مغازلة التيارات الإسلامية بالأعمال الدينية !!

سارة ساهر هبه عبد الله
بعد وصول د.«محمد مرسى» - مرشح الإخوان المسلمين وتميمة التيارات الإسلامية - إلى الحكم بدأت شركات الإنتاج المصرية مغازلة هذه التيارات بزيادة مساحة الأعمال الدينية على الخريطة الدرامية بعد أن وقف النظام القديم ضدها طبقا لمنهج التسطيح العقلى والذهنى الذى كان يتبعه ويمارسه ضد هذه الأعمال سواء السينمائية أو التليفزيونية للدرجة التى كانت تخلو فيها الشاشة لأعوام كاملة منها، وفى شهر رمضان الذى من المفترض أن تكون الأعمال الدينية هى إحدى سمات شاشته الأساسية، وإن كان يحسب للشاشتين السينمائية والتليفزيونية المصريتين أن قدمتا للساحة الفنية أعظم الأعمال الدينية والتاريخية على مدار تاريخها.
نذكر منها أفلام : «الشيماء»، «فجر الإسلام»، «رابعة العدوية»، «بلال مؤذن الرسول»، «صلاح الدين الأيوبى»، و«وإسلاماه»، والمسلسلات «محمد رسول الله»، «عمر بن عبدالعزيز»، «الفرسان»، «هارون الرشيد»، وإن كانت مصر منذ أكثر من 40 عاما لم تنتج فيلما دينيا واحدا أو تاريخيا - إذا اعتبرنا أن أفلاماً من نوعية «ناصر 56 و«السادات» أقرب إلى السير الذاتية منها إلى التاريخية، فى الوقت الذى قفز فيه كثير من منتجى الدول العربية والإسلامية بهذه النوعية من الأفلام إلى العالمية مثل المنتج السورى «مصطفى العقاد» الذى قدم للسينما العالمية فيلمى «الرسالة» و«عمر المختار». اللافت للنظر والمدهش فى نفس الوقت أن شركة مثل «صوت القاهرة» التابعة لاتحاد الإذاعة والتليفزيون بدأت هى الأخرى السير على نفس النهج فى مغازلة الإخوان بالتحصير لمسلسل «الإسلام والمسلمون» بالتعاون مع مدينة الإنتاج الإعلامى والذى يحكى فى ثلاثة أجزاء عن تاريخ الإسلام والمسلمين على مدار 14 قرنا هى عمر الدعوة الإسلامية من تأليف «عبد المنعم شمس» وإخراج «عادل مكين» .
الكاتب الكبير محفوظ عبدالرحمن لم يستغرب ذلك ويقول: لاأنكر حدوث بعض التغيرات فى المرحلة القادمة قد تؤدى إلى صراعات ومشادات حول طبيعة ونوعية الأعمال التى سيتم تقديمها، ويكشف هنا «عبدالرحمن» النقاب عن ظهور 20 شركة إنتاج إسلامية فى القريب العاجل تتبع الجماعات والتيارات الإسلامية مؤكداً أن : هذه الشركات كفيلة بزيادة مساحة الأعمال الدينية، بخلاف بعض شركات الإنتاج الأخرى والتى بدأتها صوت القاهرة كنوع من مغازلة التيارات الإسلامية بإنتاج هذه النوعية، وأضاف «عبدالرحمن»: المهم أن يحدث تطوير فى نوعية الأعمال الدينية نفسها دراميا وفنيا وأداء لنرتقى بمستواها وتكون أقرب إلى الإبداع العالمى. ساعتها سنحيى هذه الشركات على الإضافة التى أضافتها للساحة الدرامية المصرية. «عبدالرحمن» أشار إلى أنه لا يخشى المساس بحرية الفن والإبداع لأن من يلتزم بالضوابط المتعارف عليها دراميا لا يخاف من شىء، وهى الضوابط التى تجعل من الإبداع قيمة ورسالة بعيداً عن السفه والابتذال الذى نرفضه جميعا سواء إسلاميين أو ليبراليين أو حتى مسيحيين لأن لا أحد يرضى بوجود مشاهد جنسية مبتذلة أو عرى فى الأعمال الدرامية سواء كان إخوان أو غيره، فهذه المشاهد نقف جميعا ضدها، أما فيما يتعلق بحرية الفكر فيجب عدم الوصاية عليها حتى لا نضطر مثلما اضطررنا من قبل للمغادرة والبحث عن ضالتنا فى أى مكان آخر، ويتساءل «محفوظ» هل من الممكن أن نرى أعمالا دينية تتناول سيرة الأنبياء والصحابة وآل البيت كما حصل فى «إيران» ؟
