الجمعة 17 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

بهاؤنا.. وبهاء الصحافة

بهاؤنا.. وبهاء الصحافة
بهاؤنا.. وبهاء الصحافة


فى «مدينة الموهبة» (روزاليوسف) يتوقف التاريخ مليًّا؛ ليخط عبارات النور والحرية.. ما السر؟!.. لا أحد يدري.. لا أحد يدرى [على وجه التحديد] ما هى طبيعة «جينات» هذا المكان الصحفية.
كانت «مدينة الموهبة» – ولا تزال – هى صانعة النجوم [بامتياز].. تستقطبهم صغارًا، وتدفع بهم إلى «شارع الصحافة» كبارًا.. فداخل «مدينة الموهبة» (روزاليوسف)؛ تعلّم الكاتب الكبير «محمد حسنين هيكل» فن صناعة الحروف.. ومن «مدينة الموهبة» ذاتها، انتقل؛ ليعيد إحياء مدرسة «الأهرام» الصحفية.. مرورًا بمؤسسة «أخبار اليوم».
وداخل «مدينة الموهبة» أيضًا، تعلّم صاحب مدرسة «أخبار اليوم» (مصطفى أمين)، كيف يتتبع الأخبار من مصادرها، قبل أن يواصل مسيرته داخل شارع الصحافة.. خرج «مصطفى أمين» من «روز»؛ لينضم إلى المجلة التى أسسها نجم روزاليوسف أيضًا (محمد التابعي).. كانت المجلة الجديدة، هى «آخر ساعة».. ومن رحم تجربة «التابعى»، و«أمين»، تأسست دار «أخبار اليوم».. كانت التجربة– فى حد ذاتها– نوعًا من أنواع «التمرد الإيجابى».. لتنتقل - بعد ذلك -  جينات «روزاليوسف» نفسها إلى [أجيال متعاقبة] من أبناء شارع الصحافة.. إذ تكررت التجربة مع «جلال الدين الحمامصى».
خرج، كذلك، «إحسان عبدالقدوس» من «روزاليوسف»؛ ليقود مؤسسة «أخبار اليوم» لنحو 8 سنوات (رئيسًا للتحرير، ثم رئيسًا للتحرير والإدارة).. وذلك قبل أن ينتقل لقيادة «الأهرام» بالعام 1975م.. ثم ترك «إحسان» موقعه فى «الأهرام» لأديب آخر تفجرت موهبته على صفحات «روزاليوسف»، هو «يوسف السباعى».. كما تزينت صفحات «الأهرام» نفسها برسومات «صلاح جاهين» (ذلك الشاب الذى أغدقت «روزاليوسف» على موهبته من جيناتها حدَّ التشبع).
كان هذا غيضًا من فيض «بهاء روزاليوسف».. ويبقى فى القلب من هذا البهاء «أحمد بهاء الدين» نفسه، الذى تحل اليوم (11 فبراير) ذكرى ميلاده الـ91.
■ ■ ■
كان بهاء (ابن روزاليوسف البار) فارسًا حقيقيًا من فرسان الصحافة.. كان ضميرها الحى، وقلمها النابض.. بدأ بهاء حياته فى الكتابة داخل مجلة «فصول» مع محمد زكى عبدالقادر، وكان لا يزال صغيرًا.. إلا أنّ ميلاده الحقيقى كان على صفحات «روز».
تحتفظ ذاكرة «أبناء روز» بكل تفاصيل الميلاد.. تتوارثه أجيالٌ عن أجيالٍ داخل المؤسسة.. جواب صغير يُسلم لأحد عمال المؤسسة.. يذهب الجواب لإحسان عبدالقدوس.. يتعجب من دقة كاتب المقال.. يُقرر أن ينشره من دون أن يعرف كاتبه!
تتوالى الجوابات، بعد ذلك.. وتُنشر المقالات المرفقة بها، من دون سابق معرفة بالكاتب!..  تُقرر «إدارة التحرير» إلقاء القبض على هذا الكاتب فى أقرب فرصة.. يُوصى إحسان «عُمال المؤسسة» بالقبض على صاحب الجوابات فور رؤيته.. يمتثل عمال المجلة للأمر!.. يجد الشاب (العشريني) نفسه داخل المكان بشكل مباغت!.. وفجأة.. يُصبح «أحمد بهاء الدين» أحد أبناء روزاليوسف المرموقين.
تحتفظ ذاكرة «صاحبة الجلالة» لبهاء– أيضًا - بكونه أصغر رئيس تحرير فى تاريخ الصحافة.. إذ كان عمره 29 عامًا فقط، عندما أسس داخل دار «روزاليوسف» مجلة «صباح الخير»، وتولى رئاسة تحريرها.. مجلة شابة (للعقول المتحررة). وتنجح المجلة بشكل منقطع النظير.. تُحدث دويًّا هائلاً فى الصحافة المصرية.. يكبر الحُلم.. ويكبر «بهاء» بوصفه واحدًا من أكثر الكُتاب عشقًا للقلم.. وأكثرهم عمقًا، وتأثيرًا.
■ ■ ■
خرج بهاء من «روز»؛ ليتولى رئاسة تحرير جريدة «أخبار اليوم».. ويستمر فى قيادتها لنحو 7 سنوات.. ومن الأخبار إلى مؤسسة دار الهلال (رئيسًا لمجلس الإدارة ورئيسًا لتحرير مجلة المصور) لنحو 7 سنوات أخرى!.. يقول «بهاء» عن نفسه: «إنّ حياتى فى المهنة مُقسمة إلى سبعات»!
وينتقل من «دار الهلال» إلى مؤسسة الأهرام، كرئيسٍ لتحرير الجريدة الأولى فى مصر.. قبل أن يُسافر إلى «دولة الكويت» لرئاسة تحرير «مجلة العربى» الشهرية.
.. يقول «محمد حسنين هيكل»: كان أحمد بهاء الدين – فى المرحلة الثانية من حياة مجلة العربى – ممثلاً عظيمًا لمرحلة ما بعد التأسيس.. وهى أشبه ما تكون بمرحلة «السكن فى البيت» بعد إنشائه، بمعنى: أنّ «السكن» يجعل الحياة فى البيت حركة سهلة، ويجعل إحساس الألفة ساريًا فيه حميمًا دافئًا، ويجعل صوت الحوار مسموعًا فى أرجائه، صريحًا.
والحقيقة.. كان «بهاء» فى جميع تجاربه الصحفية، قادرًا على أن يمنح الحياة للمكان الذى يتولى إدارته..  وأن يقرأ «المستقبل السياسى» للأحداث، كأنه ينظر من شرفة منزله.. وأن يضع أمام الأجيال التالية جملة من المقالات التى لا تموت.. وعالمًا من الحرية يتمرد على السكوت.

روزاليوسف