الخميس 9 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

دور أجهزة الاستخبارات العالمية فى الأزمة الإيرانية

دور أجهزة الاستخبارات العالمية فى الأزمة الإيرانية
دور أجهزة الاستخبارات العالمية فى الأزمة الإيرانية


 تقارير عديدة تتحدث عن الاحتجاجات الإيرانية وأسبابها وتداعياتها وهل ستكتمل لتصبح ثورة على نظام الملالى أم ستفشل وتصبح فى النهاية مجرد احتجاجات لإجبار النظام الإيرانى على تنفيذ بعض المطالب، ووسط هذا وذلك يطرح دائما السؤال ما هو دور أجهزة الاستخبارات فى كل ما يحدث فى الشارع الإيرانى؟

الولايات المتحدة وأجهزة الاستخبارات التابعة لها لا تتوقف عن التدخل فى شئون الدول سواء لخدمة مصالحها أو لضرب مصالح أعدائها، وهو ما أثبتته وثائق عديدة منها ما تم تسريبه ومنها ما تم الإفراج عنه بشكل قانونى، وهى التى سبق لها أن تدخلت بالتعاون مع الاستخبارات البريطانية فى الدفع بانقلاب ضد رئيس الوزراء الإيرانى الأسبق «محمد مصدق».
المتابع للتصريحات التى تصدر عن قيادات أجهزة الاستخبارات فى عدد من الدول وفى مقدمتها الولايات المتحدة وإسرائيل، سيدرك الدور الذى تحاول أن تلعبه هذه الأجهزة فى محاولة الإطاحة بالنظام الإيرانى من خلال لعبة التظاهرات التى أتقنتها السى آى إيه خلال السنوات الأخيرة.
ففى شهر اكتوبر الماضى، كشف رئيس جهاز «الموساد» الإسرائيلى «يوسى كوهين» أن «إيران» فى أول قائمة أهداف عمليات «الموساد» مشيرًا إلى أن «إسرائيل لديها عيون وآذان» فى طهران، وأنه سعيد لرؤية ثورة اجتماعية فى إيران.
تصريحات رئيس الموساد، ليست الدليل الوحيد على تدخل إسرائيل بالتعاون مع أجهزة الاستخبارات الغربية فى دولة إيران، فالكل اتفق على سبب رئيسى غير واقعى لقيام ثورة فى إيران مفاده أن المواطن الإيرانى يبكى من الوضع الاقتصادى، وأن الرئيس الإيرانى لم ينجح فى تحسين حالة الاقتصاد والمجتمع، وأن الأزمة الاقتصاية التى تمر بها إيران أدت إلى شعور الشعب بالحنق ومن ثم الخروج فى تظاهرات احتجاجية ضد حكم الملالى.
 حلفاء طهران
أجهزة ومحللو الاستخبارات الغربية تناسو عن عمد عدم خروج الشعب الإيرانى فى تظاهرات عام 2012 وحتى عام 2015 عندما كانت الأزمة الاقتصادية طاحنة وفى أوجها بعد فرض عقوبات اقتصادية على إيران بسبب برنامجها النووى، فالاقتصاد الإيرانى تحسن كثيرًا ودخل مرحلة مختلفة على مدى العامين الماضيين، وحتى الأزمات التى لاتزال قائمة مثل البطالة فالسبب وراءها العقوبات الأمريكية، التى أدت لتقليص حجم الصادرات الإيرانية بينما كانت الحرب الأمريكية على «الريال» العملة الإيرانية سببًا فى زيادة حجم التضخم فى البلاد.
 رغم الحصار الاقتصادى الأمريكى، استطاعت إيران أن تنعش اقتصادها من خلال إنشاء علاقات جديدة وعقد صفقات اقتصادية مع عدد من الدول، وبلغ حجم استثمارات الصين فى إيران نحو 25 مليار دولار، وتشمل الاستثمارات الصينية عدة مجالات، منها شبكات الطرق والسكك الحديدية للمستشفيات.
أما روسيا فوقعت مع طهرن اتفاق تفاهم لدعم مشروع إقامة أنبوب غاز جديد بطول 1200 كيلو متر يصل بين إيران والهند من خلال شركة جازبروم الروسية وشركات من إيران والهند وباكستان، كما تعمل روسيا على ربط نظامها البنكى مع طهران مما يعنى تحرر إيران من سيطرة البنوك الدولية.
