أحزاب لاتشتغل ولاتساعد على الاشتغال!
ابتسام عبد الفتاح
هل تعلم كم حزبًا فى مصر الآن؟.. هل يمكنك أن تحصى أسماء عشرة أحزاب قائمة على الأقل؟.. على قدر بساطة الأسئلة فإن الإجابة عنها ليست سهلة بالنسبة لكثير من المصريين الذين يفترض فيهم أن يكونوا هياكل هذه الأحزاب ومؤسساتها.
منذ تعديل قانون الأحزاب فى أعقاب 25 يناير 2011 أصبح فى مصر 106 أحزاب مسجلة لدى الدولة، لكن أغلبها بلا أى رصيد شعبى حقيقى فى الشارع، فبعضها نشأ لأغراض شخصية لدى المؤسسين أو نتيجة لخلافات داخل أحزاب كانت قائمة بالفعل.
«الأحزاب كثيرة ويجب أن تدعوهم للدمج من أجل زيادة قدراتهم».. هكذا دعا الرئيس عبدالفتاح السيسى الأحزاب السياسية للدمج خلال لقائه مع مُمثلى عدد من وسائل الإعلام الأجنبية والمصرية.
هذه الدعوة تلقفها أكثر من طرف فى الساحة السياسية وأعادوا طرحها والمناداة بها خاصة بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة التى كشفت عدم قدرة الأحزاب القائمة على تقديم مرشح للرئاسة ينافس الرئيس عبدالفتاح السيسى، وتكتسب هذه الدعوة أهمية إضافية بالنظر إلى الانتخابات الرئاسية المقبلة.
أعاد المهندس موسى مصطفى موسى، رئيس حزب الغد، المرشح السابق لانتخابات الرئاسة الحديث مجددا عن فكرة دمج الأحزاب عقب هزيمته فى الانتخابات، ولم تكن تلك هى المرة الأولى التى تطرح فيها الفكرة، لكن كل مرة جرت فيها محاولات للدمج باءت بالفشل، وكانت التجربة الأبرز فى محاولة عقد تحالف بين الوفد المصرى والتيار الديمقراطى فى عام 2014، استعدادا للانتخابات البرلمانية 2015، وكان لحزبى «المصريين الأحرار» و«الجبهة الديمقراطية» محاولة أخرى للاندماج، على أساس تشكيل نواة لتيار ليبرالى فى مصر، لكنها انتهت هى الأخرى بالفشل.
المستشار بهاء أبو شقة رئيس حزب الوفد رأى أن الحل يكمن فى تعديل قانون الأحزاب واقترح بصفته عضوا فى مجلس النواب أن يتم تقديم مشروع لتعديل قانون الأحزاب يقضى بحل الأحزاب الضعيفة والتى لا تملك تمثيلًا برلمانيًا.
وقال أبو شقة: بدأنا مبادرة حزبية قبل الانتخابات الرئاسية، وكان لها شقان الأول هو حث الناس على النزول للإدلاء بأصواتهم والثانى يشتمل على وضع آلية لعمل الأحزاب بعد انتخاب الرئيس، وفى الأربع سنوات القادمة أقترح كرئيس لحزب الوفد تقليل عدد الأحزاب من 106 إلى 5 أحزاب فقط، على أن تجمع خريطة الأحزاب، بين أصحاب الأيديولوجية المشتركة «اليمين، يمين الوسط، الوسط، ويسار الوسط، واليسار».
تابع أبو شقة يتم ذلك من خلال تعديل قانون الأحزاب، فالدستور نص على حق تأسيس الأحزاب لكنه لم يضع شروطًا لاستمرارية الحزب، ولدينا الآن فوضى فى تأسيس الأحزاب، ولذلك يجب وضع ضوابط لتأسيس الأحزاب، بما لا يخل بنص الدستور الذى يعطى حرية تأسيس الأحزاب.
يرى رئيس حزب الوفد أن يتم وضع شرط لبقاء الحزب قائمًا وهو أن يصل لعدد معين من عضوية البرلمان والمحليات، فإن لم يصل الحزب للبرلمان خلال دورتين متتاليتين يتم حله أو اندماجه مع حزب آخر.
وأكد أبو شقة أن تقليل عدد الأحزاب لن يؤثر على الحياة السياسية، وأن الهدف هو خلق أحزاب قوية ومؤثرة، حتى لو كانت أربعة أحزاب فقط، وتابع: لو نجحنا فى ذلك ستكون الأحزاب المتواجدة متفاعلة مع المشكلات المتواجدة بالمجتمع وسيزيد عدد أعضاء كل حزب، وينعكس ذلك باعتراف الدولة بهذه الأحزاب وتتعامل معها.
