التجسس عبر أجهزة «المايكروويف»!

منى بكر
فى عالم المخابرات دائما الهدف هو الحصول على المعلومة، مهما كانت الطريقة أو الأسلوب، وقد ساعد التقدم التكنولوجى الذى وصلت إليه البشرية فى تنوع أساليب التجسس، وابتكار أساليب جديدة لم تكن موجودة من قبل، فلم يعد التجسس الإلكترونى مقتصرًا على الهواتف الذكية وتطبيقاتها فقط، وإنما ساعد الذكاء الاصطناعى على فتح آفاق جديدة لعمليات الاختراق والتجسس، فأصبحت معظم الأجهزة المنزلية متصلة بالإنترنت، وباتت الخصوصية حلما بعيد المنال.
«كليان كونواي» مستشارة الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب» ورئيس حملته السابقة، قالت فى تصريحات لها مؤخرًا إن أجهزة المايكروويف الحديثة يمكن تحويلها إلى كاميرات تجسس بمنتهى السهولة.
«كونواي» أطلقت هذا التصريح فى إطار دفاعها عن «ترامب»، بعد اتهامه للرئيس الأمريكى السابق أوباما بالتجسس على اتصالاته فى مكتبه الكائن بأبراج «ترامب» قبل وصوله إلى الحكم، وأرادت «كونواي» من هذا التصريح لفت الأنظار إلى حقيقة أن التجسس أصبح أمرًا سهلًا ولا يحتاج إلى العناء الذى كان يحدث فى الماضى، ولا يحتاج أيضًا إلى أجهزة تنصت بل يكفى القيام بعمليات قرصنة على الأجهزة المنزلية واختراقها وبعدها يصبح منزلك مخترقًا ليس فقط لأجهزة الاستخبارات بل لأى شخص يريد التجسس بهدف السرقة أو الابتزاز.
«كليان» تحدثت عن المايكروويف الذى لم يثبت حتى اليوم استخدامه فى التجسس، أى أنه لم تقع حادثة تجسس باستخدام هذا الجهاز تحديدًا، وطبقًا لأبجديات عالم التجسس، فربما تكون تتحدث عن معلومة حقيقية ستكشف عنها الأيام، أو قد تكون مجرد إشارة إلى سهولة التجسس دون الحاجة إلى وضع أجهزة تنصت أو كاميرات تصوير.
الأمر الذى لم تشر له مستشارة «ترامب» أن هناك أنواعًا من الشاشات التليفزيونية يمكنها التجسس على أصحابها، وكشفت وثائق ويكيليكس التى نُشرت مؤخرًا معلومات عن برنامج تجسس أعدته وكالة الاستخبارات الأمريكية CIA يعتمد على استخدام التليفزيونات الذكية وتحويلها إلى أجهزة تسجيل لمحادثات الأشخاص فى الغرفة الموجود بها الجهاز، ووضع البرنامج وتم تطويره بالاشتراك مع جهاز الاستخبارات البريطانى.
شركة سامسونج أجرت تطويرًا على ميكروفونات منتجاتها، لكنها كانت تعمل فقط فى حالة أن يكون الجهاز فى وضع التشغيل، وتعاونت الاستخبارات الأمريكية والبريطانية لتطوير هذه الخاصية لتسجيل أى حديث حتى فى حالة غلق الجهاز.
تقارير صحفية حذرت مؤخرًا من «البيوت الذكية»، وهى البيوت التى تحتوى على أجهزة ذكية حديثة متصلة بالإنترنت ويُمكن التحكم فيها من داخل المنزل وخارجه، فثلاجات البيوت الذكية يمكنها إخبارك أن اللبن أوشك على النفاد أو أنه حان الوقت لشراء المزيد من الجبن. الخطير فى هذا أنه يمكن تفتيش المنزل أو وضع كاميرات مراقبة بسهولة إذا ما تم اختراق الهاتف المحمول أو سرقته، كما أن هذا التطبيق يكون لديه معلومات دقيقة حول مواعيد صاحب الشقة وأوقات تواجده بالمنزل ويمكن باختراق التطبيق معرفة الكثير.
