مجاهدات خلف خطوط العدو

ابتسام عبد الفتاح
نساء سيناء لم يتوقف دورهن فى الحفاظ على أرض «الفيروز»، على مدار التاريخ، بل كن مصدر خطر على العدو الصهيونى خلال حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر المجيدة، وقدمن نموذجًا للفداء والتضحية من أجل تحرير أرض الفيروز، ورفعة هذا البلد وتحقيق النصر.
«روز اليوسف» ترصد نماذج لبعض البطولات النسائية خلال حرب الاستنزاف وأكتوبر، فالنساء البدويات سطرن العديد من البطولات التى ستظل محفورة بأحرف من نور فى كتب التاريخ.
سالمة جرير.. مسئولة عن تأمين الفدائيين فى سيناء
فى بئر العبد هناك عشرات من قصص البطولة لنساء سيناء ومن بينهن، «سالمة جرير» التى تبلغ من العمر 100 عام، كانت زوجة أحد الفدائيين، ولديها 7 أبناء و 30 حفيدًا، وهى تعانى من فقدان ذاكرة، يقول أحد أقاربها: الحاجة سالمة من كبريات مجاهدات سيناء، كانت مسئولة عن تأمين دخول وجلوس الفدائيين فى سيناء، ففى حرب الاستنزاف جاء اللواء محمد اليمانى لسيناء بهدف تدريب الفدائيين البدو من الرجال والنساء، وعلمت إسرائيل بوجود ضابط مخابرات داخل بئر العبد، وقتها قامت الحاجة سالمة بإخفائه من الجيش الإسرائيلي، حيث تم نقل اللواء إلى إحدى عشش الفراخ المصنوعة من الخوص وكانت تجلس على فاتحة العشة حتى لا يعرف أحد مكانه، وظل مختبئًا لديها 15 يومًا، وخلال تلك الفترة كان يدرب الفدائيين ثم يعود إلى العشة مرة أخري، إلى أن نجح فى العودة إلى القاهرة مرة أخري.
«صابحة سليم».. فدائية على طريقة «ذات النطاقين»
أما صابحة سلامة سليم التى تبلغ من العمر 70 عامًا من قبيلة سليم، لديها من الأبناء 6 و 4 من الأحفاد، انتفضت فى نكسة 1967، مثل باقى المجاهدات وقررت تحويل المسار لتصبح المرأة البدوية المغلوبة على أمرها بقرار من التقاليد، لتشارك فى رد العدوان عن أرضها ووطنها.
تقول صابحة: الحياة فى سيناء بعد نكسة 67 كانت صعبة، فأهالى سيناء عانوا كثيرًا، حيث كانت سيناء صحراء ولا يوجد بها عمار، لا يوجد سوى النخل والدقيق وكنا عن طريق البحر نستبدل الدقيق ببعض الأطعمة الأخري، ونساء بسيناء كن يصنعن المفارش والبطاطين من الخيوط، وكانت البيوت تبنى من جريد النخل، وبعد العدوان تساوت المرأة مع الرجل الكل بدأ يقدم ما يستطيع للخلاص من ذلك، حيث كنت أقوم بمساعدة الفدائيين لتنفيذ العمليات ضد العدو، حيث كنت أسير بقطيع الغنم خلف الفدائيين لمحو آثار أقدامهم، وكذلك عن طريق استخدام سعف النخيل، حتى لا يستطيع العدو تتبع آثار الأقدام لمعرفة أماكن الفدائيين.
وتضيف: كان الفدائيون يعلموننا كيفية إطلاق النار، واستخدام الأسلحة المختلفة، وكيفية إشعال فتيل القنبلة، وزرع الألغام، كما كنت أضع الحطب بالطريق الذى تسير عليه دبابات العدو لمعرفة عدد الدبابات التى مرت، وأماكن الدبابات، ونقل المعلومات للفدائيين الذين يضعون الألغام بطريق تحرك دبابات العدو من بئر العبد إلى سلمان ؛ وبعد اكتشاف العدو الإسرائيلى ذلك تحولت المنطقة بدءًا من القنطرة وحتى بئر العبد لأماكن عسكرية ويتم إلقاء القبض على أى شخص مشتبه فيه، كما وضع العدو أسلاكًا شائكة بدءًا من القنطرة وحتى بئر العبد، إلا أن الفدائيين قطعوا الأسلاك ودفنوها بالأرض وحينما قامت إسرائيل بتتبع أثرهم وجدوا آثار الجمال فى شتى بقاع الأرض، وقتها أعلنت إسرائيل أنها لا تريد سوى استعادة الأسلاك الشائكة، وهددوا أهالى سيناء بقتل الجمال وحرقها.
