الأحد 25 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي

حرية الإبداع أساس «النهضة»

حرية الإبداع أساس «النهضة»
حرية الإبداع أساس «النهضة»



السيد الرئيس الدكتور محمد مرسى المنتخب .. مبروك لمصر رئيسها المدنى.
أكتب إليك رسالتى هذه وأنا لن أرحل عن مصر مثل بعض أهل الفن الذين أعلنوا الرحيل لمجرد انتصار جماعة الإخوان المسلمين فى الانتخابات العامة.
فالفن عمل محلى وطنى يفقد قيمته ومعناه إذا رحل صاحبه لمجتمع آخر.
فالفنون ليست مثل الهندسة والطب مهنة يمكن ممارستها فى أى مكان.
 
 
إن عمل الفنان يقوم على قراءة وفهم وتفسير أهل مصر البسطاء وأصحاب الملايين، المتدينين واللصوص، الطيبين والعاهرات، الأذكياء والجهلاء، الأقوياء والضعفاء، أهل الريف والمدن.
 
الذين يرتدون النقاب والحجاب والجلباب، والذين يرتدون ملابسهم العصرية ويطلقون لحاهم، ولا يطلقونها.
 
ولك أن تعلم أن مسألة الثقافة والفنون فى مصر مسألة محورية، خاصة أن النظام السابق قد ساهم فى وجود جماعات فنية محظورة، تم التعتيم عليها ومارس معها الإقصاء والنفى والمنع.
 
هل تعرف الكاتب الذى كان محظورا عندما رفض استلام جائزة الدولة التقديرية لأنها تصدر عن نظام قمعى يسلب مصر ثروتها وحريتها؟! إنه صنع الله إبراهيم.
 
هل تعرف مدى كراهية النظام ورأسه بالتحديد ليوسف شاهين المخرج الراحل؟!
 
هل تعلم الحروب المهنية التى عانى منها كل من اهتم من أهل الفن بالذوق السليم والموضوعية فى تحليل أحوال المجتمع المصرى والتى بلغت شراستها أبعد مدى بالزج فى السجون عبر القضايا الملفقة وإهدار السمعة الشخصية والتجاهل الإعلامى المتعمد؟!
 
هل تعلم شبكة المصالح ذات المال الخليجى الذى دمر الغناء الجميل فى مصر لصالح الفيديو كليب العارى من كل ما هو جميل؟!
 
لم نكن نعيش إطلاقا فى عهد حرية الإبداع، إذ قام النظام السابق بحصار الفن الجاد الحقيقى، فى مصر حصارا محكما، فى إطار التراجع العام لدور مصر فى الوطن العربى والذى كان الإنتاج الفنى والأدبى والثقافى فى مصر يشكل جوهر هذا الدور الذى حرص عليه نظام يوليو 1952 حتى أوائل الثمانينيات.
 
ظلت مصر تقاوم هذا الانهيار التدريجى حتى قيام ثورة 25 يناير.
 
وهى ثورة ذات مرجعية مدنية عبرت عن ثقافة المجتمع المدنى المصرى، الذى انتصر بينما فشلت كل جماعات العمل السياسى السرى ذات المرجعية الإسلامية بمفردها فى أن تزحزحه قيد أنملة.
 
إنه نفسه المجتمع الذى اختار محمد مرسى مرشح جماعة الإخوان المسلمين ليصبح رئيسا لمصر.
 
إنهم أهل المهن والطوائف جميعهم الذين حرصت على ذكرهم فى خطابك الأول، إنها أقاليم مصر كلها التى تكد وتتعب ثم تضىء ليلها بالفن، وتطهر روحها بالثقافة.
 
إنها مصر الخلاقة التى حاولوا تشويه إبداعها عبر نجوم المؤامرة التى تتكون من الجهلاء والتجار وصناع سياسات التغييب والإلهاء.
 