وأعلن أبو شقة أن حزب الوفد سيقدم مشروع القانون المقترح عقب الانتهاء من الحوار بشأنه مع الأحزاب السياسية، وأضاف: بالفعل بدأنا فى اجتماعات مع عدد من الشخصيات الحزبية لتبادل وجهات النظر وقريبًا سنوجه دعوة لجميع الأحزاب لمناقشة التعديلات حتى نتفق على صياغة واحدة.
أحمد سامر، أمين عام حزب المصريين الأحرار قال إن اندماج الأحزاب يجب أن يتم بناء على تقارب فى وجهات النظر، وللأسف أغلب الأحزاب الحالية لا تتبنى خطًا سياسيا واضحًا، فيصعب تحديد أن الحزب يعتنق الفكر الليبرالى اليمينى أو الاشتراكى، ومما لا شك فيه أن الأحزاب غير الفعالة سوف تتلاشى وتختفى من الحياة السياسية.
ويلقى سامر باللائمة فى ضعف الأحزاب على الحكومة قائلًا إن الحياة الحزبية الفعالة تحتاج فتح المسارات أمام العمل الحزبى مطالبًا بإلغاء حظر العمل السياسى بالجامعات، مراكز الشباب، وأضاف: نحن لا نطالب برفع شعارات سياسية بالجامعة، ولكن على الأقل يجب أن يكون بالجامعات تدريب على أسس الاختلاف السياسى، كما يطالب بإلغاء الانتخاب وفق نظام القائمة المطلقة معتبرًا أنه يغلق فرص العمل السياسى أمام الأحزاب ويقتل التنافسية ويرى أن نظام القوائم النسبية هو الأفضل.
ويعتبر أمين عام «المصريين الأحرار» أن حزبه لا يصلح للاندماج مع أى حزب آخر، قائلًا: نحن لا نملك أى مساحة للتنازل أو التفاوض عن القيم الأساسية القائم عليها الحزب كعلمانية الدولة والتوجه الليبرالى واقتصاد السوق الحر وتقليص الهيكل الإدارى للدولة، وكل تلك الأمور يصعب أن يقتنع بها أى حزب بالكامل، ونحن لم نرض إلا بها كاملة.
يرفض حزب التجمع دعوة اندماج الأحزاب السياسية كونها وفق ما يؤكد سيد عبدالعال رئيس الحزب تأتى كمردود لهجوم إعلامى غير مبنى على حقائق أو معلومات ولا نرى أن فكرة تقويم أداء الحزب وتصحيح مسار السياسة فى مصر يمكن أن يأتى بالإجبار على الانطواء والانكماش فى نطاق محدود، فالتجارب الدولية تؤكد أن هناك بلدانًا كثيرة تشتمل على عدد هائل من الأحزاب تجاوز 800 حزب فى بعض الدول، ولا تعانى من أى أزمات سياسية.
ويضيف عبدالعال: اليسار هو التيار الوحيد بمصر الذى لديه عباءة للعمل المشترك، ففي أحزاب التجمع والناصرى والاشتراكى والشيوعى المصرى، لدينا آلية للتنسيق فيما بيننا، ولكن رؤيتنا لاندماج الأحزاب تقوم على أنها يجب أن تأتى طوعًا وليس جبرًا، مشيرًا لضرورة إنشاء الهيئة الوطنية لشئون الأحزاب، لمراجعة الأوضاع الخاصة للقوى السياسية، لرؤية مدى اتفاقها مع القانون، والحزب الذى لا يمتلك قواعد حقيقية على الأرض يجب أن يذهب لهذه الهيئة لتنظر فى استمراره أو إلغاء التصريح الممنوح له.
ويضيف عبدالعال: نرى أن ربط استمرار الحزب بالتمثيل البرلمانى نوع من المراهقة السياسية، فهناك أسر تتوارث المقعد البرلمانى منذ عهد الملك وحتى الآن، وتابع: لو طبقنا قانون الأحزاب بعد تعديله عام 2011 سوف نجد أن مصر، ليس بها سوى ثلاثين حزبًا، ولو غيرنا النظام الانتخابى سوف يصل سبعة أحزاب الذى له قاعدة شعبية، وبالتالى فلدينا العديد من الإجراءات ستؤدى لتقوية الحياة السياسية والحزبية بدون إجبار أى حزب على الاندماج رغمًا عن إرادته، وعلينا إلغاء الأحزاب الدينية لأنها قنبلة موقوتة.