وتشارك قطر مع إيران باستثمارات ضخمة فى أكبر حقل للغاز الطبيعى بالعالم، ومن المقرر أن تنضم إيران إلى كل من الاتحاد الاقتصادى الأوروآسيوى (EAE ) وإلى منظمة شانجهاى للتعاون وهى منظمة سياسية واقتصادية وأمنية للدول الأوروآسيوية.
 اللعبة القذرة
إيران فى اتفاقياتها الاقتصادية مع عدد من الدول وفى مقدمتها الصين وروسيا، تحاول التصدى للعبة الاستخبارات العالمية بتأجيج أوضاعها الداخلية، فبريطانيا  أنشأت مجموعة استخبارات بحوث التهديد المشترك (JTRIG)، وهى إحدى وحدات وكالة الاستخبارات البريطانية، متهمة بالتخطيط لما يحدث داخل إيران، وتتركز مهمتها فى إنشاء حسابات وهمية على مواقع التواصل الاجتماعى من أجل استخدام «الحيل القذرة» لضرب أعداء الدولة البريطانية من خلال «تشويه السمعة».
وأكد الباحث الأمنى البريطانى من أصل عراقى «مصطفى البسام»، العضو السابق فى مجموعة «لولزسيك هاكتيفيست» LulzSec Hacktivist ، أن وحدة (JTRIG) لوثت أيديها، وقامت بأعمال قذرة فى التلاعب الاجتماعى، مثل: «لولزسيك هاكتيفيست» والذى كانت لها شهرة واسعة فى عالم القرصنة، وكانت مسئولة عن هجمات مختلفة بارزة حول العالم.
واكتشف بسام أن وكالة الاستخبارات البريطانية فى «لندن» استفادت من تقصير خدمة «الموارد العالمية لتحديد المواقع» لكشف هوية نشطاء مجهولى الهوية، وتمكن بسام من اكتشاف شبكة كبيرة من حسابات «تويتر»، والمواقع الوهمية على شبكة الإنترنت، أنشأتها «وكالة الاستخبارات البريطانية».
وأكد الباحث البارز والناشط السياسى مصطفى البسام خلال المؤتمر السنوى لـ«هيئة اتصالات الفوضى» Chaos Commu nication Congress   أن تلك الحسابات والمواقع الشبكية تزعمت ظهور نشطاء خلال الربيع العربى 2011، والثورة الإيرانية عام 2009.  مشيرًا إلى تنفيذ وحدة (JTRIG ) لعمليات التلاعب الاجتماعى بشأن الاحتجاجات فى دولتى «سوريا، والبحرين».
ووفقًا لوثيقة وكالة الاستخبارات البريطانية، بعنوان «دعم العلوم السلوكية لتأثيرات» (JTRIG) على عمليات الإنترنت البشرية، والتى حصل عليها «البسام»، شملت التقنيات التى تستخدمها الوحدة، تحميل مقاطع فيديو على موقع «يوتيوب» تحتوى على رسائل مقنعة؛ إنشاء أسماء مستعارة على الإنترنت وعلى موقعى «فيس بوك، وتويتر» وبعض المدونات من أجل إجراء (الاستخبارات البشرية)، تشجيع النقاش حول قضايا محددة؛ إضافة إلى إرسال رسائل البريد الإلكترونى تحكى الواقع بشكل ساخر لإثارة الرأى العام، فضلاً عن توفير الموارد (فيديو، وصور) على الإنترنت.
إيران والاستخبارات البريطانية
وأوضحت الوثيقة الاستخباراتية السرية أن أهداف العمليات تشمل جميع مناطق العالم، وأنه من بين أهداف الوحدة التجسسية التابعة للوكالة فى إيران، تشويه سمعة القيادة الإيرانية، وبرنامجها النووى، إضافة لتأخير الوصول للمواد المستخدمة فى البرنامج النووى عبر الإنترنت، وإجراء الرقابة، والرقابة المضادة على الإنترنت.
