الأحد 16 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

المطرودون من جنة النظام العالمى الجديد

المطرودون من جنة النظام العالمى الجديد
المطرودون من جنة النظام العالمى الجديد


لكونها قمة غير عادية للمجموعة، اختار لها مؤسسوها عنوان «بريكس بلس»، بما يحمله من دلالة مهمة، تشير إلى التوجه الجديد لدى المؤسسين لتوسيع مجموعة دول منظمة «بريكس»، التى تهدف من الأساس إلى إعادة تشكيل النظام الاقتصادى العالمى، وتقويض الهيمنة الغربية على مسار التجارة العالمية، بما يجعل من اختيار الدول الحاضرة للقمة هذا العام، والغائبة عنها أيضا، أمرا بالغ الأهمية، لفهم توجهات المنظمة فى السنوات المقبلة.

الرابط الذى يجمع مؤسسى المجموعة الخمسة (روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا) هو رؤية وحلم مشترك، تلاقت فيه أحلام دول تبحث عن تحقيق الريادة على مستوى عالمى، مثل (روسيا والصين والهند)، وطموحات دول أخرى صاعدة مثل (البرازيل وجنوب إفريقيا)، من أجل لعب دور محورى فى تشكيل السياسيات العالمية فى العقود المقبلة.
أحجار البريكس على رقعة الشطرنج الدولية
الدول الخمس المؤسسة للمجموعة تشكل على خارطة العالم شبكة متصلة من الموانئ والمواقع الجغرافية، تبدأ من السواحل الشرقية الشمالية لروسيا، التى تطل على المحيط الهادى، مرورا بسواحل آسيا الجنوبية المطلة على المحيط الهندى، وصولا إلى جنوب غرب الأطلنطى، عبر جنوب القارة الإفريقية.
الهدف من المنظمة، يشرحه الربط بين مواقع الدول الخمس على خريطة العالم، فالهدف (غير الخفى) لتجمع «بريكس» هو نقل مسار التجارة الدولية من محوره الحالى المتجه شمالا وغربا ويصب فى مصلحة أوروبا وأمريكا، إلى محور جديد يتجه جنوبا وشرقاً، ويصب فى مصلحة اقتصادات آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية الناشئة.
 توسع المجموعة وأهميته لعمالقة الاقتصاد الجدد
نقل الحلم إلى أرض الواقع يجعل من فكرة توسيع منظمة «بريكس» أمرا حتميا، نظرا للمسافات الواسعة التى تفصل الدول الخمس عن بعضها، ما يجعل حاجتهم لدول تتوسط المسافات بينهم، وتعمل كمناطق تجميع وتوزيع، بهدف تسهيل النقل والتجارة بين دول المجموعة المتباعدة، تتوازى مع حاجتهم لإيجاد شركاء استراتيجيين يحملون معهم نفس طموحاتهم وأحلامهم.
وإذا كانت 4 من دول «بريكس» هى (روسيا والصين والهند والبرازيل) تتسم بكونها ذات أحجام عملاقة وشبه قارية، تهيمن بها اقتصاديا واستراتيجيا على أقاليمها الجغرافية، مع هيمنة «جنوب إفريقيا» كقوة منفردة على جنوب القارة السمراء، إلا أن الدول الخمس تفتقر إلى التواجد فى الأقاليم البينية الوسيطة، المتحكمة فى الممرات البرية والبحرية المهمة، مثل جنوب شرق آسيا، وآسيا الوسطى، والشرق الأوسط، بالإضافة إلى حاجتها إلى شركاء فى الأقاليم الجغرافية الأخرى، مثل شرق إفريقيا، وغربها، ومناطق الكاريبى وأمريكا الوسطى.
لذا فإن فكرة توسع عضوية المنظمة طرحت عقب تأسيسها مباشرة فى عام 2009 نتيجة لسياستها الرامية إلى إعادة تشكيل العالم اقتصاديا، وبعدما كان المؤسسون 4 دول فقط، هى (البرازيل وروسيا والهند والصين) تحت اسم «بريك» فقط، انضمت جنوب إفريقيا إلى المجموعة عام 2010 ما أكسبها اسمها الحالى الذى يختصر الحروف الأولى من الدول الخمس.
