الأربعاء 8 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

هوليوود الإسرائيلية تزيف الحقائق فى «بيروت»

هوليوود الإسرائيلية تزيف الحقائق  فى «بيروت»
هوليوود الإسرائيلية تزيف الحقائق فى «بيروت»


فى السينما يختلف الجميع على كل شىء  إلا صورة العربى فى عيون هوليوود، ولقد انهمك النقاد والشُراح فى الحديث عن هذا الأمر خلال العقد الماضى لدرجة أن الإسهاب فيه يصبح ضربًا من ضروب الإطناب والشطط، ومع ذلك لا تنفك السينما الأمريكية على استفزاز مشاعر الشعب العربى بتقديم أعمال ظاهرها ترفيهى بحت وباطنها مُحمل برسائل سياسية عنصرية ضد العرب وتراثهم وثقافتهم ودينهم.

آخر هذه الأعمال هو فيلم «بيروت» للمخرج الأمريكى «براد أندرسون» ومن تأليف «تونى جيلروى»، وبطولة «جون هام» و«روزاموند بايك»، وكما هو واضح من عنوانه، تجرى أحداث الفيلم فى عاصمة لبنان، بيروت، عام 1982 أى تزامنًا مع الغزو الإسرائيلى للأراضى اللبنانية التى تحولت إلى ساحة قتال بين منظمة التحرير الفلسطينية وسوريا والكيان الصهيونى، ووسط كل هذا يأتى بطل الفيلم ليقوم بمهمة لحساب وكالة الاستخبارات الأمريكية «CIA» لإنقاذ صديق له مخطوف على يد منظمة التحرير، التى كانت الشخصية الشريرة فى قصة الفيلم أو ما تعرف فى الأدب بـ«الغريم» أو الـ«Antagonist».
عندما طرحت شركة «رادار» المنتجة للفيلم، إعلانه الترويجى الأول مطلع العام الجارى، أثار موجة غضب شديدة لدى اللبنانيين بالتحديد، وسرعان ما  ظهرت أصوات، داخل مواقع التواصل الاجتماعى وخارجها، تنادى بمقاطعة الفيلم، نظرًا لاعتبارات شتى، على رأسها أن توقيت طرح الإعلان جاء مزامنًا لذكرى الحرب، وما اعتبره البعض أنه تشويه متعمد للشعب اللبنانى وحربه القاسية، وأنه لم يضم أى ممثل لبنانى، بل كل الشخصيات العربية اللبنانية فى الفيلم أداها ممثلون من المغرب.
هذا ناهيك عن أن الفيلم لم يصوَّر فى لبنان بل فى مدينة طنجة المغربية، وهذا بفضل أن أحد منتجيه هو أحد أعلام الإنتاج السينمائى المغربى «كريم الدباغ»، وبفضل مدير الإنتاج الإسرائيلى «آراد سوات»، الذى قام ببناء مدينة كاملة تشبه بيروت فى طنجة، والذى قال عنه مخرج الفيلم فى حوار مع موقع «تراكنج بورد» الأمريكى، إنه كان أحد الجنود الإسرائيليين الذين شاركوا فى غزو لبنان خلال الثمانييات، وأنه لولاه لما استطاع صُنع الفيلم من الأساس.
إن أغلب أعمال «سوات» ذات محتوى إسرائيلى، فقد كان مديرًا لإنتاج فيلم «A Tale of Love and Darkness» عن سيرة حياة الكاتب الإسرائيلى «عاموس عوز»، وهو أول تجربة إخراجية للممثلة الإسرائيلية الأمريكية «ناتالى بورتمان»، التى صورته داخل أسوار القدس المحتلة.. ويعتز «سوات» كثيرًا بفيلمه الأول «Footnote» الذى أنتج عام 2011 وهو من تأليف وإخراج الإسرائيلى «جوزيف سيدار»، الذى وصف «سوات» فى أحد حوارته بأنه «تشرّب» روح إسرائيل.
هذا الفيلم يتحدث عن علاقة مضطربة بين أب وابنه يقومان بدراسة التلمود فى الجامعة العبرية بالقدس، وقد فاز بجائزة أحسن سيناريو فى مهرجان كان السينمائى عام 2011 وترشح لجائزة الأوسكار لأحسن فيلم أجنبى فى العام نفسه.
وقد وصف «سوات» العمل مع «سيدار» بأنه شيق للغاية «وفتح شهيته» للعمل معه مجددًا فى أفلام أخرى، وهو ما حدث بالفعل، حيث اشترك معه فى إدارة إنتاج فيلم الدراما السياسى «Norman» بطولة الأمريكى «ريتشارد جير»، الذى يؤدى فيه شخصية عجوز تغيرت حياته بعدما أصبح صديقه المقرّب رئيسًا لوزراء إسرائيل.