- الناقدة «خيرية البشلاوى» لا تتوقع حدوث مغازلة ولا زيادة فى حجم الأعمال الدينية على الشاشة سواء فى السينما أو التليفزيون إلا عن طريق بعض المزايدين، مشيرة إلى أن كثيراً من الأعمال الدرامية الاجتماعية يكون بداخلها جانب من الوعظ والإرشاد الدينى بطبيعتنا كمصريين وأشارت إلى أنه: يجب أن يسعى المبدعون لإرضاء الجمهور أولا وتلبية احتياجاته الدرامية وليس إرضاء لجماعة أو فصيل، خاصة فيما يتعلق بالسينما التى تعتبر سلعة خاضعة للعرض والطلب، والتى ترفع دائما شعار «الزبون دائما على حق» أى لابد أن تلبى أولا رغبة الزبون وليس صاحب المحل، كما توقعت «البشلاوى» عدم حدوث أية تغييرات على الخريطة الدرامية العادية، ولو حدث سيكون تغييراً محدوداً لن يفسد الملامح العامة لها ويتجه فى أغلبه إلى تقليل الابتذال والعرى وهو مطلب جماعى لكل المصريين للارتقاء بالفن كرسالة وليس كإثارة للغرائز وبث سمومه فى جسد المجتمع، وأتصور أن أدوار الإغراء لن تتقلص فقط بل ستتلاشى، وإن كانت تؤكد تفاؤلها من المرحلة القادمة بالارتقاء بالسينما والدراما التليفزيونية فكريا وستكون أكثر احتشاما ونفت أن تكون سينما خانقة أو دراما تليفزيونية منفرة، الغريب أن البشلاوى أشارت إلى أن صناع الدراما الذين كانوا يمدحون النظام القديم لا تستبعد أبدا أنهم سيغازلون الإخوان بأعمال دينية تظهر مدى الظلم الذى عانى منه الإخوان على أيدى النظام البائد !!
- المخرج «مجدى أحمد على» توقع ليس فقط زيادة مساحة الأعمال الدينية من باب مجاملة الإخوان» ولكن توقع أيضا زيادة مساحة الأعمال التى تقوم بالتخديم على مصالح جماعة الإخوان المسلمين مؤكدا أن المنافقين كثيرون وسيحاولون مغازلة الإخوان ومنافقتهم، مع الوضع فى الاعتبار أن معظم هذه الأعمال ستشير إلى فساد النظام السابق وما أحدثه من دمار وخراب مجتمعى طوال الـ 30 سنة الماضية. «أحمد على» قال : ليس مهما ما سيتم تقديمه، فأيا كان شكل الفن القادم، فأهلا ومرحبا به خاصة أننى ضد تصنيف النوعية دينى، سنى، شيعى، إخوانى، الأهم أن يكون على مستوى عال من الجودة من تأليف وإخراج وأداء وأهم من كل هذا.. الإنتاج حتى نرى فنا ودراما تنفى عن نفسها أنها قدمت لمجرد النفاق والمجاملة وتؤكد أنها إضافة حقيقية للمكتبة الدرامية المصرية والعربية.
- ويقول الكاتب «محمد السيد عيد» فى ظل هيمنة التيار الدينى من المؤكد أن يحدث تحول فى مسار الأعمال الدرامية وزيادة المساحة الدينية منها. رغم أن الأعمال الدينية موجودة على الشاشة سواء الصغيرة أو الكبيرة منذ ظهورهما وحتى من قبل ظهور التيارات الدينية بشكل لافت، صحيح أنها كانت قليلة ولا تليق بحجم دولة مثل مصر - بلد الأزهر - بل وصل بها - أى الأعمال الدينية - الأمر فى بعض الأحيان إلى حد الإهمال ومرت سنوات عدة بدون أعمال دينية وفى شهر رمضان، ولو أذيعت كانت تذاع فى أوقات ميتة - نسبة كثافة المشاهدة فيها ضعيفة - وكان يتم تسكينها على خرائط القنوات غير الجماهيرية حتى لا يراها أحد ولتكون أقرب إلى الأعمال السرية !! تجربة «عيد» الآتية من خلال تصوير مسلسله «الإمام الغزالى» تجعله يتمنى أن تزيد مساحة هذه الأعمال ويقول : على فكرة أنا لم أغازل الإخوان أو التيارات الإسلامية بهذا المسلسل، لأنه ببساطة ظل حبيس أدراج مكتبى ما يقرب من 14 سنة امتنعت خلالها كثير من شركات الإنتاج عن تنفيذه لأسباب معلنة وغير معلنة حتى خرج إلى النور والمسلسل يحمل العديد من القيم الإيجابية التى يحتاج إليها كل فرد فى المجتمع، وأضاف «عيد» أرجو أن تكون المرحلة القادمة ليست فقط مرحلة الأعمال الدينية، ولكن الأعمال الثورية أيضا وليتها تجمع الحسنيين من خلال أعمال دينية ثورية تقوم على بناء الإنسان وإعادة تأهيله نفسيا ومجتمعيا.