المتخصصون فى مجال الأمن والاستخبارات يؤكدون أنه كلما زاد تعامل الإنسان مع الأجهزة الذكية أصبح اختراقه والتجسس عليه أسهل لأن هذه الأجهزة رغم محاولة صناعها الحديث دائما عن مدى تأمينها ضد القرصنة فإنها تظل غير مؤمنة تمامًا، وبالتالى فهى كارثية.
«دينيس ماكروشين» من شركة كاسبرسكاى الروسية قال إن هناك أجهزة منزلية تبدو فى نظر أصحابها غير ضارة، لكنها فى الواقع وسيلة سهلة للتجسس والسرقة، إذا ما نجحت عملية اختراقها، مؤكدًا أن ما كنا نشاهده فى الأفلام على أنه نوع من الخيال العلمى أصبح واقعًا نعيشه.
وهو ما يؤكده تصريح «جيمز كلابر» المدير السابق لجهاز الاستخبارات الوطنى الأمريكى الذى أطلقه العام الماضى أن أجهزة الاستخبارات الأمريكية قد تستخدم الأجيال الجديدة من الأجهزة المنزلية الذكية لدعم قدراتها على المراقبة والتجسس.
ولفتت واقعة المكنسة الذكية التى يمكنها إرسال صور للمنزل بكل تفاصيله إلى أى شخص ينجح فى اختراقها، الأنظار ونبهت إلى خطورة هذه الأجهزة وأنها تشكل تهديدًا على الخصوصيات، واكتشفت شركة أمن أمريكية وجود ثغرة فى هذه المكنسة تُمكن أى مخترق من مشاهدة المنزل وكأنه يعيش مع أصحابه. المكنسة التى احتفى بها المهتمون بمنتجات الذكاء الاصطناعى وتقنياته، مزودة بكاميرا تمكنها من التحرك بسهولة داخل المنزل وتنظيفه دون الارتطام بحائط أو كرسى، كأنها روبوت، ووعدت الشركة المنتجة للمكنسة وقتها بإصلاح الثغرة، لكن المؤكد وفقا لخبراء هذا المجال أنه لا يوجد جهاز ذكى بدون ثغرة يمكن اختراقه من خلالها.
صحيفة «ميرور» البريطانية قامت بتجربة منذ عدة أشهر بالاشتراك مع أحد القراصنة الإلكترونيين القانونيين «روب شابلاند»، الذى يعمل فى شركة خاصة تؤمن شبكات عدد من البنوك الكبرى فى بريطانيا فضلا عن عدد من المؤسسات الحكومية هناك، وخلال التجربة ضبطت المحررة الصحفية جهاز التدفئة الخاص بها حيث ضبطت مواعيد فتحه أوتوماتيكيا قبل وصولها إلى المنزل بفترة وموعد إغلاقه حين تكون خارج المنزل، بالإضافة إلى جدول إجازتها خلال العام ويغلق الجهاز نفسه خلالها تلقائيًا، وطلبت المحررة من شابلاند محاولة اختراق الجهاز ونجح بالفعل فى الوصول إلى كل بياناتها بداية من عنوانها وحتى موعد إجازاتها التى لن تتواجد فيها بالمنزل، وهنا الأمر لا يتوقف فقط عند التجسس بل إن السرقة أيضًا تصبح أمرًا سهلًا، فالأمر لم يعد يتطلب مراقبة.
الكاتب «كيل هوبرت» الضابط السابق فى عمليات الأمن الإلكترونى التابع للقوات الجوية الأمريكية، حذر من خطورة الأجهزة الذكية التى تنتجها شركات الذكاء الاصطناعى، مشددًا على أن القاعدة الذهبية للأمن والتى يستخدمها فى حياته الشخصية كرجل أمن سابق، هى أن أى تكنولوجيا تثير شكوكًا فى إمكانية إساءة استخدامها فإنه بالتأكيد يساء استخدامها وبأسوأ الطرق، ويحذر «هوبرت» من أن أجهزة الاستخبارات حول العالم فضلًا عن الأفراد سواء كانوا لصوصًا أو متطفلين يحاولون اختراق الأجهزة الذكية طوال الوقت وغالبًا ينجحون فى ذلك.>