الإثنين 20 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

«الكنز»: ثلاثية الزمن.. الوطن.. الحب

«الكنز»: ثلاثية الزمن.. الوطن.. الحب
«الكنز»: ثلاثية الزمن.. الوطن.. الحب



سينما المخرج

7 أعمال استعرضت منتجاتها السينمائية فى موسم الأضحى 2017، انتصر فيلمان وانكسرت أجنحة الأفلام الخمسة الأخرى بحساب الإيرادات.
المفارقة أن الأفلام التى تحولت إلى أيقونة فى سينما الأضحى تراجعت ليتأكد فساد مقولة الجمهور عايز كده.
«الكنز» و«الخلية» كسرا قاعدة المألوف والسائد فى هذا الموسم واعتياد حشر راقصات وأغانى مهرجانات بشعار «رقصنى يا جدع» ليثبت الجمهور على أرض الواقع أن مزاجه العام اعتدل واتجه إلى معدله الطبيعى بالتوازى مع حرب الاستنزاف التى تقودها الدولة للقضاء على الإرهاب والمتطرفين وخلق قاعدة راسخة لمصر الجديدة والعظيمة والقوية.
المفارقة الأكبر أن نجوم «الكنز» كانوا أحد الأسلحة الفتاكة التى استخدمها السبكى قائد فرق التمرد السينمائى للسيطرة على سينما العيد وجاء اليوم فى هذا الموسم الذى يستخدمهم صناع السينما كسلاح لمكافحة الفساد السينمائى الذين كانوا أحد أسلحته الرئيسية.
«سعد» و«رمضان» نجوم الإيرادات فى سينما الأنس والفذلكة هما أنفسهما نجما سينما الأندرويد و4G ليس فقط لاستعراض تاريخ مصر بذكاء بل لإثبات موهبتهما بينما سقطت صافيناز وبرديس والليثى وإخوته ومعهم على ربيع فى بحساب الأرقام وبالتوازى مع سينما العيد تواصل السينما المستقلة كفاحها المقدس للاستحواذ على أرضية للاستمرار والمقاومة من خلال فيلم «البؤس» وهو فيلم روائى قصير يلخص أزمات الجيل الرابع من الشباب، الفيلم بحساب «السوشيال ميديا» حقق أعلى نسب مشاهدة فى مواقع التواصل الاجتماعى فى مشهد يستحق التأمل والدراسة.
فى أغسطس النارى عادت سينما المخرج لتقول كلمتها مرة أخرى سواء على مستوى الكبار شريف عرفة وطارق العريان أو مستوى القادمين من الخلف لتأكيد أن السينما الجميلة لسه ممكنة.
روزاليوسف
يقول المخرج الروسى «آندريه تاركوفسكى» فى كتابه «النحت فى الزمن»: «الفن يُعبر عن الحرية المطلقة، فالفن كان دائماً سلاح الإنسان ضد الأمور المادية التى تهدد بافتراس روحه، الفن كان يجسد المُثل الأعلى، وكان مثالاً للتوازن التام بين المبادئ الأخلاقية والمادية، وكان بُرهاناً على حقيقة أن مثل هذا التوازن ليس خرافة.. لقد كان الفن يعبر عن حاجة الإنسان إلى التناغم واستعداده لأن يشن الحرب ضد نفسه».