- د. «درية شرف الدين» قالت من الصعب أن يفرض الإخوان أو التيار الإسلامى ذوقه على المجتمع كله، فرب الأسرة الواحدة لا يستطيع أن يفرض ذوقه على أبنائه فى البيت فما بالك فى دولة بها ما يقرب من 90 مليون ذوق، فالمسألة هنا خاضعة للعرض والطلب، ولابد من تنوع الأ'عمال صحيح لا مانع من زيادة نسبة الأعمال الدينية، ولكن لن تكون أبدا هى السمة الغالبة فى المجتمع، لأنه ببساطة من الممكن أن أقدم الجرعة الدرامية الدينية فى أعمال اجتماعية ووطنية وحتى كوميدية، لأن الدين هدفه إعلاء القيم والمبادئ والأخلاقيات، وهو ما يمكن وضعه فى أى وجبة درامية أيا كان شكلها وليست بالشرط أن تكون وجبة دينية خالصة، وهو مطلب جماعى بأن نرتقى بالدراما لتصب فى صالح نهضة المجتمع وتطوره ولكن أن نتجرع فنا مفروضا علينا، فمخطئ من يتصور أننا سنتقبل ذلك.
- الناقد «محمود قاسم» يرى أنه لابد من السعى لعودة الدراما الدينية والتاريخية إلى حضن الوطن بعد أن خرجت منه إلى أحضان سوريا وتركيا وإيران، بعد أن كانت لنا اليد الطولى فى هذا الشأن، ولأن إنتاج الأعمال الدينية يحتاج إلى أموال ضخمة فقال «قاسم» أرى أنه لا يقدر على هذا سوى جماعة الإخوان المسلمين الذين لديهم قوة مالية من الممكن أن تساهم فى صنع خريطة درامية دينية وتاريخية جيدة بشرط ألا نعتمد على المال فقط ونتناسى الإبداع والتقنية، فالعمل الفنى أساسه التجويد والعناصر المبهرة فى الصورة والموسيقى والمونتاج والإضاءة وتعتمد على تكنولوجيا متطورة لو توافرت سيكون لدينا أعمال ننافس بها العالم كله، ومن هنا يجب الدخول فى هذا المجال - أى الأعمال الدينية - من باب المنافسة وليس من باب فرض تيار يغلب عليه التشدد أكثر من الإبداع والفن.
- علق الناقد د. «وليد سيف» قائلا : وجود الأعمال الدينية أمر مهم وغيابها طوال السنوات السابقة يعد انتكاسة ويضيف : بصفتى كنت ملحقا ثقافيا فى الاتحاد السوفيتى - سابقا - لمست مدى احترام هذه الشعوب وتقديرهم لأعمالنا الدينية رغم قلتها، لكنها عكست مدى اعتزازهم بالثقافة الدينية المصرية. «سيف» أكد أنه متفائل فى المرحلة المقبلة ودعا إلى عدم القلق جازما بأن حرية الفن والإبداع لن يمسها أحد بسوء وقال : لأنه ببساطة مثل هذه الأفعال ستكون ضدهم وضد مصالحهم قبل أن تكون ضد الفن الذى ينادى بقيم إيجابية أهمها احترام حرية الآخرين وهى الحرية التى استفاد منها الإخوان فى تحقيق مصالحهم السياسية ووصولهم إلى السلطة، ودعا «وليد سيف» أن تكون هناك أفلام عصرية اجتماعية ذات صبغة دينية مثلما رأينا فى أفلام «الفرح» و«كباريه» اللذين كانا لهما توجهات دينية واضحة جدا، ولكن بطريقة غير مباشرة.