هكذا يفكر «ترامب»: إدارة حــــرب
آلاء شوقي
أجرى الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب» العديد من التغييرات منذ توليه الإدارة الأمريكية فى يناير 2017، لكن التغييرات الأخيرة لم تكن كسابقاتها. فيبدو أن ترامب هذه المرة قرر اختيار رجاله ممن يؤمنون بأفكاره، وبالتالى سينفذون سياساته.
اختار ترامب هذه المرة صقور حرب ليس مجرد مساعدين ووزراء .ولم تكن الضربة الأخيرة لسوريا سوى نتاج لهذه التغييرات، فرجال ترامب الجدد يسعون إلى الحرب ولا يأبهون بالقانون ولا تزعجهم المسائل الإنسانية، فمن مهندس حرب العراق إلى مجرمة حرب ومتخصص فى الحرب الإلكترونية، تأتى تغييرات ترامب لتشعل التوقعات باندلاع حرب مع إيران تارة ومع روسيا تارة أخري، إلى جانب التوترات المعروفة بين الولايات وكوريا الشمالية خاصة بعد التحالفات الأخيرة.
جاءت تلك القرارات بناءً على ما واجهه الرئيس الأمريكى من رفض فريق الأمن القومى السابق، الانسحاب من جانب واحد من الصفقة الإيرانية، كما كان «ترامب» يرغب. ولذلك لم يتردد الرئيس الأمريكى فى الاستغناء عن مجموعة من أكثر المسئولين خبرة ونجاحًا ومنهم مستشار الأمن القومى الأمريكى السابق، الجنرال «هربرت ماكماستر»، ووزير الخارجية الأمريكى السابق «ركس تيلرسون».
بالتأكيد ستكون التغييرات الأخيرة مفيدة لترامب وإدارته، لكن هل ستغير الإدارة الجديدة شكل الصراع فى العالم؟، وهل ستؤدى إلى إشعال المزيد من الحروب كما هو متوقع ؟، وكيف ستكون طبيعة الصراع الأمريكى مع روسيا والصين وكوريا الشمالية وإيران؟
وكالة الأمن القومى «NSA» فى انتظار الإمضاء الأخير لترقية مدير «القيادة الإلكترونية الأمريكية» السابق، الفريق «بول ناكاسوني»، الذى اختارة «ترامب» تحديدًا، ليصبح مديرًا لـوكالة الأمن القومى «NSA» الجديد.
«ناكاسوني» اشتهر بتاريخه التجسسى وتخصصه فى الحرب الإلكترونية، إذ إنه لا يمتلك خبرات ميدانية حقيقية، وخلال الجلسات التى أجراها أمام الكونجرس الأمريكى للتصديق على تعيينه، جاءت بعض إجابات ناكاسونى صادمة. وردًا على سؤال حول استراتيجيته لإحباط التدخل الروسى الإلكترونى فى الانتخابات الأمريكية، ومدى قوة برنامج المراقبة للحكومة الفيدرالية، والعملية المصاحبة لها للحصول على أوراق التجسس، وملفات المشتبه بهم..وغيرها الكثير فيما يتعلق بالجزء السيبراني، قال ناكاسونى إنه يريد أن يدفع أعداء «الولايات المتحدة» ثمن عدائهم.و تتضمن خبرات «ناكاسوني» التى تعدت الثلاثة عقود: تعطيل أنظمة التحكم، أو السيطرة على شبكات محددة، بجانب توليه مسئولية مهاجمة وتعطيل عمليات تنظيم «داعش» الإرهابى عبر شبكات الإنترنت.. وقبلها العمليات التجسسية والعسكرية ضد كل من «كوريا، والعراق، وأفغانستان»، بجانب كونه المسئول أيضًا عن تطوير أدوات الرد ضد «إيران»، بعدما استهدفت البنوك الأمريكية بهجمات واسعة النطاق فى عام 2012، بالإضافة إلى إجابته الفارقة أيضًا بأن كلًا من «روسيا، والصين» ستكونان على رأس أولوياته فور توليه المنصب الجديد – بما يتماشى مع استراتيجية الأمن القومى الأمريكى العام الماضي، ويبدو أن كل هذه الخبرات قد لفتت انتباه «ترامب» لاختيار ناكاسونى لكى مديرًا لوكالة الأمن القومي.
من الصعب التفكير فى أى شخص فى مجال السياسة الخارجية، والأمن القومى أكثر تطرفًا من مستشار الأمن القومى الأمريكى الجديد «جون بولتون» أحد أكبر مؤيدى ومهندسى حرب العراق، والذى يؤمن بضرورة إلغاء الاتفاق مع «إيران». كما يرى بولتون أن شن ضربات عسكرية وقائية ضد كوريا الشمالية ربما يكون القرار المناسب.
