الخميس 9 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

حرب إلكترونية دولية على الأبواب

حرب إلكترونية دولية على الأبواب
حرب إلكترونية دولية على الأبواب


الحرب الإلكترونية.. مصطلح يتردد كثيرا فى وسائل الإعلام، والبعض يعتبره نوعا من التهويل، فى الوقت الذى بدأت فيه الاستخبارات العالمية تعد عدتها لمواجهة هذه الحرب، أو الدخول كلاعب أساسى فيها، بعد تعرض العديد من أجهزة الاستخبارات والأمن للقرصنة لكن الواقع العالمى يؤكد  حقيقة أن الحرب الإلكترونية بدأت بالفعل منذ سنوات. فأجهزة الاستخبارات والأمن العالمية تعرضت لهجمات من قراصنة محترفين، بعضهم تابع لدول أو حكومات أو مدعوم منها مادياً وتقنياً.

العديد من دول العالم المتقدم بدأت فى وضع خططها واستراتيجياتها لخوض الحرب الإلكترونية، والبداية كانت بإنشاء جهاز للأمن الإلكترونى يساعد فى جمع المعلومات الاستخباراتية من خلال شن هجمات إلكترونية سواء على حسابات ومواقع الإرهابيين أو على الدول المعادية، فضلا عن صد أى هجوم إلكترونى تتعرض له مؤسسات الدولة.
تقرير وظائف الأمن الإلكتروني - Cyber security Jobs Report كشف عن أنه خلال العام الماضى فقط تم الإعلان عن مليون فرصة عمل فى مجال الأمن الإلكت7رونى على مستوى العالم، ومن المتوقع أن يصل إلى 1.5 مليون فرصة عمل بحلول عام 2019، وهو ما يؤكد الاستعدادات التى توليها أجهزة الاستخبارات لخوض حرب إلكترونية.
ففى ألمانيا افتُتحت «وكالة المراقبة الإلكترونية» بداية الشهر الماضي، وتركز الوكالة الجديدة، التى تتخذ من مدينة «ميونخ» مقراً لها، على الجريمة الإلكترونية، والتجسس الرقمي، مما يعنى أن عمليات التجــسس ســـتزداد على الاتصــالات الســلكية واللاسلكية، وتشفير البيانات، وجمع المزيد والمزيد من البيانات.
قرار افتتاح الوكالة الجديدة جاء بعد فترة قليلة من تداول الفكرة داخل الأوساط الاستخباراتية الألمانية، فقد  كان أول حديث غير مباشر عن الجهاز، تصريح «هانز جورج ماسن» رئيس وكالة الاستخبارات المحلية الألمانية، والذى يسمى بـ«المكتب الاتحادى لحماية الدستور»، إلى جريدة «جارديان» أول العام الجاري، حيث أكد وقتها أن بلاده تناقش مدى استعدادها لمواجهة الهجمات الإلكترونية بشكل فعال فى المستقبل، بدلاً من التركيز فقط على حماية بنيتها التحتية الرقمية.
الإدارة الأمريكية كانت قد أعلنت منذ شهور عزمها فصل قيادة الأمن الإلكترونى أو Cyber Command عن وكالة الأمن القومى NSA، بعد أن كانت وكالة الأمن القومى الأمريكيةNSA مسئولة لسنوات عن حماية الشبكات الإلكترونية الأمريكية ومواجهة أى تهديدات  تتعرض لها هذه الشبكات، وفى عام 2009 أسست إدارة الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما قيادة جديدة خاصة بالإنترنت، مؤكدة أن المجال الإلكترونى أصبح يمثل ساحة حرب جديدة.
أما كندا فأسست مركز الاستجابة الإلكترونية CCIRC  عام 2003 لمراقبة الفضاء الإلكترونى وصد أى هجوم محتمل على المؤسسات الكندية سواء حكومية أو خاصة، فضلا عن مكافحة الإرهاب من خلال الرصد الدقيق، وأعلنت وزارة الدفاع الكندية العام الماضى البدء فى مشروع دعم العمليات الإلكترونية الدفاعية والذى سيستمر حتى عام 2024 بميزانية مبدئية تتراوح ما بين 50 و99 مليون دولار أمريكى لضمان جاهزية الجيش الكندى لصد أى هجوم إلكترونى بشكل سريع. 