لهذا ليس غريباً أبداً أن تهتم «حتشبسوت/هند صبري» بحُلم مهندسها المعمارى ومُدير أعمالها «سنن - موت / هانى عادل» ببناء معبد يصل بين الأرض والسماء، بين الموت والحياة، بعدما أُعجبت بتعليمه للأطفال أهمية الفن والعِلم.. بل أن يقع رئيس القلم السياسى «بِشر / محمد سعد» فى عهد الملك «فاروق» رغم جبروته وشِدتهِ فى حُب مُطربة الملهى الليلى «نِعمات / أمينة خليل» بعدما أسرتهُ بصوتها وفنها قبل جمالها، بل إنه يساعدها فى تحقيق حُلمها.. بل إن «حسن / أحمد حاتم» الذى يعود لمصر فى عام 1975 بعدما درس علم المصريات، ورغم كرهه لكل شيء، ورغبته فى بيع المنزل والرحيل، حتى من ذكريات وتاريخ والده «بِشر»، فإنه يفرح كثيراً برؤية «نِعمات»، التى لم ينسَ حنانها ورِقتها معه، بل إنه يُقرر أخذها معه للخارج لِلعِلاج، حتى يعود صوتها الجميل ولأن يسمعها تغنى.. وبالإزاحة يبدو أن المَغنواتى أو من يَحكى قصة البطل الشعبى الشهير «على الزيبق / محمد رمضان» فى مواويل من إلهام وجوده هو الآخر، رغم ما يحمله هذا فوق طاقة الفيلم ذاته وليس فوق طاقة الكِتابة!.
فِيلم «الكِنز» يلعب فى أربع فترات زمنية مُختلفة، ورغم ما تحمله كل فترة زمنية من ثُقل، فإنه لا يمكن قياس هذا على مستوى الأحداث فحسب، بل أيضاً على مستوى ما تحمله الأحداث من دلالات وإشارات ونتائج نلمسها حتى اليوم، فمشهد «محمد أنور السادات» الذى سُجِن مع «شقيق بِشر / هيثم أحمد زكي»، والأخير قد تحول من مُدمن للمخدرات إلى مُرِدد لِعبارة «الإسلام هو الحل» له نتائجه التى مازلِنا نعيشها حتى اليوم!.. بل إن مشهد التحقيق مع «السادات» مِن قِبل «بِشر»، ورأى «السادات» فى ضرورة التغيير لأن هذه هى سُنة الحياة لها أيضاً نتائجها، التى قد تتفق أو تختلف معها، لكنه فقط يعرضها، ويترك لك حرية الاختيار، لكن يجب ألا تُكابر عندما تختار الخطأ كما قالها «بِشر» لمساعده «عبدالعزيز/ أحمد رِزق».. لكن هذا بالطبع لن يحدث!.
الوطن.. مصر.. كل شيء يبدأ منها وينتهى إليها .. فبعدما يأمر «الكلبى / عباس أبو الحسن» بقتل «حسن راس الغول / محمد رمضان»، فيوصى الأخير زوجته بضرورة الرحيل هى وابنهما «على الزيبق» إلى مصر، التى وصفها بأن أهلها كِرام وأنها المحروسة.. بل إن «على الزيبق» بعدما يكبر يجمع «الشُطار» أو أعوان والده القدامى لأنه يرغب فى الانتقام لوالده، لكنه لا ينسى محاربة الفاسدين والدِفاع عن الضُعفاء من أهالى مصر.. وترفض «زينب / روبي» رغبة والدها «الكلبي» فى ترك مصر لأن هذا هو وطنها الذى تربت فيه وتعرفه.. ويحارب «بِشر» أعداء الوطن مثل «السادات» لحمايته والحفاظ على النظام كما يراه.. ويحارب «السادات» من أجل التغيير لصالح الوطن كما يراه برؤيته.. وينضم شقيق «بِشر» للإخوان المسلمين لأن هذا هو سبيل خلاص الوطن كما يراه هو الآخر.. و«حتشبسوت» تقف فى وجه الكهنة حتى لا يروها مجرد امرأة ضعيفة، بل وتُسيطر تماماً على زوجها «تحتمس الثاني»، لتُلقب نفسها بـ«الفرعون»، فهى لسان الحاكم «تُحتمس الثاني» ويده وكل شيء، وحينما يلومها «تُحتمس الثاني» بعدما أخذت ولده «تحتمس الثالث» من محظيته لتُربيه هى، فكان رد «حتشبسوت» إنها تفعل ما تفعله من أجل الوطن.. حتى «حسن» الذى قرر فور قُدومه أن يرحل من الوطن، يجد نفسه ينغمس أكثر فأكثر كلما بحث فى تاريخ الوطن وفى الكنز، ورغم أنه يحكى لخادم المنزل «قادم» عن شعوره بالاغتراب وأنه ليس له جذور، فإن «قادم» يخبره بأن «الأصل غلاب»، وأصل «حسن» هو الوطن .