وتتذكر صابحة أنه كان فى كل بيت بسيناء مكان للمجندين المصابين يتم علاجهم، حيث يستخرجون الرصاص من أجسادهم، وبعد شفائهم يتم مساعدتهم على العودة للقاهرة عن طريق بورسعيد، موضحة أن العدو كان يقتل الأغنام حتى لا يقدمها الأهالى طعامًا لجنود الجيش المصابين.
وأكدت أن العدو لم يستطع إدخال جواسيس بين أهالى سيناء، لأنهم جميعًا يد واحدة، كما سعى الاحتلال لمحاولة شق الصف بأن اجتمع بعدد من شيوخ القبائل بسيناء وطالبهم بتأسيس دولة مستقلة إلا أنهم رفضوا ذلك وقالوا إن رئيس مصر بما فيها سيناء هو الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، فحينما مات عبد الناصر خرج أهالى سيناء بالشوارع، وقتها أحس البعض أن الحرب انتهت مع إسرائيل بوفاته، حيث كان عبد الناصر وسيظل رمز الوطنية لكل سيناوي.
وأشارت صابحة إلى أن عدد المجاهدات بسيناء كبير، وحصل عدد قليل منهن على لقب المجاهدات بسيناء من الحكومة، موضحة أن أحد الفدائيين كان يسمى «هدهد» تم القبض عليه وكان معه ورقة بأسماء الفدائيين، وقتها قامت إسرائيل بالقبض على كل الأسماء المقيدة بالورقة، وكان من بين المقبوض عليهم فدائى وابنه الصغير، وحينما مات الرجل تم القبض على زوجته التى لم تخرج من المعتقل إلا بعد اتفاقية تبادل الأسرى بين مصر وإسرائيل بعد انتهاء الحرب.
«فتوح عيد».. همزة وصل بين الفدائيين وقيادة الجيش
أما فتوح عيد التى تبلغ من العمر 67 عامًا، فقد شاركت فى عمليات مع الفدائيين حيث كان عمرها 17 عامًا، وكانت قد تزوجت قبل النكسة بـ 4أشهر من الحاج«سالم شتيوي» أحد الفدائيين وهو الذى قطع إرسال اللاسلكى بين قيادة الجيش الإسرائيلى وجنود الاحتلال بالعريش، وقتها كان عمره 50 عامًا، وتم اعتقال زوجها بتهمة التجسس لحساب المخابرات المصرية وسجن فى غزة لمدة عامين، ثم تم القبض عليه مرة أخرى بطائرة والتحقيق معه لمدة شهر ثم خرج.
ووالدها كان ينقل الفدائيين على الجمال وتم القبض عليه وبتر قدمه نتيجة التعذيب داخل سجن غزة، بعد إلقاء المياه الباردة على قدمه وهو رجل مسن، وأثناء التحقيقات مع والدها كان ينكر مقابلته للفدائيين، ولكن العدو الإسرائيلى كانت لديه معلومات عن مقابلته لهم، ونتيجة ذلك كان يزداد التعذيب عليه.
تقول عن أوضاع أهالى بئر العبد بعد نكسة 67 : «هاجر كثيرون أثناء حرب الاستنزاف فلم يتبق سوى عشر بيوت بالعريش، ويطلق عليهم الصامدون لأنهم ظلوا بمنازلهم فى وقت الحرب»، مؤكدة أن مجاهدات سيناء كن من أهم وسائل الاتصال بين قيادات الجيش فى القاهرة والجنود المرابطين على خط المواجهة وذلك من خلال الصليب الأحمر، حيث استطعن نقل الرسائل والمعلومات السرية لجنود الجيش خلال فترة الاستنزاف، وكن يوزعن الخبز والدقيق على الجنود، ويراعين الجرحي.