التقنيات الجديدة تمكن مسئولى الأمن فى «كندا» قريباً من شن هجمات إلكترونية ضد جهات أجنبية، وحتى الحكومات الأخري، وهو ما يعد جزءاً من سلسلة من التحديثات، حول تشريعات الأمن القومى الكندي، حيث تحول موقف مؤسسة أمن الاتصالات الكندية إلى موقف أكثر عدوانية، للتعامل مع التهديدات فى الفضاء الإلكتروني، وتستطيع الوكالة اختراق وتعطيل الشبكات، التى يستخدمها من يعاديها دون تحديد الدوائر التى تعتبرها أعداء.
وفى أكتوبر 2016 أعلنت الحكومة البريطانية عن إنشاء وحدة الأمن الإلكترونى والتى كانت تعمل بالفعل منذ أواخر 2015 قبل الإعلان عنها بشكل رسمي، وكشفت عن استراتيجيتها للأمن الإلكترونى العام الماضى بميزانية مليار و900 مليون جنيه استرليني، واستعانت الوكالة البريطانية منذ نشأتها بخبراء من جهاز الاستخبارات البريطانية GCHQ ومركز التقييم الإلكترونى وفريق الاستجابة الإلكترونية الطارئة.
أما نيوزيلاندا فأسست المركز القومى للأمن الإلكترونى فى سبتمبر 2011، لكنها عادت وأسست وحدة أخرى للأمن الإلكترونى باسم CERT NZ  فى أبريل الماضى بميزانية تقدر بنحو 22 مليون دولار أمريكي، وتتعاون وحدة الأمن الإلكترونى الجديدة مع كل من وزارة الداخلية ومكتب السياسات الإلكترونية والمركز القومى للأمن الإلكترونى ومنظمة نتسيف المستقلة بهدف توفير أكبر قدر ممكن من المعلومات الاستخباراتية وصد التهديدات الإرهابية فى الداخل والخارج.
وتعد الدول الخمس التى أنشأت مراكز جديدة للأمن الإلكترونى خلال السنوات الأخيرة شركاء العيون الخمس أو 5Eyes Partners   وهو تحالف استخباراتى بين الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا وأستراليا ونيوزيلاندا منذ أربعينيات القرن الماضي، وهو الكيان الذى وصفه إدوارد سنودن مؤسس ويكيليكس بأن شركاء العيون الخمس أو FVEY  جهاز استخبارات يتخطى حدود الوطن، فكل دولة من الدول الخمس لا تلتزم فى شراكتها هذه بقوانينها الخاصة بوطنها، فكل دولة من الدول الخمس، وفقا لوثائق ويكيليكس تتجسس على مواطنى الدول الأخرى ويتشارك الجميع المعلومات التى توصلوا إليها ويتخذون قرارات مشتركة غير معلنة فى أغلب الأحيان.
الاهتمام بالأمن الإلكترونى ورصد المعلومات الاستخباراتية ليس مقصوراً فقط على الدول الخمس، فالاتحاد الأوروبى قرر مؤخراً إنشاء «وكالة الاتحاد الأوروبى للأمن الإلكتروني» لزيادة جاهزية الدول الأعضاء لأى تهديد إلكترونى والتنسيق الأمنى بينهم وتبادل المعلومات.
على غرار المشروع الأمريكى لفصل وحدة القيادة الإلكترونية عن وكالة الأمن القومي، قام رئيس الأركان الإسرائيلى «غادى إيزنكوت» بوضع خطة مفصلة لتنفيذ مشروع فصل الأمن الإلكترونى الإسرائيلى عن وحدة الاستخبارات الإسرائيلية 8200 التابعة لجهاز الاستخبارات العسكرى «أمان» وجعلها سلاحاً مستقلاً إلى جانب أسلحة الجيش التقليدية القوات البحرية والجوية والبرية.
وأوضح إيزنكوت أن المجال الإلكترونى أصبح بمثابة مجال قتال جديد من الضرورى فصله عن وحدات المعلومات، موضحا أن وحدة البرمجيات الخاصة بالجيش الإسرائيلى C4i  تعمل على تحقيق أعلى استفادة من التطوير التكنولوجى وتسعى إلى تطوير فكرة الاعتماد على الذكاء الاصطناعى فى التحديات العسكرية واستخدامه كدرع تكنولوجية من شأنها أن تحمى من أى حروب فى المسقبل.