لكن لا تتم الأُمور هكذا من أجل حب عُذرى للوطن فحسب، بل هناك حب مُعقد آخر يدور، رغم استحالته.. فـ«حتشبسوت» تُحب «سنن - موت»، رغم أن الأخير من العامة وهى زوجة وإله!.. و«على الزيبق» يحب «زينب»، رغم أنها ابنة «الكلبي» قاتل والده، بل إن «الكلبي» يسعى لقتله أيضاً وفقاً لنبوءة عرافة!.. و«بِشر» يُحب «نِعمات»، رغم أنه رئيس القلم السياسى وأن الملك شخصياً قد أمره بترك هذا الحب الذى لا يليق.. و«بِشر» يبدو أنه يحب شقيقه، لكنه يأمر بسجنه!.. والقدر فى الوقت ذاته يُحذر أبطاله، لكن هم مَدفوعون بشكلٍ ما نحو مصائرهم، فـ«على الزيبق» الذى يحذره «شيخ غامض/ عبدالعزيز مخيون» من محاولة البحث عن الكنز، يجد أن والدته تعطيه إرثاً قديماً فرعونياً لوالده حتى يرهنه ويصبح تاجراً، وهو شبيه كثيراً بما وجده «الزيبق» صُدفة وهو صغير، أى الكنز، والذى يبدو أنه سيشده إليه مجدداً بشكلٍ ما.. ورغم تحذيرات ونصائح «معلم حتشبسوت/ عبدالعزيز مخيون» لـ«حتشبسوت»، فإن «حتشبسوت» لا تستمع لنصائحه بشأن قلبها وحبها لـ«سنن - موت»، وتُكابر أكثر فأكثر، لكنها لا تستطيع تجاهل هذا الحب فيما بعد.. ورغم أن «الرجل العجوز / عبدالعزيز مخيون»، الذى سُجِنَ مع «السادات» و«شقيق بِشر»، وقوله إننا جميعاً مصريون ولا فرق بيننا لأننا فى النهاية «بنى آدمين»، لكن الأُمور تجرى وستجرى نحو ما حذر منه الرجل وكأنه لم يُحذر!.
يتشابك الفيلم عبر متاهة الإمكانات والاحتمالات، هذا إذن ليس «فيلم العيد»، بل «فيلم ثقيل»، ليس على مستوى الأحداث أو ربطها زمنياً فقط، بل بعلاقاته المعقدة، دعك بالطبع من الأسماء التى تحتويه ليس على مستوى الإخراج والكتابة فحسب لـ«شريف عرفة» و«عبدالرحيم كمال»، بل أيضاً على مستوى نجومه الذين يحتلون أفيش الفيلم.. لكن الفيلم فى الوقت نفسه يعمل بمنطق «الضِد» دون سببٍ ما، فرغم نجومية أبطال الفيلم، وأنهم قدموا أدوارهم بشكل جيد إلى حدٍ ما، فإن ما سيعلق معك من أبطاله هم نجوم الأدوار الثانوية أكثر، فباستثناء «محمد سعد»، فمثلاً يتميز «محيى إسماعيل» فى دور «كبير الكهنة»، و«محمد السُني» فى دور «قادم» وهو صاحب الإفيه الشهير «فى أوروبا والدول المُتقدمة» فى فيلم «الإرهاب والكباب»، باستثناءات قليلة كـ«هانى عادل» الذى يقوم بدور «سنن - موت»، إلا أنه يقوم بدور «هانى عادل»!.
ورغم عُمق ما يصل إليه الفيلم على مستوى الكِتابة، فإنه يتفكك على مستوى الصورة والإيقاع، ويبدو فى فترات أن الفيلم يحمل نفسه فيما فوق طاقته!.. فمثلاً دور الأغانى فى الفيلم قد أتت فى لحظاتٍ لصالحه وأخرى العكس، كدور الحكواتى لـ«على الزيبق»، والذى كان ممكنا الاكتفاء بصوته فقط دون ظهوره، أو كـ«المونولوجست / أحمد أمين» والذى كان دوره مهماً فى لحظات للربط بين الأحداث إلا أن أهميته تخبو فى لحظاتٍ أخري!.. لهذا الفيلم يبدو أكثر تماسكاً فى نصفه الثانى عن نصفه الأول، الذى كان من الممكن أن يُعزز لو كان أداء أبطاله أفضل قليلاً.
ويجب أن نعترف أنه مع الأسف هذا فيلم تكرهه دور العرض السينمائية لدينا، فتصنيف الفيلم كـ«تاريخى فانتازي» كفيل بهذا، تستطيع بسهولة أن تشهد بهذا عند قطع التذاكر، حيث إن الموظف يشكو من طول مُدة الفيلم التى تقترب من الثلاث ساعات، بل إنك قد تجد عائلة حاولت أن تُخير نفسها بين الرغبة فى مشاهدة «الكنز» وفيلم آخر، ولا يكون أمامهم سوى الموظف، وبالطبع الرد معروف ولا حاجة لتخيله!.
هذا كله يجعلك تتساءل: لماذا لم يفكر صُناع الفيلم فى استغلاله فى عرضه فى المهرجانات قبل عرضه تُجارياً؟.. هى حيلة تنجح، خصوصا مع جمهور لا يعترف بالسينما سوى أنها مكان للنُزهة وأخذ أولادهم الرُضع فى فيلم مثل «الكنز» وأكل الفِيشار!.. ولنا فى فيلم La La Land  إسوة، الذى شجع الجمهور المصرى على الذهاب لمشاهدة فيلم تصنيفه بأنه «استعراضي»!.
هى تجربة خطرة.. لكن لا  يمكن أن تمر هكذا أو محاربتها.. لأنه ببساطة ما الحاجة للفن إن لم يكُن هناك تجريب؟!.. لك الحق فى إما أن تُحبه بشدة أو تكرهه بعنف، لكن هذا لا يُنكر أبداً أهمية الحاجة للتجريب.. لكن يظل السؤال المُقلق: هل يُمكن للجمهور الإقبال على جُزء ثانٍ من فيلم تصنيفه ليس مُرحباً به بل وبعدما ستمر فترة على مشاهدة جزئه الأول؟.. إنها محاولة أخرى للتجريب.. لننتظر ولنرَ.>