الإثنين 17 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

إصلاح وتهذيب.. والرقابة أعلم: سنوات «الدراما المؤدبة»!

إصلاح وتهذيب.. والرقابة أعلم: سنوات «الدراما المؤدبة»!
إصلاح وتهذيب.. والرقابة أعلم: سنوات «الدراما المؤدبة»!


هل ابتعدت الدراما المصرية مؤخراً عن الواقع المصرى وعاداته وتقاليده؟.. هل بالفعل انحدرت بالذوق العام وهبطت بالمنحنى الأخلاقى وأصبحت بعيدة كل البعد عن اهتمامات الأسر المصرية؟.. هل هناك فجوة بين ما يُقدم وما يحتاجه المشاهد؟.. هل اختفى المسلسل الذى يجمع شمل الأسرة وحل محله مسلسلات تحمل نوعاً من العشوائية الفكرية؟.. إذا كانت الإجابة بـ«نعم» على جميع الأسئلة السابقة، فالسؤال الأهم الآن: هل يحق للدولة أن تقرر إنشاء لجنة لتطوير الدراما فى محاولة تبدو بائسة لإعادة السيطرة على عشوائية الإنتاج والحفاظ على النماذج الإيجابية ومراقبة المضمون ليأتى بما يتوافق مع العادات والتقاليد المصرية كما تراها الدولة ذاتها؟!.
 
لقد فوجئ الجميع بالإعلان عن لجنة الدراما المتعلقة بوضع معايير وقواعد يلتزم بها صناع الدراما فى مصر خلال الفترة المقبلة.. جاء ذلك من قبل «مكرم محمد أحمد» - رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام - والذى قرر أن يكون المخرج «محمد فاضل» هو رئيس هذه اللجنة.
سألنا «محمد فاضل»: ما الذى تبادر لذهنك عندما تم إبلاغك بقرار رئاستك لهذه اللجنة؟.. فأجاب: «قابلت  مكرم محمد أحمد، وأخبرنى بأن هناك رغبة فى تشكيل لجنة خاصة بالدراما، ودورها، وتطويرها، ووضع معايير وقواعد يلتزم بها صناع الدراما فى مصر خلال الفترة المقبلة، وقد تم اختيارى لرئاسة اللجنة، وجار اختيار باقى أعضائها، ولم يخبرنى أحد بأى معلوماتٍ أخرى حتى الآن.. ولكنى أؤكد أن وجود اللجنة لا يتعارض مع وجود الرقابة على المصنفات، ولا توجد أى مخاوف من تقييد الحريات أو الإبداع.. وقد طالب الرئيس السيسى باهتمام الدولة بالإعلام بوجهٍ عام، والدراما بوجهٍ خاص، وهو ما حان الوقت لأن نأخذه فى الاعتبار».
وعن تحكم اللجنة فى كم الإنتاج وكيفية مراقبته، أجاب «فاضل»: «من المفترض أن تكون هناك قوانين منبثقة من اللجنة، ومن المفترض أيضاً أن القوانين وضعت ليتم تفعيلها، وهو ما نتمنى أن يتحقق».
المخرج «مجدى أبوعميرة» كانت له تجارب سابقة فى المشاركة فى مثل هذه اللجان، ومن هنا قال لنا: «كنت عضواً فى لجنة الدراما العليا باتحاد الإذاعة والتليفزيون من 1998 وحتى 2010، وكانت تضم أسماء كبيرة فى عالم الدراما أمثال: أسامة أنور عكاشة، محفوظ عبدالرحمن، إنعام محمد على، علاوة على عدد من النقاد والمتخصصين، وعلى مدى 13 عامًا كانت كل التوصيات والقرارات يتم وضعها فى الأدراج، وأنا تلميذ محمد فاضل، وأثق به جداً، وأتمنى أن تحقق اللجنة الغرض المرجو منها، وتكون أفضل حالاً من سابقتها، ولكن السؤال هنا: هل تستطيع لجنة الدراما السيطرة على الفضائيات؟.. خاصةً أن التليفزيون المصرى أصبح لا حول له ولا قوة، والإجابة: أعتقد لا.. هل تستطيع اللجنة أن تفرض رأيها على MBC مثلاً؟.. أتمنى فى ظل وجود محمد فاضل أن تعود الدراما كما كانت، ولكن الوضع صعب ومؤلم، وللأسف الموازين اختلت لأنه فى الماضى كان المسلسل يبدأ بالسيناريو، ثم المخرج، ثم فريق العمل، أما الآن فالوضع أصبح معكوساً، فالمسلسل يبدأ من المعلن، ثم المنتج، والفنان .. وهكذا حتى نهاية السلسلة»!.