وتضيف: أثناء سجن زوجى كنت أقوم بدوره فى مساعدة الفدائيين واستقبالهم فى منزلى وإخفائهم، كما كنت أنقل الرسائل من داخل العريش إلى القيادة المصرية عن طريق الفدائيين فى بورسعيد والإسماعيلية، ونقل المفرقعات والأسلحة فى ملابس من بورسعيد إلى العريش ودفن الأسلحة تحت النخل حتى يستطيع الفدائيون تنفيذ عملياتهم العسكرية، حيث كان يصعب عليهم التحرك بالأسلحة، حيث كان الفدائيون يأتون من بورسعيد سيرًا أو زحفًا وكنت أقوم بحمايتهم بإحاطتهم بالأغنام.
وتشير إلى أنها نقلت القنابل الخاصة بعملية تفجير قطار فى العريش للفدائيين الذين قاموا بزرع قنبلة قبل لحظات من قدوم القطار الذى كان محملًا ببضائع وأسلحة لخدمة جيش الاحتلال، وتوالت العمليات بعد ذلك، وتقول: « بعد أن تعلمت كيفية التعامل مع القنابل وزرع الألغام، كنت أترقب سيارات الجنود الإسرائيليين، وأقوم بزرع الألغام وأتركها بسرعة أمام السيارة التى تتحول فى لحظات إلى قطع متناثرة.
وأكدت أن نصر أكتوبر جعلنا ننسى كل ما مر بنا بفترة الحرب، وبنكسة 67، وكل الاعتداءات التى فعلتها إسرائيل، فالعدوان الإسرائيلى كان يعذب أهالى سيناء لإرشادهم عن أماكن الفدائيين، إلا أن أهالى سيناء ظلوا صامدين، منتقدة جمعية مجاهدى سيناء لإدراجها أسماء غير الفدائيين.
«هند مسعود».. مستشفى ميدانى لإسعاف الجنود
أما هند مسعود فقد لعبت دورًا كبيرًا فى إيواء الجنود الجرحي، فأثناء حرب 67 لم تكن قد بلغت العشرين من عمرها، حيث يقول عنها أهالى بئر العبد إنها استطاعت أن تجوب الصحراء بعد حرب 67 وحتى انتصارات أكتوبر 1973 بحثًا عن الجنود المصريين المصابين والجرحي، كانت تأخذهم إلى خيمتها لتداوى جراحهم، وكانت تستغل أغنامها للتجول فى الصحراء لتضليل قوات الاحتلال الإسرائيلي.
وذات يوم وجدت النقيب جميل وهبة مصابًا فى الصحراء ودمه ينزف، وكاد يفقد حياته من شدة الحرارة وخطورة جرحه فحملته وذهبت به إلى خيمتها، وقامت مع أفراد قبيلتها بمعالجته حتى استعاد صحته وعافيته، فطلب منهم أن يستمر فى الإقامة معهم حتى يقوم بدوره فى مقاومة جنود الاحتلال، فساعدته هند وكانت تصطحبه وهو متنكر فى الزى البدوى من سيناء إلى الإسماعيلية، وكان يرجع محملًا بالمعلومات لمرافقيه لتنفيذ عملياتهم العسكرية ضد قوات الاحتلال، وظل جميل وهبة يعيش مع أسرة هند السيناوية شهورًا طويلة، وهو يؤدى مهمته المكلف بها.
وفى الوقت الذى كانت فيه قوات الاحتلال الإسرائيلى تجوب الصحراء للبحث عن جميل وهبة وباقى الجنود المصريين كان معظم هؤلاء يعيشون وسط قبائل البدو فى بيوتهم وخيامهم البسيطة كأنهم أفراد من أسرهم، وكان البدو يساندونهم فى الوصول إلى قادتهم والرجوع مرة أخرى لسيناء لتنفيذ مهامهم ضد العدو الإسرائيلي.