المطرودون من جنة الـ«بريكس بلس»
الموقع الجغرافى والوضع الاقتصادى لبعض الدول رشحها لتكون الأقرب إلى عضوية المنظمة، حال اتخاذ مؤسسيها قرار توسيع عضويتها فى أى مرحلة مستقبلية، لكن غيابهم عن قمة «بريكس بلس»، التى تبحث فى إيجاد آلية لتوسيع عضوية المنظمة، هو أمر بالغ الدلالة.
تركيا ونيجيريا، كانتا عادة من أبرز المرشحين لعضوية «بريكس»، كما أن أفغانستان أيضا (رغم وضعها المتردى) مثلت أهمية خاصة لدول المجموعة، نظرا لموقعها الجغرافى المتميز فى وسط آسيا، لكن الدول الثلاث كانت غائبة عن الحضور هذا العام.
تركيا - التى اعتبرت الأقرب لعضوية المنظمة وقت تأسيسها عام 2009 كانت تتسم بكونها عضوا فى مجموعة العشرين، التى تجمع الاقتصادات الكبرى فى العالم، مع معدلات نمو مرتفعة، لكن ما عزز ترشيحها كان سياستها المعلنة «صفر مشاكل»، ما يجعلها محطة تجميع وتوزيع مثالية للدول المحيطة، بالإضافة إلى التقدم فى مباحثات عضويتها فى الاتحاد الأوروبى، ما يسمح لها بلعب دور الوسيط التجارى، وينعكس إيجابا على الدول الخمس، عبر تسهيل دخول تجارتهم إلى السوق الأوروبية، دون عوائق جمركية أو سياسية.
تغير الأوضاع التركية أدى إلى خروجها من جنة «بريكس بلس»، خاصة بعد انخراطها فى أزمات الإقليم، واضطراب علاقتها بعدد من الدول المحيطة، كما أن تعثر مفاوضات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبى أفقدها ميزتها الأكثر أهمية.
نيجيريا كانت المرشح الثانى للانضمام إلى المجموعة، لموقعها الممتاز فى منطقة «غرب إفريقيا»، التى تتوسط المسافة بين دول المجموعة وبين البرازيل، كما كانت تتسم بمعدلات نمو فوق متوسطة، واقتصاد احتل وقتها المركز الثانى فى إفريقيا، وكتلة سكانية هى الأكبر فى القارة، بالإضافة إلى قدرتها على أن تلعب دورا مهماً كنقطة تجميع وتوزيع تجارى ممتازة، لعدد من الدول المجاورة والحبيسة.
الأزمة الاقتصادية فى نيجيريا عقب انهيار أسعار النفط، كانت الأسوأ فى تاريخها - على حد تعبير رئيسها محمد بخارى أمام البرلمان فى نهاية العام الماضى - وجعلتها تعانى من تراجع معدلات النمو بشكل كبير، كما أن الاضطراب الأمنى ممثلا فى مجموعة «بوكو حرام»، انعكس سلبا عليها، وأفقدها ترشيحها للانضمام إلى المجموعة، ما جعل دول «بريكس» تبحث عن شركاء جدد فى غرب القارة، كما ظهر فى القمة الأخيرة.
أفغانستان مثلت دائما أهمية خاصة للمجموعة، فالدولة (المنهارة) تتحكم فى مفاصل الحركة البرية فى وسط آسيا، وتقطع القارة فى نقطة محورية، وتمنع استكمال أى مشروعات ربط بين الشمال والجنوب (أى بين روسيا والهند) أو بين الشرق والغرب (أى بين الصين وباكستان)، وربما كان هذا الموقع هو العامل الأساسى فى تفضيل الدول الغربية بقاء الوضع على ما هو عليه، دون التحرك الحقيقى لحل الأزمة الأفغانية منذ عقود (فضلا عن دفعها لمزيد من التعقيد).
فشل الوساطات الصينية فى حل الأزمة فى أفغانستان أكثر من مرة، وعدم قدرة «روسيا بوتين» على استعادة الدولة (الممر) أمنيا وسياسيا، جعل البحث عن بديل لها أمرا إجباريا، مهما كانت تكلفته، من أجل تسهيل التجارة بين دول المجموعة ولو إلى حين.