وفى الهند، أعلنت وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الهندية بداية الشهر الماضى عن إنشاء المركز الوطنى للتنسيق الإلكترونى «NCCC» الذى يقوم بمسح شامل لشبكة الإنترنت هناك، أى التجسس بشكل شامل، بحجة الكشف عن التهديدات الأمنية الإلكترونية، ويعد المركز وكالة للأمن الإلكترونى ويعمل  تحت فريق مكتب «الاستجابة لحالات الطوارئ الهندي» «CERT-In» التابع لوزارة الإلكترونيات وتكنولوجيا المعلومات، وينسق مع وبين وكالات الاستخبارات المتعددة، ويعتبر الخطوة الأولى فى «الهند» لرصد التهديدات الإلكترونية، (حيث يرصد جميع اتصالات الحكومة الهندية، ومقدمى الخدمات الخاصة على مدار الساعة).
إندونيسيا، هى الأخرى تسير فى ركاب الدول التى تعد خطتها لمواجهة الهجمات الإلكترونية، حيث أعلنت فى شهر يونيو الماضي، عن إنشاء وكالة وطنية للإنترنت، بعدما وقع الرئيس «جوكو ويدودو» لائحة رئاسية طال انتظارها، سميت رسمياً باسم «هيئة السايبر ووكالة التشفير الوطني»، وهى المسئولة عن حماية عالم الإنترنت، وتعزيز الاقتصاد.
تحركات الدول فى مواجهة الجريمة الإلكترونية والقرصنة، تشير إلى ثورة استخباراتية تكنولوجية، ويبدو أن هناك تحركًا غير عادى يجتاح الشئون الداخلية للعديد من الدول والحكومات، وهو ما يثير التساؤل حول وجود اتفاق تعاون بين هؤلاء فيما يحدث؟!
التصريحات غير الصريحة لمسئولى تلك الدول تجيب عن بعض هذه التساؤلات، فعلى سبيل المثال، قال رئيس مجلس أمن ألمانيا فى حوار أجراه مع «تايمز أوف إسرائيل» إنهم يحافظون على علاقات وثيقة مع المنظمات فى المملكة المتحدة، الولايات المتحدة الأمريكية، أستونيا، فرنسا، وبالطبع مع الكيان الصهيوني».
وأضاف: بالنسبة للمستقبل مع الحكومة الإسرائيلية، أعتقد أن العلاقات بين ألمانيا وإسرائيل فى مجال الأمن الإلكترونى يمكن أن تتكثف من خلال التعاون الذى يمكن إنجازه عن طريق المشاريع المشتركة لتكنولوجيا المعلومات، أو حتى مشاريع البحث بين الشركات الألمانية والإسرائيلية.
 والأمر نفسه من جانب إسرائيل فأعلنت شركة «سايبربيت» أول هذا الشهر، المعنية بالكشف والاستجابة والتدريب بمجال الأمن الإلكتروني، عبر أنظمة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، عن افتتاح مكتب جديد فى «ميونخ» بـ«ألمانيا»، ويعد الافتتاح لمكتب الكيان التجسسي، هو الرابع، من أجل دعم أعمالها المتنامية بسرعة فى «ألمانيا، والنمسا، وسويسرا.
جدير بالذكر أن حلف الناتو أنشأ مركزاً للأمن الإلكترونى CCD COE استعان فيه بعدد من خبراء الدفاع الإلكترونى والباحثين والمحللين الأمنيين والتقنيين الذين ينتمون إلى 20 دولة. ويضم المركز التابع للناتو كلاً من بلجيكا والتشيك وأستونيا وفرنسا وألمانيا واليونان والمجر وإيطاليا ولاتفيا ولتوانيا وهولندا وبولندا وسلوفاكيا إلى جانب إسبانيا وتركيا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، بينما انضمت مؤخرا كل من النمسا وفنلندا والسويد حيث تتشارك الدول العشرون فى تمويل المركز بينما انضمت إسرائيل للمركز كعضو غير ممول. 