وأشار «أبوعميرة» إلى أنه عندما كان فى «مؤتمر الشباب»، خرج أحدهم وقال: «مللنا من مسلسلات العنف والدعارة والمخدرات.. أين المال والبنون ؟.. ليالى الحلمية؟.. وغيرها، فرد الرئيس السيسى وقال: «هنشوف ده»!
وعن اتجاه الدولة لإعادة الدراما المصرية الملتزمة بأخلاقيات وعادات وتقاليد المجتمع المصرى، أكد «أبوعميرة» أن لجنة الداما لا تستطيع القيام بذلك، إلا اذا أنتجت الدولة وأصبحت فى مواجهة الإنتاج الخاص، فمثلاً فى الماضى كان المنتجون يصنعون المسلسلات فى دبى أو لندن للتهرب من الضرائب، وظهرت وقتها المسلسلات المعبأة، الفارغة من المحتوى الجيد، ولم تتوقف هذه الظاهرة، إلا عندما أنتج قطاع الإنتاج، واضطرت هذه الشركات لأن تغلق نشاطها، وعادت الطيور المهاجرة، وتم إنتاج مجموعة من أفضل المسلسلات المصرية وقتها، فالمنتج الخاص عندما يجد من يقف فى وجهه إنتاجياً سيدقق فى اختياراته، وستؤدى اللجنة دورها فى هذا الشأن، والتى لن تكون - بالتأكيد - مقيدة للحرية، ولا يوجد منها أى خوف، فحرية الإبداع التى يتكلم عنها البعض ما هى إلا شماعة توضع عليها كل أخطاء صناع الدراما، لأن المبدع لا بد أن يكون رقيب نفسه، خاصةً أن فكرة التصنيف العمرى ما هى إلا هروب من المسئولية الحقيقة، فكل ما يقدم فى الدراما التليفزيونية كأنه مؤامرة لتغييب العقل المصرى، وطمس الهوية المصرية، وإلغاء روح الانتماء لدى الشباب المصرى، بل وتعمد إظهار النماذج السيئة المريضة، وكأنه لا يوجد نموذج إيجابى واحد داخل المجتمع المصرى.
تحدثنا إلى المنتج «محمد فوزى» باعتباره من أنصار هذه اللجنة، فقال: «أتمنى أن يكون هناك اتجاه من الدولة لاستعادة هيكلة المنظومة الدرامية التليفزيونية، والحرص على تواجد نوعية معينة من الدراما، فهذه خطوة جيدة، ودليل على السير فى الاتجاه  الصحيح، ومن حق الدولة أن تخرج من الإطار السيئ وأن تقدم أعمالاً مراقبة بشكل جيد واحترافى.. واللجنة نوع من أنواع الرقابة المشروعة فى مراجعة الأعمال للخروج بمنتج ذى جودة عالية، يخاطب كل الطبقات والأعمار».
وأما المخرج «أحمد صقر» فقد بدأ حديثه بسؤال: «حتى الآن لا أعرف ما هو الهدف الحقيقى من تشكيل مثل هذه اللجنة؟.. لذلك كل ما أقوله مجرد تكهنات، فربما أن الهدف من هذه اللجنة هو محاولة من الدولة لاستعادة الدراما الأسرية، والتى افتقدتها الشاشة وافتقدها المشاهد المصرى، خاصةً أن الدراما تختلف كثيراً عن السينما، فالتليفزيون يقتحم خصوصية المشاهد، ويدخل منزله دون إذن، أما السينما فيذهب إليها المشاهد بمحض إرادته».