والتى اعتمدت على ثلاثية الضحك الفارغ الخشن وتكريس النماذج العشوائية التى تقترب من حد البلاهة، ثم الجنس كهدف فى حد ذاته، ثم نماذج العنف والقوة للحصول على المال.
 
إنهم هؤلاء الذين حاولوا سرقة الفن المصرى لخلق جيل جاهل فكانت المفاجأة أن أدار لهم هذا الجيل ظهره وكان شرارة الثورة وقوتها الأولى.
 
يوجد فى مصر أول دار أوبرا فى المنطقة وأول وأهم بلاتوهات لصناعة السينما التى كانت مصدرا لتجار الفن الجميل كى تصبح واحدة من أهم مصادر الدخل القومى فى مصر الملكية بعد عائدات تجارة القطن.
 
ولكن لأن مصر لا تزرع القمح الذى تأكله هكذا أراد لها النظام السابق، فكان أن خطط لسرقة روحها الفنانة المبدعة لتفقد القوت والروح المثقفة الواعية.
 
ثق أنها غير مهيأة لأن يتم مسخها، ثم إن كل أهل مصر البسطاء بنمط حياتهم المحب للحياة لن يحتمل النمط الخليجى الوهابى القائم على انفصام الظاهر المنضبط والسرى الخاص الذى لا يراه أحد، مصر لا تعرف إلا أن يرقص رجالها بالعصى ويمارسوا التحطيب فى أفراحهم الريفية، ويغنى النساء فيها بكل طاقة البهجة.
 
مصر بها أول أكاديمية للفنون ليس فى العالم العربى فقط، بل فى الشرق الأوسط كله ككتلة إقليمية وبها أساتذة أفنوا أعمارهم فى علوم المسرح والسينما والموسيقى مثلما أفنيت عمرك فى تعلم الهندسة وتعليمها، ولكن تجار الفن حاربوا خريجيها وأهل الجهالة مارسوا معها الإقصاء والإفساد لصالح فنون الرداءة.
 
أنا لن أحدثك عن الحلال والحرام كمعيار للقيمة الفنية أبدا، فقط سأذكرك بأن التيار الأكثر تشددا الذى أحرق محال بيع شرائط الفيديو فى صعيد مصر وطارد الفرق الموسيقية والمسرحية فى الجامعة ألا وهو الجماعة الإسلامية قد أعلن بحضور د. ناجح إبراهيم والشيخ كرم زهدى بعد شهر واحد فى ندوة لـ «روزاليوسف» أن الفن شأنه شأن كل مناحى الحياة حلاله حلال وحرامه حرام.
 
إنه النضج بعد تجربتهم الطويلة، وقراءتهم للفقه الإسلامى، هل تعلم أن كرم زهدى عمل مخرجا مسرحيا وقدم مسرحية لليسارى المسيحى ألفريد فرج؟ هذه هى مصر التى نريدها.
 
مصر التى ذهبت لتفتح باب المعتقل، وسعت جميعها لقاعة المؤتمرات للاحتفال بخروج خيرت الشاطر من السجن.. أذكرك كنت هناك وكان معى جورج إسحق وحمدين صباحى وعدد كبير من الفنانين الشبان الذين هم مستقبل الفن فى مصر، كان القساوسة ورجال الأزهر هناك، قبل أن تبدأ الجماعة «جماعة الإخوان» المغالبة، وقتها أعلن الشاطر أن الجماعة لن تزيد نسبة مشاركتها فى الانتخابات البرلمانية على 30٪ من المجموع وأنها لن تشارك فى انتخابات الرئاسة، ولكنها غالبت وشاركت ووصلت للمحطة الأخيرة - كرسى الرئاسة - بوعود نصدقها رغم عدم تنفيذ الوعود السابقة، لأن مصر تفضلكم عن النظام السابق فلا مجال هذه المرة إلا لتنفيذ التعهدات والوعود وأحب أن أؤكد أن برنامج النهضة هو الوحيد الذى أشار لحرية الإبداع وللنهضة الثقافية فى إطار القيم التى يحترمها المجتمع.
 