ويتفق عبدالعال مع حزب المصريين الأحرار فى أنه لكى تصبح الحياة السياسية بمصر سليمة يجب أن تعود السياسة للجامعات المصرية ومراكز الشباب، مشددًا على أن حزب التجمع يتحدث دائمًا عن ضرورة تغيير شكل النظام الانتخابى البرلمانى، ويتساءل كيف يشكل المستقلون غالبية البرلمان؟ مستدركًا: كان يجب السماح بتكوين ائتلافات حزبية بالانتخابات البرلمانية.
الدكتور نور ندا، أمين عام الحزب العربى الناصرى قال إن قانون الأحزاب الحالى معيب لأنه لا يسمح للأحزاب أن تلعب دورها سواء بالمشاركة السياسية أو صناعة السياسات أو اتخاذ القرار، وبالتالى الأحزاب فى إطار هذا القانون غير قادرة على أن تكون شريكًا حقيقيًا فى الحياة السياسية أو أن تولد كوادر أو قيادات نافعة، وتابع: نحن نؤيد دعوة المستشار بهاء أبو شقة حيث إن وجود 106 أحزاب يعيق عملية تداول السلطة والممارسة السياسية الرشيدة.
وأضاف ندا: للأسف أصبح تمويل أنشطة الأحزاب يمثل عبئًا عليها فوقع جزء منها فريسة لرجال الأعمال، يتم توظيفه لتحقيق مصالح خاصة، والجزء الآخر ممول من الخارج، والدولة يجب أن تكون حريصة على إدارة هذا الملف بما يخدم المصلحة العامة، موضحًا أن منظمات المجتمع المدني بدأت تشكل أحزابًا وتفسد الحياة السياسية بمصر، ولابد من إعادة صياغة تشكيل الأحزاب طبقًا لمخرجات حوار مجتمعى شامل.
وأكد ندا أن الحزب الناصرى لا يمانع فى الدخول لتكتل حزبي واحد يمثل الفكر الناصرى، فالأحزاب الناصرية بمصر عددها خمسة أحزاب، ولو أصبحت حزبًا واحدًا ستكون أقوى، وأيضًا الأحزاب اليسارية عددها خمسة عشر حزبًا، فما المانع أن تجتمع لتكوين تكتل حزبى واحد؟ على أن يكون تمويل الأحزاب من الدولة، كما يحدث بكل دول العالم، فليس معنى ذلك أن الأحزاب تصبح تابعة للنظام السياسى، علينا أن نفرق بين الدولة، والنظام السياسى.
من جانبه قال سيد خليفة، نائب رئيس حزب النور: لسنا بحاجة لحل أو دمج الأحزاب، فالانتخابات البرلمانية حددت ستة عشر حزبًا فقط لها تمثيل فى البرلمان، وبالتالى علينا أن نترك للمواطن الحق فى اختيار من يمثله فى إطار من احترام القانون.
وأضاف أن حزب النور لا يرحب بفكرة تعديل قانون الأحزاب، وعندما سألنا هل هذا تخوف من مطالب البعض بحل الأحزاب الدينية أجاب: لا توجد أحزاب دينية بمصر، وليس معنى أن أعضاء حزب النور رجال متدينون أن يكون الحزب دينيًا.. نحن حزب يمارس عملًا سياسيًا ولسنا أئمة مساجد.
بينما قال محمد سامى، القيادى بحزب تيار الكرامة، إن الدستور المصرى، لا يفرض على الأحزاب التمثيل بالبرلمان، فكيف لرجل قانون كالمستشار بهاء أبو شقة أن يطالب بتعديل قانونى يفرض دمج أو استمرار الحزب مقابل التمثيل البرلماني؟!، مؤكدًا على أن الدمج يجب أن يكون اختياريًا كما حدث بين حزبى الكرامة والتيار الشعبى.
المستشارة تهانى الجبالى نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا سابقا كانت قد طالبت بتعديل قانون الأحزاب منذ سنتين، وقالت لروزاليوسف: تقدمت برؤية كاملة لتطوير الحالة الحزبية وتعديل قانون الأحزاب، ومنح مرحلة انتقالية للأحزاب لتحقيق نسبة معينة لا تقل عن نصف مليون عضوية للحزب من خلال عشر محافظات، ومن لم يحقق هذه النسبة عليه أن يندمج بحزب آخر أو يتم حله بقوة القانون.
وأوضحت الجبالى، أن التمثيل فى مجلس النواب لا يعبر فى كل الأحوال عن قوة الحزب، بالتالى دعوة رئيس حزب الوفد لحل أو دمج الحزب فى حالة عدم وجود تمثيل له بالبرلمان غير منطقية خاصة أننا ما زلنا فى مرحلة انتقالية تأسيسية عقب ثورتين.