أمّا المنتج المغربى «كريم الدباغ» فيعتبر شخصية مثيرة جدّا للجدل، إذ إنه لا يحظى بشهرة واسعة داخل عالمنا العربى، لكنه أصبح أحد أهم المنتجين فى هوليوود مؤخرًا. وقد دخل مجال الإنتاج منذ عام 1993، حيث كان فى بادئ الأمر منتجًا مساعدًا لعدد من الأعمال المغربية الصغيرة سواء فى السينما أو التليفزيون، وحينما أنهى دراسته بمعهد «بادنفورتمبيرج» السينمائى فى ألمانيا، عاد إلى طنجة وأسس شركته «Kasbah-Films Tangier GmbH».
استطاع «الدباغ»، وبعد أكثر من نصف قرن  فى العمل بالأفلام المغربية، لفت أنظار النجم الأمريكى «توم هانكس» عام 2014، عندما كان الأخير قد قرر إنتاج فيلمه الشهير «A Hologram for the King» الذى تدور أحداثه فى المملكة العربية السعودية، حيث استعان المخرج «توم تايكوير» بخبرة «الدباغ» فى الإنتاج، وقاما معًا بتصوير الفيلم فى المغرب والغردقة بمصر، نظرًا لأن السُّلطات السعودية كانت تحظر التصوير السينمائى داخل المملكة، رُغم أن «تايكوير» استطاع بحيلة بسيطة تصوير بعض المشاهد الخارجية فى الرياض.
وقد استعان المخرج المصرى السويدى «طارق صلاح»، بـ«الدباغ» فى الفيلم الذى أثار جدلاً واسعًا داخل مصر، «حادثة النيل هليتون»، فكما هو معروف لم يتمكن «صلاح» من الحصول على موافقة لتصوير فيلمه داخل القاهرة، لذلك قرر هو و«الدباغ» تصويره فى المغرب، وإعادة بناء أحياء المحروسة فى مدينة الدار البيضاء المغربية.
وسوف يشارك «الدباغ» أيضًا فى إنتاج فيلم يتحدث عن الثورة الليبية من إخراج «جايسون وولفسون»، وأيضًا فى فيلم آخر تدور أحداثه فى بيروت ومن إخراج «كريستيان جونستون».
وبالعودة إلى «بيروت» سنرى أن وزير الثقافة اللبنانى «غطاس خورى» أصدر بيانًا أدان فيه الفيلم، قائلاً: «الواضح أن فيلم بيروت أتى بنية الإساءة إلى بلدنا وأهلها، لغايات فى نفس المخرج»، فى حين صرّح الناقد السينمائى اللبنانى «إميل شاهين» لجريدة «الشرق الأوسط» اللبنانية بأن الفيلم يسىء لصورة لبنان ولذلك يجب منعه.
وقد عُرض الفيلم لأول مرّة فى 22 يناير 2018 بمهرجان «صاندس» السينمائى الدولى، وطرح فى شباك التذاكر الأمريكى يوم 11 أبريل الماضى، ووصلت أرباحه حتى الآن نحو 5 ملايين دولار، وقد حصل على آراء نقدية متوسطة من النقاد الأمريكيين، وبعد أيام من عرضه فى الولايات المتحدة، أصدرت اللجنة الأمريكية العربية لمكافحة التمييز بيانًا وصفت فيه الفيلم بأنه «عنصرى وسطحى» فى تصويره للعرب والحرب اللبنانية، وبأن شخصية الفيلم الرئيسية كانت نمطية للغاية ونموذجًا للـ«بطل الهوليوودى» المنُقذ.
وحسبما ذكرت صحيفة «هاآرتز» الإسرائيلية- التى أشادت بالفيلم- فإن «جيلروى» استغرق عامًا كاملاً فى تأليف السيناريو وانتهى منه عام 1991، وقد كان متأثرًا آنذاك بحادثة اختطاف وقتل مدير محطة «وكالة المخابرات المركزية» فى بيروت «وليام باكلى» فى مارس 1984، على أيدى «حزب الله»، وهو ما عُرف بعد ذلك بأزمة الرهائن اللبنانية. وقد اعترف «جيلروى» نفسه فى تصريحات لصحيفة «بوستن هيرالد» الأمريكية أن سيناريو الفيلم تحريضى ولهذا السبب تأخر تصويره لأكثر من نصف قرن، قائلاً: «لقد كان السيناريو قاسيًا بالنسبة لإدارة رونالد ريجان ومنظمة التحرير الفلسطينية، وقد كان من المستحيل تصويره فى ذاك الوقت».
وفى حوار آخر مع مجلة «فارايتى» الأمريكية، وصف «جيلروى» منظمة التحرير الفلسطينية بـ«الفاسدة»، بينما أكد «جون هام» - بطل الفيلم - فى تصريحات لوكالة الأنباء الكندية أن قصة الفيلم جاءت من وجهة نظر أمريكية بحتة، وأن صناع العمل ليسوا مسئولين عن ردود الفعل السلبية التى جاءت بعد طرح الفيلم عالميّا.