طالما عارض «بولتون» التفاوض مع «إيران»، وفضل توجيه ضربات عسكرية ضدها..وفى عام 2007، رفض حتى إمكانية التوصل إلى اتفاق معها، بأن تحصل على سلاح نووي..واصفًا الصفقة، بأنها «كارثة استراتيجية للولايات المتحدة». مشددًا على ضرورة إلغائها، بل ذهب لأبعد من هذا، وفضل أن يكون هدف الإدارة الأمريكية، هو تغيير النظام الإيرانى من الأساس، وفقًا لما قاله لأعضاء حركة «منظمة خلق» الإيراني، وهى من أكبر الجماعات المعارضة الإيرانية. جاء ذلك خلال اجتماع عقده معهم فى العاصمة الفرنسية باريس، إذ قال: «سلوك وأهداف النظام الإيرانى لن تتغير، وبالتالى فإن الحل الوحيد هو تغيير النظام نفسه..ولهذا السبب، وقبل عام 2019، سنحتفل فى طهران»!
وفى مطلع العام الحالى كان لبولتون تصريح جريء حول كوريا الشمالية عندما قال: «الحديث مع «كوريا الشمالية» سيكون بلا جدوي». وأكد على سياسته الرافضة للتفاوض فى فبراير الماضى عندما أشار إلى أن الاستجابة الطبيعية والمشروعة التى تفرضها الأوضاع الحالية على الولايات المتحدة تجاه السلاح النووى فى كوريا الشمالية هى «الضرب أولاً».
الأسوأ من ذلك هو ترأس «بولتون» لمنظمة تروج لأخبار مضللة، وخاطئة معادية للمسلمين، وعنصرية تدعى «GateStone» حسبما أكد موقع «إن.بي. سى نيوز» .المنظمة تحذر من استيلاء الجهاديين على أوروبا وموت -العرق الأبيض العظيم- فى إشارة عنصرية ناحية أصحاب البشرة السمراء، وضد مواطنى الشرق الأوسط. ومثل رئيسه «ترامب»، يؤمن «بولتون» بفكرة حظر جميع المسلمين من دخول «الولايات المتحدة».
إذا كان «بولتون» هو العقل المدبر، فإن وزير الخارجية الأمريكى الحالى «مايك بومبيو» سيكون لسان بولتون وترامب، يبرر ضربات عسكرية ويروج لسياسات عدائية ولكن بأسلوب غير عدائى حتى يبدو الأمر مجرد تحرك لحماية الأمن القومى الأمريكى .
كان «بومبيو» أحد أكثر المعارضين للتوصل إلى تسوية تفاوضية مع «إيران» بشأن برنامجها النووي، عندما كان عضوًا بالكونجرس.. حيث عمل بالتنسيق مع السيناتور «توم كوتون»، لتقويض المفاوضات عن طريق إرسال رسالة مباشرة إلى القادة الإيرانيين، مؤكدًا لهم فيها أن الإدارة الجمهورية المستقبلية، يمكن أن تلغى الاتفاق «بضربة قلم»..حيث طرح خيارًا عسكريًا للقضاء على البرنامج النووى الإيراني، قائلًا إن الأمر سيستغرق «حوالى 2000 ضربة لتدمير القدرات النووية الإيرانية»، وهو نفس توجه «بولتون» و«ترامب» نفسه.
وفى الذكرى الأولى لصفقة «إيران»، قال «بومبيو» إنه: «على الكونجرس أن يعمل على تغيير السلوك الإيراني، ثم النظام الإيراني».
وربما يكون أحد أهم الأسباب التى لفتت نظر «ترامب» لاختياره، هو تغريدة «بومبيو» على موقع التواصل «تويتر»، وبعد انتخاب «ترامب»: «أتطلع إلى التراجع عن هذا الاتفاق الكارثى مع أكبر دولة راعية للإرهاب فى العالم».
«بومبيو» كوزير للخارجية الأمريكية، رجح العديد من الخبراء، أنه سيلعب دورًا رئيسيًا فى سياسة إدارة «ترامب»، وستكون قادرة على تشجيع الرئيس على الانسحاب من الصفقة الإيرانية.
اشتهرت جينا هاسبل –التى من المفترض أن تأتى خلفًا لبومبيو كمديرة CIA- على مستوى أغلب الصحف العالمية بصاحبة التاريخ الأسود، نظرًا لماضيها الدموى العنيف، وسجلها الحافل بعمليات التعذيب لكل من ساقه القدر ليقف أمامها ويخضع للاستجواب.
وتعد هاسبل أول امرأة تتولى رئاسة «وكالة الاستخبارات المركزية» CIA، حيث كانت واحدة من كبار ضباط الاستخبارات فى الولايات المتحدة الأمريكية. شاركت «هاسبل» فى أسوأ الانتهاكات التى شهدها «برنامج الاستجواب» فى عهد الرئيس الأمريكى الأسبق «جورج بوش»، وذلك خلال توليها واحدة من أوائل مراكز الاحتجاز والاستجواب التابعة لـلوكالة التجسسية سيئة السمعة والتى عرفت فيما بعد بـ«المواقع السوداء». كانت «هاسبل» تتولى تعذيب واستجواب أعضاء تنظيم «القاعدة»، وكان أشهرهم «أبو زبيدة»، للحصول على المعلومات التجسسية الأمريكية المطلوبة.
