الإثنين 6 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

فصحى تركب التوك توك

فصحى تركب التوك توك
فصحى تركب التوك توك


أحمد مجدى همّام
 
رحلة كتاب

 
تنشغل هذه الزاوية التى تستحدثها «روزاليوسف» بصوت الروائى أو المبدع نفسه. صُورة مقرّبة ولصيقة أكثر للعمل. صحيح من الهُراء أن يشرح كاتب عمله، هذا تبسيط مُخلّ. لكن الفكرة هنا تُركّز على ما يمكن تسميته بـ«كواليس الكتابة»، أحيانا هناك ما يودّ الكاتب قوله خارج عمله عن عمله. شهادة ذاتية، إنسانية أكثر، يصف فيها الكاتب رحلته الشخصية فى عمل ما، منذ كان فكرة برقت فى ذهنه وخياله وحتى مراحل البحث والكتابة إلى خروجها للنور فى كتاب. رحلة تحفظ بصمات الظرف التاريخى والاجتماعى والسياسى والإنسانى والشخصى والإبداعى الذى صدر فى أعقابه هذا العمل الأدبى.


ذهبت إلى بيروت صحبة تسعة كتّاب شباب عرب، ضمن منحة الصندوق العربى للثقافة والفنون «آفاق» لكتابة الرواية. وفى لقائى الأول به، انتقد مشرف الورشة جبور الدويهى اختيارى لمشروع عن عربستان الأحواز يحتاج إلى السفر والبحث ويخلو من خبراتى الشخصية ولا يتماس مع خلفيتى الثقافية، أو ما أسماه الدويهى (اليحمور).



حينها انزعجت وشعرت أن الدويهى يظلمنى بشكل مسبق، لكن بعد أن عدت إلى القاهرة، وتأمّلت الأمر، وجدته مصيبًا بشكل أو بآخر، وهكذا قررت أن أكتب رواية مبنية على خبرات ذاتية، تغرف من وحل الواقع. وكتبت عدة فصول قصيرة بالفعل، ونالت رضا جبور وأشاد بها، وهكذا بنيت على تلك الفصول وعلى اقتراح جبور الدويهى.. فكانت عيّاش.
استغرقت «عيّاش» فى كتابتها مدة سنة، وهى الفترة المتاحة من قبل الورشة وآفاق، وشخصيًّا اندهشت من قدرتى على إنتاج عمل فنى وفقًا لجدول مسبق، ولا أعرف إن كان بوسعى أن أكرر ذلك أم لا.
عيّاش هو اسم البطل، وهو أيضًا صفته، فهو شخص يفعل أى شىء لكى يعيش. وقد احترت كثيرًا قبل اختيار العنوان، وشاركتنى ناشرتى النشيطة رانيا المعلم تلك الحيرة، حتى استقرت على ذلك العنوان. لاسيّما أن الكلمة نفسها تعنى فى لهجات المغرب العربى (الهتّيف)، بينما يحيلها الشوام مباشرة إلى الشهيد الفلسطينى يحيى عيّاش، وقد أعجبتنى تلك المفارقة!
فى عيّاش، لم أراهن على الحكاية نفسها ولا الدراما، لم أراهن على البناء، ولا على تقنية الحكى، واخترت أن أحمّل الرهان كله على الأسلوب، الصوت، النزول بالفصحى إلى موقف التكاتك والميكروباصات، الغوص فى المحلّى ببذلة اللغة الفصيحة.. كيف ستكون النتيجة؟
حاولت أن أمسك القارئ من أذنه، مثل أى ثرثار يأكل أذن جليسه فى المقهى الشعبى الرخيص، انتصارات تافهة وانكسارات رخيصة.. أردت للرواية أن تشبه القاهرة بكل تجلّياتها، بفخامتها ورداءتها.
عاينت كواليس عالم الصحافة فى مصر، وكيف تطبخ الأخبار وغيرها فى صالات التحرير، والطرق التى يستطيع بها مديرو التحرير ومسئولو التحرير تغيير مسار خبر ما من اليمين إلى اليسار والعكس. أردت أن أقدم كواليس هذا العالم، كما عاينتها، مضافة إلى عنصر التخيل.
وبالتوازى، للفساد الذى ينخر فى الصحافة، أردت تقديم معادل له، عن الفساد الذى ينخر فى النفوس مثل السوس، وكانت إصابة البطل عمر عياش بالناسر الشرجى منفذى لذلك. هكذا سعيت لتقديم تلك المعادلة، بروح تراوح بين السوداوية، وبين الظرف أحياناً، لأن الكثير من الأمور التى حولنا لا يمكن أن نأخذها على محمل الجد، وإلا لأصبنا جميعًا بالجنون.
روح اليوميات أيضًا كانت حاضرة بقوة، الحقيقة أن كل ما كُتِب فى عياش هى يوميات البطل، لذلك جاءت الفصول قصيرة، لكنها كثيرة ومتعاقبة.
عيّاش محاولة لتقديم تاريخ خيالى موازٍ، صحيح أنه خيالى، لكنه مبنى على جذور واقعية تمامًا، وأتمنى أن أكون قد وفقت فى ذلك.