السبت 4 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

مسلمون فى ضيافة المسيح

مسلمون فى ضيافة المسيح
مسلمون فى ضيافة المسيح


المكان أشبه بخلية نحل، كل واحد يعرف دوره ويؤديه على أكمل وجه، لا تستطيع التفريق بينهم سواء كان مسلمًا أو مسيحيا، يقدمون نموذجا يجسد كل معانى الوحدة الوطنية، الجميع وضع نصب أعينه هدفًا واحدًا إنهاء الأعمال داخل أكبر كنيسة فى الشرق الأوسط، والتى ستبعث من خلالها رسالة سلام للعالم خلال قداس عيد الميلاد الأسبوع المقبل.
محمد حسن على - واحد من بين  عشرات العمال المسلمين الذين يواصلون الليل بالنهار للعمل داخل مشروع كنيسة العاصمة الإدارية - استغل وقت الراحة وقام لأداء فريضة الصلاة وتبعه عدد من الشباب والعمال بالموقع، يقول: «لم أشعر لحظة بالحرج كونى مسلمًا ولن أحتاج الذهاب إلى شيخ لأحصل على فتوى للعمل فى تشييد هذه الكنيسة، فأنا أدرك جيدا أن العمل عبادة، خاصة عندما يكون فى تشييد بيوت الله».
محمد حسن والذى جاء من صعيد مصر وبالتحديد من محافظة المنيا ويعمل حدادا يشارك مع ما يزيد على 2000 عامل ما بين مهندس وفنى ونجار وحداد لإنجاز كنيسة العاصمة الإدارية الجديدة، التى أعلن عنها الرئيس عبدالفتاح السيسى العام الماضى أثناء حضوره قداس عيد الميلاد، ليتحول الوعد قبل أن يمر عام واحد إلى حقيقة على أرض الواقع بعد أن أنهت الجهات المسئولة بالعاصمة الإدارية فرش وتجهيز المكان المقر الخاص بإقامة قداس عيد الميلاد والذى من المقرر أن يسع ما يقرب من 15 ألف شخص.
يقول محمد: «أشعر بفخر كبير أننى جزء من فريق يعمل داخل أضخم مشروع قومى لا يقل أهمية عن مشروع مسجد العاصمة أو الحى الحكومى»، مؤكدا أنه لم يتعرض لأى موقف عنصرى من زملائه الأقباط، خاصة عندما يقطع العمل لأداء الصلاة».
قداس عيد الميلاد
على الرغم من أن معدل تنفيذ المبنى لا تتخطى الـ45 %، فإن التجهيزات الخاصة بمقر إقامة قداس عيد الميلاد تم الانتهاء منها بالكامل وجارٍ فرش المقر بأحدث أنواع الأثاث، حيث يشهد العمل ملحمة وطنية لخروج الكنيسة على أعلى مستوى وبأفضل الإمكانيات، بحيث تكون أفضل كنيسة على مستوى الشرق الأوسط من حيث البناء، والنظام المعمارى.
«وعندما أعود إلى منزلى أحكى لأبنائى بكل فخر عن عملى وكيف أن والدهم يشارك فى بناء كنيسة».. هكذا يرى ابن محافظة المنيا المسلم المشروع، قائلا: «الكنيسة ستصبح فى المستقبل القريب من أهم أماكن السياحة الدينية فى الشرق الأوسط وربما فى العالم».
ويضيف: ليس هذا شعورى فقط، فهناك العشرات من العاملين بالمشروع مسلمون سواء عمالاً أو مهندسين ومشرفين وأفراد أمن من محافظات مختلفة»، مؤكدا أنها لم تكن المرة الأولى التى يشارك فيها فى بناء كنيسة، بل شارك من قبل فى بناء واحدة فى المنيا بنيت بالمجهودات الذاتية وبتبرعات الأهالى من المسلمين والأقباط، فالكل يشارك بحب.
أكبر كنيسة
 محمد حسن ورفاقه من المسلمين والأقباط يشعرون بالفخر لمشاركتهم فى واحد من أهم المشاريع المصرية، حيث تصل مساحة كنيسة العاصمة الإدارية والتى يطلق عليها كاتدرائية ميلاد المسيح لـ15 فدانا، بما يقرب من 63 ألف متر مربع، مبنى الكاتدرائية على مساحة 7500 متر مربع، وتتضمن مقرًا للصلاة يسع نحو 12 ألف مواطن، وتبلغ مساحتها 4 أضعاف الكاتدرائية المرقسية بالعباسية، بالإضافة إلى كنيسة الشعب والتى تتضمن ساحة رئيسة إضافة إلى مبنى المقر البابوى وصالة استقبال وقاعة اجتماعات ومكاتب إدارية، وتعد أكبر كنيسة فى الشرق الأوسط، كما أن مبنى الكاتدرائية يسع لـ 8200 فرد وهو عبارة عن «بادروم» وصحن ومنارة بارتفاع 60 مترًا، وجراج أسفل الأرض مكون من طابقين ومبنى خدمات.