وهنا حديث المجتمع، أى مجتمع؟
 
المجتمع المصرى المدنى الذى اختارك رئيسا.
 
المجتمع الذى يحن لمن يجدد له فقه الأمة، المجتمع الذى يحب الحق والخير والجمال وهى المشتركات الرئيسية بين الفنون والثقافة والأديان السماوية.
 
فهل نحلم بتفكير جديد يعيد إدماج الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى فى التشريع وفقا لما هو متواتر فى الدساتير المصرية ووفقا لدين الأغلبية والدولة المصرية الذى يحترم حق الإبداع؟!
 
إن النسق الأصولى الذى يرد كل شىء للماضى لن يصلح إطلاقا فأنت وأهل الإسلام ومصر كلها تحتاج لتطوير الفقه الإسلامى فى علاقة مع الحداثة وما بعدها فى عالم متغير، يعتمد الأنماط الانتقائية فى إدارة شئون الحياة اليومية ذات الصلة ببعضها البعض فى عالم يحترم الاختلاف، لكنه قرية واحدة صغيرة.
 
تجربة الغنوشى فى تونس تبتعد كثيرا عن الفقه الصحراوى.
 
مازالت تنضج، لكنها تستحق التأمل، والإبداع فيها عبر تطوير الفقه الإسلامى فى عالم معاصر متغير يؤمن بالعقل والإبداع والعلم والحرية.
 
ويضع فى اعتباره أن العدالة الاجتماعية التى تمثل ركيزة إزالة الفقر والحاجة المذلة عن روح ملايين من أهل مصر هى أول الطريق لمحاربة الجهل والتخلف وتأكيد الديمقراطية وسلامة الأخلاق والعقائد.
 
فالأخلاق تنضبط بمجرد رحيل الفقر قاهر الأرواح وصانع كل شىء مخيف، والبيئة الطبيعية لكل الشرور.
 
إن الفنون والثقافة فى مصر هى الأداة السريعة القادرة على إعادة العقل المصرى لتوهجه، إذ إن إصلاح مؤسسة التعليم سيأخذ وقتا طويلا، وهو الضرورة لحدوث النهضة التى نأملها.
 
والبدء بحصار الفن والثقافة فى مصر بشكل أخلاقى، سيفسد كل شىء فنى وثقافى، تجار الفن سيرحلون لمن يعملون فى خدمتهم فى الخليج أو سيحولون أموالهم لتجارة أخرى.. بمجرد عودة الدولة بقوة للإنتاج الفنى والثقافى الجاد وبمجرد الإنتاج الكبير للفن الجاد سينضبط كل شىء تدريجيا دون حصار السفهاء واللصوص والمتنطعين الذين انقضوا على الفن المصرى حتى أصبح مهنة من لا مهنة له، بينما غابت الأضواء عن أهل المهنة الأصلاء. إذا أردت نهضة اصنع لهم الإطار المناسب لعودتهم للإبداع، احرص على حريتهم المطلقة، واتركهم لضمائرهم وللمجتمع يحاكمهم.. لا رقابة نهائيا، كما فى كل أنحاء الدنيا، والمجتمع هو الذى يحاكم مبدعيه.
 
لا وجود لنهضة حقيقية دون عودة الدور الفاعل للفنون والثقافة فى مصر، فهى أحد أهم مصادر الدخل القومى لوجود ثروة مهدرة من المبدعين المصريين.
 
وهى أحد مظاهر الدولة الحديثة وهى إحدى مؤسسات المجتمع الضرورية وهى ملمح أساسى فى شخصية مصر وفى تكوين قوتها الناعمة التى تجعلها مؤثرة كبيرة صاحبة الدور الإقليمى المنتظر الذى ستعود إليه كبيرة منتصرة.وهكذا نحلم وهكذا نتمنى من أول رئيس مصرى مدنى منتخب، علها تكون بالفعل نهضة كبرى. 
 

صنع الله ابراهيم