الحاضرون الجدد واستراتيجية القمة الأخيرة
القمة الأخيرة التى حملت عنوان «بريكس بلس» تختلف عن القمم السابقة فى موضوعها، بعد نفى المنظمة فى قممها السابقة نيتها التوسع فى العضوية، وهو ما خالفته هذا العام، كما أن طبيعة الضيوف الذين تم استدعاؤهم للقمة تختلف أيضا.
بدأ حضور الدول غير الأعضاء فى «بريكس» لقممها فى عام 2014  وتكرر فى القمم التالية فى 2015 و2016 واتسم اختيار الضيوف بكونه يقوم على جمع دول الجوار للدولة المضيفة، بما يقصره على تمثيل منطقة معينة.
ففى قمة البرازيل عام 2014 - التى شهدت أول حضور لغير الأعضاء- اقتصر الضيوف على دول أمريكا اللاتينية فقط، وفى قمة روسيا 2015 لم يحضر سوى دول الجوار الروسى بالإضافة إلى باكستان وإيران، أما فى قمة الهند 2016  فحضر جميع الدول المجاورة للهند باستثناء باكستان.
اللافت للنظر هذا العام هو أن الدول الحاضرة وهى (المكسيك ومصر وتايلاند وطاجيكستان وغينيا) لم تكن ممثلة لدول جوار الصين، كما حدث فى القمم السابقة، كما أنها لا تعبر عن رقعة جغرافية محددة، بالإضافة إلى حمل القمة اسما لافتا هو «بريكس بلس»، والحديث بوضوح عن توسيع العضوية لأول مرة منذ عام 2010.
ورغم انتهاء القمة دون الإعلان عن انضمام الدول الضيوف إلى كيان المنظمة فإن اختيار هذه الدول وتوزيعها على الخريطة، يعكس الطبيعة «الجيو-استراتيجية» لاختيارهم لحضور هذه القمة الاستثنائية.
فالمكسيك تعد اختراقا مباشرا للإقليم الذى تهيمن عليه الولايات المتحدة، كما أنها اقتصاد عملاق، يهيمن على منطقة أمريكا الوسطى، ويعنى حضورها لقمة «بريكس» واحتمالية انضمامها مستقبلا لعضويتها، تغييرا هائلا فى موازين التجارة العالمية، إن استطاعت الدول الخمس إنفاذ تجارتها إلى الفناء الخلفى لأمريكا.
ويعكس حضور مصر أهميتها المتزايدة على خارطة المنظمة، بعد نجاحها فى «إعادة التموضع» على مشروع «الحزام والطريق»، الداعى إلى إحياء طريق الحرير القديم، عن طريق تطوير المنطقة الاقتصادية لقناة السويس الجديدة، ما جعلها نقطة متميزة لتجميع وتوزيع التجارة بين دول المجموعة والاتحاد الأوروبى والمنطقة العربية.
أما حضور تايلاند، فيعبر عن التقارب اللافت فى السنوات الأخيرة بين الصين والهند، خاصة مع خطة الصين لاستكمال شبكة السكك الحديدية فى منطقة الهند الصينية، بهدف الوصول إلى السواحل الغربية للمنطقة، ما يختصر المسافات بينها وبين توسيع تجارتها مع السواحل الشرقية لشبه القارة الهندية.
على الجانب الآخر، يأتى حضور طاجيكستان معبرا عن خيبة أمل المنظومة فى السيطرة على الممرات الاستراتيجية فى أفغانستان، ما جعلهم يختارون جارتها الشمالية بديلا عنها، لتمرير خطوط التجارة مؤقتا، رغم عدم تمتعها بنفس المميزات الجغرافية.
الأمر نفسه يبدو فى حضور دولة غينيا كوناكرى الصغيرة للقمة، فيمكن اعتبارها خيار الضرورة بالنسبة للمجموعة، نظرا لكونها لا تتمتع بميزات استراتيجية أو اقتصادية كبيرة، غير موقعها كنقطة ارتكاز غرب إفريقيا، محطة المجموعة فى الطريق إلى البرازيل، وهو الدور الذى يأتى بديلا لنيجيريا الغائبة على الأرجح.