محاكمة «ترامب»

داليا هلال
قد يختلف الأمريكيون أو يتفقون مع الحزب الجمهورى وسياسييه، لكنهم لا ينكرون أن جُلَّ الحراك السياسى الأهم فى التاريخ المعاصر على الأقل إنما فعَّله بالأساس الجمهوريون، حتى أن ما اصطُلح على تسميته بـ«صفقة القرن» التى تعود ملامحها إلى عهد الديموقراطى «بيل كلينتون»- حسبما يتردد فى الدوائر السياسية- ما وجدت طريقها إلى حيز التنفيذ الفعلى إلا على يد الجمهورى «دونالد ترامب» الذى لا يستبعد محللون عالميون-ربما نختلف معهم- أن يتسبب فى عزلة دولية للولايات المتحدة، ولعلها تكون أبرز إنجازاته لهذا العام.
1
قبل أن يسدل العام 2017م أستار نهايته حذر أسقف «ليفربول» رعايا الكنيسة من مغبة تأييدهم لـ«ترامب»، مشيرا إلى أن تعاليم الرب تتعارض مع دعم أنظمة تهمش الفقراء، ملمحا إلى أن سياسة الرئيس الأمريكى تتعارض مع «مشيئة الرب» فى دعم الأقليات والمهمشين والضعفاء.
2
يصف «ترامب» عام 2017بأنه «عام ملبد بالغيوم» فيما يخص العلاقات الأمريكية- الروسية على صعيد التحقيقات الداخلية التى تتعلق بقرائن حول تعاون «ترامب» ومستشاريه على نحو منفرد مع «جهات روسية» بغية إسقاط المرشحة المنافسة «كلينتون»، بيد أن الإعلام الأمريكى من ناحية أخرى يرى -متهكما- أن واحدا من «أبرز إنجازات» رئيس القوة العظمى الأولى هو تفاخره الطفولى بـ«سعة إطلاعه المخابراتي» فى اجتماع مغلق مع مسئولين روس كبار. بعضهم طالته تحقيقات التخابر الانتخابى بين البلدين؛ حيث كشف «ترامب» للروس عن معلومات تخص جاسوسًا إسرائيليًا داخل داعش، مما عرض عملية مخابراتية للـ«سى آى إيه» للخطر، حيث كانت المخابرات الأمريكية تتابع نشاط الجاسوس.
الغريب أن الرئيس الأمريكى منع الحضور الصحفى لكل المؤسسات الإعلامية التى تمثل بلاده، وخص صحفيًا روسيًا وحيدًا بالمتابعة الإعلامية لهذا الاجتماع السرى.
لاحقا وعلى خلفية هذه التعقيدات قام «بوتين» بتخفيض البعثة الدبلوماسية الأمريكية لدى بلاده بأكثر من 750 موظفًا ردا على العقوبات الأمريكية على موسكو بشأن تدخلها فى الشأن الانتخابى الأمريكى، لكن «ترامب» استقبل الأمر على نحو مخالف لكل التوقعات إذ وجه الشكر للرئيس الروسى الذى أسهم فى دعم خطة خفض الرواتب الأمريكية التى تعتمدها إدارة «ترامب»، الرد الذى اعتبره البعض حاذقا برغم «سطحيته الظاهرة» إذ يعنى ضمنا تقريع البيروقراطية الأمريكية التى لا تقدم خدمة حقيقية لدافع الضرائب.
3
يبدو كذلك أنه خلال اثنى عشر شهرًا من ولاية «ترامب»، لم يترك الرئيس الأمريكى حليفا ولا عدوا لبلاده من دون أن تصيبه تعليقاته؛ ففى الوقت الذى رأى البعض أن لـ«ترامب» رؤية نافذة فيما يخص قضايا الإرهاب الأخيرة التى يصعب تصور عدم تورط أجهزة المخابرات الكبرى فى تخطيطها، فإن «ترامب» سخر من الهجمات التى تعرضت لها «باريس» بهذا الشأن، مؤكدا أن «صديقه جيم» لم يعد يرغب فى زيارة عاصمة النور مجددا، الأمر الذى حدا بواشنطن لفتح تحقيق داخلى محدود للتأكد من حقيقة وجود هذا الـ«جيم» من عدمه.
4
فى لقاء دبلوماسى لاحق وأمام المراسلين الإعلاميين العالميين تراجع «ترامب» خطوة ليتأخر عن السيدة الفرنسية الأولى قبل أن يتأمل مؤخرتها معلقا «إنك فى هيئة رائعة اليوم»!!!
5
السويد لم تنج من حديث ملتبس مماثل حين أتى على ذكرها محذرا مواطنيه مما «حدث فى السويد بالأمس» فى معرض حديثه عن الإرهاب وأخطاره مما يوحى تعرض السويد لحادث إرهابى فى التوقيت الذى أشار إليه، وهو ما لم يكن صحيحا بالمرة، وإلى الآن لم يتضح مراد «ترامب» من ذكر السويد فى هذا السياق.
6
أما رئيس الوزراء الأسترالى فقد تلقى “مهاتفة محرجة” للغاية فور تولى «ترامب» منصبه، حيث يفرض البروتوكول إجراء مكالمات هاتفية بقيادات وزعماء العالم بغية تعريفهم بالقيادة الجديدة للبيت الأبيض، غير أن «ترامب» أكد لرئيس الوزراء الأسترالى أن هذه المهاتفات البروتوكولية أرهقته تماما، لكن تظل المكالمة الأسترالية الأسوأ على الإطلاق، حسبما صرح «ترامب» لرئيس الحكومة الأسترالية التى تعد واحدة من أقوى حلفاء الولايات المتحدة وذلك قبل أن يغلق الخط فى وجهه.
7
ألمانيا كذلك طالها حديث «ترامب» حين توعدها بنية بلاده السعى وراء سداد مستحقات الناتو المالية التى تحملتها الولايات المتحدة مقابل عضوية الألمان بحلف شمال الأطلنطى، الأمر الذى دفع الحكومة الألمانية إلى نشر إيضاح جاء فيه أنه لا حقيقة لما يتردد حول سداد أعضاء الناتو رسوم عضوية، وأن ألمانيا بهذا السياق ليست مدينة للمنظمة ولا لأى من الدول الأعضاء، المثير للدهشة أن «ترامب» رفض تماما مصافحة المستشارة «أنجلا ميركل» فى لقاء دبلوماسى مشترك.
8
نقسم الآراء حول الرئيس الحالى لأكبر قوة عالمية، ما بين معارض تماما يسفه كل تصرف سياسى له ويربطه بالسلوك الشخصى للرئيس، وما بين مؤيد يرى أن له وجهة نظر سيما أنه بالأساس يتصرف وفق أجندة السياسات الأمريكية التى لا يملك أى رئيس الحياد عنها؛ التويتة المسائية الأشهر ربما تنجرف قليلا لتنحاز للرأى الأخير إذ وبخ «ترامب» مستشارى الـ«سى أى إيه» وعملاءها كاشفا عن تورطهم فى أنشطة وصفها بالإرهابية لدعم تيارات المعارضة السورية وتنفيذ عمليات مسلحة لصالحها بغية إسقاط الرئيس السورى «بشار الأسد».
التويتة جاءت مفاجئة حتى أنها دفعت المخابرات الأمريكية للخروج عن صمتها المحايد الكلاسيكى فى مثل هذه الحالات، وجاء تعليق مسئوليها يتفق ضمنيا مع ما قاله الرئيس الأمريكى حيث وصف الأمر بأنه «كشف لعمليات مخابراتية سرية».