إلى جانب محمد حسن على يعمل حسن مشرفًا من محافظة الشرقية، والذى مر على عمله بالمشروع 9 أشهر، يقول: «العمل هنا بنظام الورديات، التى تبدأ من السابعة صباحا وحتى الرابعة عصرا ومن السادسة مساء وحتى الساعات الأولى من صباح اليوم التالى، وفترة الراحة فى ورديتى من الساعة 12 ظهرا إلى الواحدة ظهرا».
يضيف: «فى الشهور الأولى من بداية العمل كان معظم العمال وخاصة المغتربين يقيمون فى سكن مؤقت توفره شركة أوراسكوم  القائمة على المشروع فى مدينة بدر وكان يتم نقلهم من المدينة إلى العاصمة يوميا والأمر كان مرهقًا للغاية إلى أن تم توفير كرفانات مجهزة للمبيت إلى جانب توافر كل وسائل الأمان فالكل يرتدى الخوذة وملابس العمل، ومعظم العمال لا يغادرون إلا خلال الإجازة الأسبوعية».
«فى مشروعنا لا مكان للعنصرية».. هذا ما أكده حسن لنا، موضحا أن كل العمال مسلمين ومسيحيين يعملون بكل جهد وإخلاص يدًا واحدة ويتحملون تقلبات الجو، فلم تجدهم يشتكون من الحر الشديد فى فصل الصيف، ولا صقيع الشتاء ولا العواصف الترابية، فالكل فى سباق وتحدٍ وأعينهم لا تحيد عن الهدف من أجل إنجاز الحلم».
ويضيف حسن: «أنا كمسلم سعيد بوجودى فى هذا المكان على الرغم من أن العمل شاق ومرهق ولكن الإحساس بحجم المسئولية يزيد من الشعور بضرورة مواصلة العمل والحفر فى الجبال،  فنحن نؤدى فروضنا فى وقت الراحة ولا أحد يعترض، وننتظر بفارغ الصبر اللحظة التى ستنقل فيها كل القنوات الفضائية قداس عيد الميلاد المجيد وسأسجد شاكر الله أننى شاركت فى هذا المشهد المشرف الذى سيسعد قلوب المصريين جميعا».
واتفق معه فى الحديث نجيب أحد العمال بالموقع والذى سرد لنا تفاصيله يومه قائلا: «يوم العمل يبدأ فى السابعة صباحا، حيث يعمل الجميع بكل جهد، ووقت الراحة أذهب لتناول الغداء، حيث توجد عربة كشرى وفول داخل العاصمة، وألتقى عندها زملائى ونقضى فترة الراحة معا وبعدها كل منا يعود إلى عمله وعند الانتهاء من العمل نتجمع ونغادر المكان».
خطة العمل
أحد المهندسين المشرفين بموقع العمل أكد أن المكان أشبه بالملحمة الوطنية، فالحفارات واللوادر والعاملون لا يهدأون ولا يعرفون للراحة طريق، فالعمل يسير وفق خطة منظمة مكنتنا فى وقت قصير جدا من تجهيز البهو السفلى (البدروم) وجارٍ فرشه استعدادًا للقداس.
وأوضح أن التشكيل الرئيسى للكنيسة عبارة عن صحن رئيسى مغطى بقبوين متعامدين قطر كل منهما 40 مترًا يشكلان صليبًا، وأمامهما فى وسط الصحن قبة الكاتدرائية (Dome) بقطر 40 مترًا ترتفع 39 مترًا عن سطح الأرض محملة على عدد أربعة عقود رئيسية (Arches) بنفس القطر،  وتتضمن أنصاف قباب فى الجهات الشمالية والقبلية والغربية، وعلى الجانبين يوجد ممران جانبيان مغطى كل منهما بقبوات متقاطعة قطر كل منها 6 أمتار، وتم مراعاة أن يكون أعلى الهيكل الرئيسى قبة بقطر 15 مترا وقباب الهياكل الجانبية بقطر 10 أمتار، وتم تصميم منارتين ملحقتين بمبنى الكاتدرائية، وتم مراعاة أن تكون مسارات التكييف بدور البدروم بالكاتدرائية حتى لا تؤثر على الشكل المعمارى للكاتدرائية، واستخدام شدات معدنية (غير تقليدية) مثبتة على الأعمدة وليس على بلاطة السقف، لسرعة الانتهاء من تنفيذ وصب خرسانات القبة الرئيسية.
 وأكد أحد المهندسين المشرفين على المشروع أنه  لا فرق بين عامل مسلم وعامل مسيحى داخل الموقع، فالشركة لم تضع شرطا أن يكون العامل مسيحيًا لكن الفيصل الوحيد فى العمل هى الكفاءة والقدرة على التحمل وإظهار الإصرار والعزيمة.
وبالقرب من مقر المشروع، وقف عم محمد 55 عاما داخل كشك خشبى يقدم الطعام للعاملين بمشروع كنيسة ميلاد المسيح، قال لنا: «جئت من محافظة أسيوط إلى القاهرة باحثا عن فرصة عمل فى العاصمة الجديدة، بمجرد أن دخلت المكان عرفت أن العمل فى البناء لا يناسبنى لكبر سنى، فالمكان يحتاج إلى الشباب القادرين على العمل لفترة طويلة، لذا قررت بناء كشك خشبى أبيع بداخله بعض المأكولات الشعبية والمشروبات للعمال».