تدعى الوكالة الاستخباراتية أنها تساعد الشعب الإيرانى على تجنب الرقابة الحكومية على الإنترنت، وبالتالى استطاعت ضرب عصفورين بحجر واحد، عن طريق استضافة اتصالات عبر مواقع الإنترنت لجمع المعلومات الاستخباراتية، ومراقبة الإيرانيين الذين نقروا على الوصلات المختصرة التى أرسلتها الوكالة بحجة المساعدة.
 كيف تتلاعب الاستخبارات بالأنظمة
وتستخدم أجهزة الاستخبارات فى العام عددا من الأساليب إذا ما رغبت فى التخلص من حكومة أو حاكم أو تغيير وضع استراتيجى فى منطقة ما بما يخدم مصالحها ودون الدخول فى حرب، ففى سوريا ومع بداية الاحتجاجات عام 2011 فى مدينة درعا، أطلق المتظاهرون المسلحون المدعومون من «الولايات المتحدة» النار على الشرطة السورية، مؤججين الصراع وردت الشرطة ليموت مدنيون ويتأجج الصراع أكثر وأكثر ليستمر حتى اليوم.
 الأمر نفسه تم استخدامه لإشعال الأوضاع فى كييف أواخر عام 2013، أوائل 2014 عندما بدأت احتجاجات عنيفة فى العاصمة الأوكرانية «كييف» وحدثت مواجهات أسفرت عن مقتل وجرح المئات من المدنيين والشرطة، وإطلاق النار عليهم بأسلحة آلية من قاعة «فيلهارمونيك» فى «كييف»، ورأى الشهود حينها أن المسلحين كانوا يحملون حقائب من الطراز العسكرى، التى تستخدم بنادق القناصة، والبنادق الهجومية، وهو ما تم الكشف عنه فى سوريا فيما بعد من تواطؤ أجهزة الاستخبارات الأمريكية وعلى رأسها وكالة الاستخبارات المركزية لدعم عناصر داعش والقاعدة وغيرهما من الجماعات المسلحة.
أما بالنسبة لوضع «إيران»، فيبدو أن أجهزة الاستخبارات استدعت نموذج فنزويلا، عندما دعمت وكالة الاستخبارات المركزية أعمال العنف بالشوارع فى «فنزويلا»، وهو ما أدى إلى قتل العشرات، وجرح المئات، وشملت التكتيكات حينها إطلاق نار، وقنابل على جانب الطريق، وإشعال الحرق العمد، وغيرها من أعمال التخريب ضد مرافق الدولة، وحواجز حرق القمامة، ومنع تحركات الطرق، وتدمير مستودع تخزين المواد الغذائية، وبعدها هوجمت وزارة الداخلية والمحكمة العليا.
منذ فترة مبكرة أثناء ولاية رئيس فنزويلا السابق «هوجو تشافيز»، سعت واشنطن لتغيير النظام، والآن تسعى إدارة «ترامب» للإطاحة بالرئيس «نيكولا مادورو»، مما يشير لحدوث محاولة جديدة لثورة أخرى هذا العام.
وزير الأمن القومى الأعلى فى إيران «على شمخانى»، أكد أن «حربا بالوكالة» تشن ضد الجمهورية الإسلامية فى الشوارع، وعبر وسائل الإعلام الاجتماعية، متهمًا واشنطن، وبريطانيا بذلك، وهو ما أكدته تصريحات الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب»، ورئيس الحكومة الإسرائيلى «نتنياهو» بتأييدهما للمتظاهرين.
 وثيقة الانقلاب الإيرانى
ما أشبه اليوم بالبارحة، وهو ملخص الوثيقة التى أفرجت عنها وكالة الاستخبارات الأمريكية (CIA) عام 2013، والتى كشفت عن دور أجهزة الاستخبارات فى الانقلاب الذى وقع  عام 1953 ضد رئيس الوزراء الإيرانى المنتخب وقتها محمد مصدق.
الوثيقة  تؤكد أن الانقلاب العسكرى الذى أطاح بمصدق وحكومته وقع بتوجيه من الوكالة الأمريكية فى إطار ما أسمته «السياسات الخارجية الأمريكية». مشيرة إلى أنها قامت بالتنسيق مع الإدارة الأمريكية وبالتعاون مع الاستخبارات البريطانية (MI6)،  وأطلقت الاستخبارات الأمريكية على العملية اسم «TPAJAX»، أطلقت الاستخبارات البريطانية عليها اسم «أوبيريشن بووت».
