الأربعاء 8 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الثقافة.. وردة فى عُروة الحكومة!

الثقافة.. وردة فى عُروة الحكومة!
الثقافة.. وردة فى عُروة الحكومة!


الثقافة عنصر رئيسى فى نظرية القوة الناعمة كما قدّمها تعريف «جوزيف ناى». ماذا يمكن أن يعنيه مصطلح «ثقافة الدولة»؟ وما مكان الثقافة من الدولة كقوة ناعمة؟
يمكن استنباط الإجابة عن هذا السؤال، بعدما نختبر فى البدء أشكال وصور الثقافة فى دولة كمصر، وحجم ما يتم تطبيقه أو اجتيازه منها فعليا، ومنها: حجم الصادرات الإبداعية، عدد الأفلام المشاركة فى المهرجانات الدولية، عدد المتاحف والزائرين لها، عدد الجامعات فى التصنيف الدولى، وعدد الطلاب الأجانب، والأبحاث المنشورة فى الدوريات العلمية العالمية، عدد مراكز التفكير، وحجم الإنفاق على التعليم ونسبة الأميّة. هناك أيضا مؤشّر الحُريّات العامة، ودرجة الشفافية، والمساواة بين الجنسين، والعدالة الاجتماعية، ودرجة الثقة فى الحكومة.
والآن هل توصّلْتهم لإجابة؟!

يمكننا أن نعود بالحقبة الزمنية إلى الوراء سنوات، لأكثر من نصف قرن؟ تجربة مصر مع تأميم الثقافة طويلة وحافلة بالتجارب والدروس. يُحاول المثقف، طوال التاريخ، الفوز فى معركة الوجود، بعدما استفاد من ظروف نشأة الثقافة فى ظلّ الحاكم. كانت الثقافة وظيفة مُلحقة بوزارة «الإرشاد القومى» التى أُنشأت عقب ثورة يوليو، وكانت تتولى مهام ما أصبح يُعرف قبل وقت قليل بـ«وزارة الإعلام». إلى أن أنشئت وزارة الثقافة عام 1958.
يُعرف فى عهد ثروت عكاشة، أوّل وزير ثقافة مصرى، أنه العهد الذى نزلت فيه الثقافة إلى ساحات الشعب. أو أتاحت لجميع قطاعات الشعب كل أنواع الثقافة. وفى عام 1959 أسّست الدولة «قصور الثقافة»، لتسمح بذلك بتقديم الأعمال الفنية لقاطنى المحافظات والقرى فى مصر. فى نفس العام أطلقت الدولة مشروعها لدعم السينما بـ«مؤسسة دعم السينما»، وبحسب ما جاء فى مذكّرات عكاشة، كان أوّل بند فى ميزانية الدولة يُخصّص للسينما يُقدّر بنحو 241300 جنيه. وفى السينما قُدّمت فى هذه الفترة وما تلاها، روايات وأعمالاً أدبية رائدة.
امتدّت خيوط التاريخ على استقامتها، ولا تزال الثقافة ترِث تركة الماضى بكل ما فيها من مميّزات وعيوب.
هُنا نطرح تصوّرين متناقضين فى النتائج، حتى إن اتفقا على تلخيص وضع الثقافة والمثقفين كإحدى ركائز مصر فى قوّتها الناعمة. تصوّر يضع الدولة فى صدارة المشهد ويطالبها باسترجاع دورها واستلهام تاريخ من ماض رائد. وتصوّر آخر يُطالب الدولة بأن ترفع يدها عن الإنتاج وتدّخر جهودها فى الدعم. يجد هذا التصوّر الحل فى تنحية الدولة عن عمليات الإنتاج الثقافى، وتتحوّل منافذها عوضا عن ذلك إلى «ساحة لكل الفنون والأطياف».
السؤال كان: لماذا تخسر الدولة قوّتها الناعمة من المثقّفين؟ وكيف تستعيد الدولة المصرية دورها الرائد فى تصدير الثقافة؟ يُجيبنا الكاتب الروائى حمدى أبو جليل برؤيته المطالبة بتوقّف وزارة الثقافة المصرية عن التدخّل كفاعل رئيسى، لتتحوّل إلى «حاضن للفاعليات والعمليات والتفاعلات الثقافية».
يرى أبوجليل أن وزارة الثقافة أبعد مُنتجها عن الجماهير. هى غير مُتمكّنة من الإنتاج الثقافى الحُرّ، لأسباب كثيرة ليس أقلّها أنها تعمل بأموال الشعب، وهذا سبب عضوى مُعيق كما يشرح. وأسباب أخرى لها علاقة بالسياق الذى تأسّست فى أعقابه وزارة الثقافة المصرية، وأصبح بمثابة دستور مُؤسّس. فيما مضى، والكلام على لسان أبو جليل، كانت وزارة الثقافة بصدارة الرَجُلين، فاروق حسنى وجابر عصفور، تشتغل لصالح الثقافة والمثقّفين، إنما على المستوى الرسمى فقط. ويسأل: «هل فى نيّة الدولة اليوم ترشيح كاتب على شاكلة صُنع الله إبراهيم لجائزة الدولة، كما حدث فى الماضي؟».
يقترح صاحب «لصوص متقاعدون» أن تتوقّف وزارة الثقافة عن الإنتاج الثقافى وتتحوّل إلى «قاعة عرض». تُصبح ساحة لكل أنواع الفنون: «كل فيلم يُنتج فى مصر بأى وسيلة، يكن له نصيبٌ من العرض فى وزارة الثقافة». وهذا من وجهة نظره يحتاج إلى تشريعات، تنصّ على أن تكون وزارة الثقافة المصرية وزارة «خدميّة» فى المقام الأوّل، تُدير المال فقط، بحيث تُصبح مُوزّعًا للكتاب، مُوزّعًا للمسرحية. يُمكن وصف طموح أبو جليل عن وزارة الثقافة الأقرب إلى الإنتاج الثقافى الحقيقى الملموس؛ هو أن تكون أشبه بـ«شركة للاستثمار الثقافى».
يُتابع أبو جليل: «النظام الحالى، ليس ضد الثقافة الجماهيرية. وربما يكون السيد عبدالفتاح السيسى أوّل رئيس لمصر يأتى على ذكر الثقافة الجماهيرية فى إحدى خطبه. وأتعجّب؛ المسئولون بعد رئيس الجمهورية لا يعرفون شيئا عن الثقافة!» ويُضيف: «ماذا كان من المُنتظر أن يحدث بعد تأكيد الرئيس على أهمية الثقافة الجماهيرية وقصور الثقافة فى مجتمع مثل المجتمع المصري!».
يَزيد من دهشة الكاتب الروائى، تكوين المجلس القومى لمقاومة الإرهاب بلا مُمثّل للثقافة! يلوم حمدى أبو جليل غياب وزير الثقافة من عضوية مثل هذا المجلس، ويقول: «يجرى تجاهل متعمّد للثقافة مع أنها أساس للتنمية، يعمل من الإسكندرية إلى أسوان».