فى حين ترى المخرجة «إنعام محمد على» أن المشكلة الحقيقية ليست فى وجود لجان أو العكس، وإنما فى عدم وجود أى دور للدولة فى التحكم فى العملية الإنتاجية، وهو ما يجب أن يكون، حتى يصبح للدولة اليد العليا فى السيطرة على صناعة الدراما، فالإنتاج هو المصدر الرئيسى والمحرك للصناعة، ولذلك تعتقد أنه من الصعب أن تسيطر اللجنة على القطاع الخاص، وتظن أن تواجدها لن يتعدى الدور الرقابى لما يتعلق بالعرض فى القنوات التليفزيونية الحكومية، وفى اختيار الأعمال التى ستُعرض، خاصةً أنها أعمال ليست من إنتاج الدولة، ومن هنا نستطيع أن نطرح سؤالا حول جدوى هذه اللجنة؟.. وما هى السلطة الممنوحة لها لكى تسيطر على الإنتاج؟.
وأكدت «إنعام محمد على» أن الدراما الحالية لا تمت للمواطن المصرى أو إلى واقعه بأى شكل من الأشكال، على الرغم من أن المرحلة الحالية التى نمر  بها مليئة بالموضوعات القومية والتقلبات التى لا نجد لها انعكاساً واضحاً على الشاشة، فالدراما فى واد وما يدور فى المنطقة بأكملها فى واد آخر.. وتضيف: «على الرغم من أن هناك اتجاهاً واضحاً من الدولة لإنتاج دراما محترمة، هادفة، تلم شمل الأسرة المصرية.. لكن للأسف لا توجد ميزانيات للإنتاج، خاصةً أن الدراما مكلفة، وتحتاج إلى ميزانيات ضخمة، ومن الممكن أن تحمل الدولة أعباءً جديدة، خاصةً أنها تفتقد السيولة والتمويل.. فى حين أن المنتج الخاص بأمواله يحقق ما يأتى له بالربح، وهو ما خلق عشوائية على الشاشة، ومن ضمن آراء المنتجين حالياً مثلاً أن مسلسلات السيرة أو المسلسلات الدينية والوطنية غير مطلوبة».
وأنهت مخرجة «ضمير أبلة حكمت» و«أم كلثوم» رأيها بالقول: «للأسف هناك إشكالية كبيرة فى صناعة الدراما، والكل يستغلها، ويلعب عليها، ويروج لها  لصالحه، وهى حرية الإبداع التى أصبحت من غير رابط ولا ضابط، وأصبحت سلاحاً فى وجه الالتزام الأدبى والفكرى تجاه المجتمع والمشاهد، وأصبح الإنتاج فى اتجاه والمشاهد فى اتجاه آخر، وهو ما يشكل خطراً على المواطن المصرى، خاصةً أننا فى بلد نامٍ، يستقى فيها المواطن ثقافته من خلال الإعلام والتليفزيون، وليس من القراءة مثلاً».
تحدثنا إلى «إيناس عبدالله» رئيس قناة النيل للدراما، فقالت: «هناك توجه ودفع قوى من الدولة ومن الرئيس السيسى والقيادات السياسية لانتظام المنظومة الإعلامية بالكامل، واسترجاع هيبة وقوة مصر الناعمة عن طريق الرقى بما يقدم فى التليفزيون المصرى الخاص والعام.. ودور لجنة الدراما شديد الصعوبة والتعقيد، لأن التحكم ليس فقط فيما يقدم على شاشات التليفزيون المصرى العام، ولكن هناك العديد من القنوات الخاصة التى من الصعب التحكم بها.. وهو ما يجعلنى أتساءل: من أين سيبدأ دور لجنة الدراما؟.. هل من التحكم فيما يعرض على التليفزيون المصرى فقط؟.. أم فى باقى القنوات الفضائية؟.. أم أنه سيبدأ مع اختيار المنتج للنص السليم القائم على أسس درامية جيدة تحترم العادات والتقاليد المصرية وعقلية المشاهد»؟.
وأضافت «إيناس عبدالله»: «بالنسبة لقناة النيل للدراما، فالاختيار يكون سهلاً لأنه مع وجود عدد معقول من المسلسلات أستطيع اختيار الأنسب، وأنا لا أملك سلطة حذف مشاهد أو حتى كلمات من أى مسلسل، فهناك رقابة عامة للتليفزيون تجيز ما تريده وتحذف ما تراه غير مناسب للتليفزيون، وهذا لا ينطبق على النيل للدراما فقط بل على كل قنوات التليفزيون المصرى». 