كما أشرفت، بل لعبت دورًا حيويًا عام 2005 فى تدمير أكثر من مائة شريط يسجل عمليات تعذيب، واستجواب المعتقلين فى «الموقع الأسود» التى كانت تديره، والمعروف أيضاً باسم «عين القطة»، والتى كانت الدليل الوحيد الذى يثبت تورط الوكالة التجسسية، و«هاسبل» نفسها فى هذه العمليات القذرة.
جاء اختيار «هاسبل» بعد تصريحات «بومبيو»، بأنه مستعد لإعادة إحياء تقنيات التعذيب، التى استخدمت فى عهد «بوش». ولا تزال هناك العديد من الاعتراضات على اختيار ترامب لهاسبل صاحبة التاريخ الإجرامى حتى إن مجموعة من نحو 100 من العسكريين الأمريكيين المتقاعدين قاموا بحملة لرفض تعيين هاسبل، لكن يبدو أن الكونجرس فى طريقه للموافقة على «هاسبل».
ربما لن تكون هناك حاجة لمعرفة كيف يخطط وزير الدفاع «جيمس ماتيس»، فتصريحاته سيئة السمعة، التى تجهر بسفك الدماء بمنتهى البساطة، كفيلة لتشهد على ما يدور فى رأسه من خطط مستقبلية..وفيما يلى نرصد تعليقاته الأكثر دموية فى تاريخ وزراء الدفاع الأمريكيين، حسبما نشرت أغلب الصحف الغربية:
«إنه أمر ممتع أن تطلق النار عليهم..حقًا فيه كثير من الصخب، إنه أمر لطيف إطلاق النار على بعض الأشخاص». كان هذا التصريح تعليقًا على ما حدث أثناء وجوده فى «أفغانستان»، وأكمل تصريحه قائلاً: «عندما تذهب لترى رجالاً يصفعون النساء، لأنهن لم يرتدين النقاب، فإنك تستمتع للغاية بقتلهم».
أما رسالته التى قدمها إلى القادة العراقيين فى أعقاب الغزو فكانت: «لقد جئت فى سلام، ولم أحضر سلاح المدفعية، لكننى أقول لكم: إذا كنتم تنوون العبث معي، فسأقتلكم جميعًا».
أما نصيحته لقواته الأمريكية فى العراق فجاء فيها: «كن مهذبًا، كن محترفًا، لكن أيضًا كن شخصًا لديه خطة لقتل كل من يقابله»!
وفى حديث مع نحو 200 ضابط من قوات البحرية الأمريكية، قال «ماتيس»: «المرة الأولى التى ستفجر فيها شخصًا ما ليست هينة، لكن صدقاً، هناك بعض الحمقى فى هذا العالم يحتاجون فقط إلى إطلاق النار عليهم»!
تولى «ماتيس» مناصب عسكرية عديدة، منها: رئاسة القيادة المركزية الأمريكية من 2010، وحتى 2013.. كما عمل قائدًا أعلى لحلف الناتو من 2007 وحتى 2009.
ويُعتبر وزير الدفاع الجديد أحد أشهر قادة حرب «العراق»، حيث قاد معركة مدينة «الفلوجة» عام 2004، كما شارك كذلك فى حرب «أفغانستان».
الرئيس الأمريكى اختاره فى ديسمبر 2016 لمنصب وزير الدفاع الأمريكى فى إدارته الجديدة، وتولى «ماتيس» مهام منصبه رسمياً فى يناير 2017، بعد إقرار مجلس الشيوخ الأمريكى باستثنائه من القانون الذى يشترط ممارسة أى رجل عسكرى الحياة المدنية لمدة سبع سنوات، قبل تمكنه من تولى منصب وزير الدفاع. وافق 78 عضوًا بمجلس الشيوخ على تعيين «ماتيس»، بينما اعترض 17 عضوًا فقط.
ترك «ماتيس» الخدمة العسكرية عام 2013، بعد تقارير عن خلافات حادة بينه وبين الرئيس الأمريكى السابق «باراك أوباما» حول طريقة التعامل مع الملف الإيراني، فهو يرفض التفاوض ويفضل شن ضربة عسكرية ضد طهران.
يذكر أن الاستثناء الذى حظى به «ماتيس «لم يمنحه الكونجرس قبل ذلك إلا للجنرال «جورج مارشال» وزير الدفاع الأمريكى خلال فترة الحرب العالمية الثانية.
وأخيرًا يبدو مما سبق، أن الرئيس الأمريكى حتى الآن قد رسم خطتة المستقبلية من خلال جمع قادة جددًا، وتقسيم مهامهم المتنوعة حسب القضايا التى تؤرقه، من الحروب السيبرانية التى تتعرض لها الولايات المتحدة من قبل روسيا والصين، وقضايا النووى الإيراني، والكوري، وعمليات تحريك الجماعات الجهادية فى العالم، وداخل الوطن العربى على وجه التحديد.