غواية إبليس!

محمد نوار
فى كتاب «نقد الفكر الدينى» لمؤلفه د. صادق جلال العظم، فصل بعنوان «مأساة إبليس»، يعتبر فيه المؤلف أن إبليس من الملائكة المجبورين على طاعة الله، وأن التدبير الإلهى لإخراج آدم من الجنة اقتضى منع سجود إبليس، ولذلك نجد البعض يتعاطف مع إبليس باعتباره ضحية للغواية.
والفعل غوى ومشتقاته تكرر فى القرآن 22 مرة، والغواية أصلها الغى، ويعنى الجهل بالحكمة من الأمر والإصرار على الباطل.
أما الملائكة فهى كائنات عاقلة، لكنها لا تملك حرية الطاعة والمعصية، لكن إبليس كائن عاقل ويملك حرية الاختيار، وتم اختباره عند صدور الأمر للملائكة بالسجود لآدم، فعصى الأمر استكبارًا، وعندما تأكد من وقوعه فى الضلال توعد آدم وذريته: (قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِى لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِى الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) الحجر - 39 ، واعتبر إبليس أن اختباره وحريته فى الاختيار سبب للغواية ودافع للوقوع فى المعصية.
فالقول (بِمَا أَغْوَيْتَنِى) هو من قول إبليس، وهو يعتبر أن الله تعالى حينما أعطاه العقل وحرية الاختيار قد أوقع به فى الغواية، وهذه الغواية أدت إلى استكباره وامتناعه عن السجود باعتبار أنه مخلوق من نار، بينما آدم مخلوق من طين، والطين أقل مرتبة من وجهة نظره.
وبعدها أصبح هدف إبليس هو إضلال بنى آدم: (قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِى لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) الأعراف - 16، باعتراض طريق كل إنسان يتجه للحق.
ومن الشائع بين الناس أن «الشيطان شاطر»، وأنه قادر على دفع الإنسان للشر والضلال، وهذا ما يجعلهم يبررون ضلالهم بأنهم ضحايا لإبليس، بدلاً من اعترافهم بأنهم الذين اختاروا الضلال، خاصة بعدما عرفوا أساليب إبليس، ورفضوا التحذيرات من غوايته التى وضحها لهم الله حتى يتجنبوها.
ونلاحظ الفرق بين إغواء الله تعالى لإبليس، وبين إغواء إبليس للإنسان، فالله يعطى الحرية فى الاختيار أثناء الاختبار دون تدخل منه تعالى، بينما إغواء إبليس هو تحايل على الإنسان وتزيين الباطل له ليدفعه للضلال، والله تعالى لم يزين لإبليس طريق الضلال، ولكن ضلال إبليس جاء باختياره الحر فى رفضه الأمر الإلهى بالسجود لآدم.