كانت بريطانيا وبالأخص وزير خارجيتها آنذاك سير «انتونى ايدن» يرون فى مصدق تهديدًا خطيرًا لمصالح لندن الاستراتيجية والاقتصادية خصوصًا بعد أن قام الزعيم الإيرانى بتأميم شركة النفط البريطانية الأنجلو -إيرانية بقرار من مجلس النواب عام 1951، حيث سعت بريطانيا بعد القرار للتضييق على طهران اقتصادياً واتفقت مع دول الغرب على عدم شراء النفط الإيرانى بينما رفعت الشركة من إنتاج النفط فى الشرق الأوسط لتعويض حاجتها للنفط الإيرانى.
وفى الوقت نفسه، شعرت الولايات المتحدة بالخطر نفسه وبدأت التفكير فى ضرورة التخلص من محمد مصدق الذى كانت سياساته تقف ضد الرأسمالية وتسعى لاستقلال إيران سياسيّاً واقتصاديّاً، ووقتها التقت مصالح بريطانيا والولايات المتحدة وأهدافهما، وقامت الولايات المتحدة بإحداث موجة من الدعاية السلبية لنظام مصدق ومولت الاحتجاجات التى سرعان ما أنجحت الانقلاب الذى دعا له الجنرال زهيدى من أجل استعادة النظام.
تشير بعض الوثائق كيف سعت بريطانيا للحيلولة دون نشر واشنطن وثائق ستكون «محرجة للغاية» لبريطانيا وذلك عام 1970،  ولذلك لم تظهر حتى اليوم  وثيقة رسمية تشرح الدور البريطانى فى انقلاب 1953 فى إيران، لكن دورها فى العملية معروف ومؤكد حتى وإن لم نمتلك التفاصيل، فقد أكد رئيس الوزراء البريطانى السابق «جاك سترو» هذا الدور عام 2009 عندما أشار فى تصريحات رسمية لتدخل بريطانى بأشكال متعددة فى شئون إيران خلال القرن العشرين.
وتتضمن الوثائق التى أفرجت عنها وكالة الاستخبارات الأمريكية (CIA) عددًا من البرقيات من «كرميت روزفلت» وهو واحد من أهم ضباط  الوكالة فى إيران خلال فترة الانقلاب بالإضافة إلى برقيات أخرى، إحدى هذه البرقيات تتحدث، نقلاً عن «مونتى وودهاوس» مسئول الاستخبارات البريطانية فى طهران، عن رغبة بريطانيا فى الدعم الأمريكى للقيام بانقلاب فى إيران ضد محمد مصدق.
حملت إحدى وثائق الاستخبارات الأمريكية الخاصة بانقلاب إيران عنوان «حملة  تأسيس حكومة إيرانية موالية للغرب»، وحددت الوثيقة الهدف من الحملة من خلال أساليب قانونية أو شبه قانونية تؤدى فى النهاية إلى إسقاط حكومة مصدق واستبدالها بحكومة موالية للغرب بقيادة الشاه.
وكان المؤرخ الأرمينى - الإيرانى «أرفاند إبراهاميان»، مؤلف كتاب «الانقلاب:953، وكالة الاستخبارات المركزية وجذور العلاقات الأمريكية - الإيرانية الحديثة»، صرح أن الغرب دبر الانقلاب لكى يتخلص من شخصية قومية كانت تصر  على تأميم النفط ووقف استغلال الغرب. مشيرا إلى أن مصدق، مثل عبدالناصر فى مصر، كان يتحدث ضد الاستعمار الغربى وهو ما كان يمثل تحدياً للدول الاستعمارية الكبرى.
ولاتزال هناك العديد من الوثائق التى ترفض وكالة الاستخبارات الأمريكية الإفراج عنها رغم قانونية ذلك ورغم المطالبات بإخراج كل ما يخص التدخل الأمريكى فى انقلاب 1953 بإيران لكى تتكشف الحقائق.