخل منزل رئيس الوزراء اليابانى «شينزو ابى».
حتى الألعاب الإلكترونية لم تسلم من وكالة الأمن القومى حيث أكدت وثائق أخرى لـ «إدوارد سنودن» أن وكالة الأمن القومى تتجسس على العالم الافتراضى وتحاول الوصول إلى بيانات ومعلومات حول الملايين من مستخدمى الألعاب الإلكترونية عبر شبكة الإنترنت حول العالم، أمّا الحجة التى ساقتها الولايات المتحدة لتبرير هذه العمليات فكانت الخوف من سوء استخدام هذه الألعاب من جانب الإرهابيين ومحاولتهم الاتصال سرّا بمن يجيدون الألعاب التى تتضمن عنفًا وقتلاً وحروبًا.
قام عملاء الوكالة بانتحال شخصيات فى العالم الافتراضى للاعبين مغرمين بهذه الألعاب الإلكترونية وحاولوا تجنيد بعض اللاعبين كما تؤكد الوثائق، هذا إلى جانب مراقبة اللاعبين والتجسس على تفاعلاتهم، ولم تقتصر هذه العملية على وكالة الأمن القومى فقط وإن كانت هى قائد العملية بالفعل، بل شارك أيضًا كل من «وكالة الاستخبارات المركزية» CIA و«وكالة استخبارات الدفاع» DIA وجهاز الاستخبارات البريطانى GCHQ.
ومن بين الوثائق الخطيرة التى تم تسريبها عام 2014، وثيقة تؤكد قيام الـ NSA بجمع نحو 200 مليون رسالة نصية يوميّا من أجهزة المحمول حول العالم واستخدامها فى استخلاص معلومات وبيانات شخصية وسرية تخص أصحابها مثل موقعهم وبيانات بطاقات الائتمان وقائمة الأسماء والأرقام فى كل الهواتف وخطط الإجازات والسفر، مستخدمة أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعى.
والمثير أن بريطانيا التى تعرّض مواطنيها لعمليات التجسس الأمريكية، بموافقتها فيما يبدو، قد استخدمت المعلومات التى وصلت إليها الاستخبارات الأمريكية فى تعقب بعض البريطانيين الذين استهدفتهم العملية الاستخباراتية الأمريكية. وقد عُرفت هذه العملية التجسسية الموسعة باسم «ديشفاير».
وفى عام 2014 كشفت وثيقة مسربة من الـNSA أن الوكالة اعترضت جميع الاتصالات الهاتفية فى جزر الباهاما وسجلتها على مدار شهر كامل. الوكالة منحت هذه العملية اسمًا كوديّا هو «سومالجيت» ونفذته دون علم حكومة الباهاما. وتعتبر هذه العملية جزءًا من برنامج «ميستيك» الخاص بالوكالة الذى يختص بجمع المعلومات الشخصية عن الأشخاص من خلال تعقب اتصالاتهم الهاتفية.
لم تترك الوكالة الأمريكية بابًا للتجسس إلا طرقته وبالتأكيد هناك المزيد الذى ستكشف عنه الأيام، لكن المؤكد أن الدول الخمس تعرف الكثير عن باقى دول العالم والمؤكد أيضًا أن الولايات المتحدة هى قائد التحالف بلا منازع، حيث لا تخلو أى عملية تجسس للدول الأربع من الوجود الأمريكى سواء بالمشاركة الفعلية فى العملية أو باقتراحها أو توفير آليات القيام بها.>