الجمعة 16 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي

ترامب.. بلِّكنى شكراً!

ترامب..  بلِّكنى شكراً!
ترامب.. بلِّكنى شكراً!


يبدو أن الرئيس الأمريكى لم ينس بعد الأيام التى كان يجلس فيها أمام الفنانين أمثال «شارون أوزبورن» بصفته مضيف ورئيس برنامج «المتدرب» التليفزيونى حين كان «يقلب وشه» ويصرخ فى هيئة موظفيه التمثيلية «بعبارته الأثيرة» أنت مرفود.. يقال والعهدة على ضيوفه الموظفين من أبرز الأسماء الإعلامية والفنية أنه كان متغطرساً للغاية ونرجسياً ولديه بعض من لمحات جنون العظمة ولم يكن يقبل معارضة إطلاقاً، إذ إن أى بادرة اعتراض تعنى إثارة غضبه والتعجيل بفصل متسابقى البرنامج، وحسبما يقول هؤلاء ممن تنبأ بعضهم بأنه سيحتل البيت الأبيض فعلاً قبل حتى أن يفكر «ترامب» فى الترشح بنحو عشر سنوات، فإن الملياردير الأمريكى يعرف هذه السمات فى شخصيته جيداً ولن يمكنه كسياسى التخلص منها مطلقاً.

حسناً بعد أشهر قليلة من تولى «ترامب» الرئاسة من الواضح أن أحد أهم إنجازاته هى تحويل الأمريكان إلى «موظفين» لديه يمكنه فصلهم وقتما يريد ولو افترضياً حتى، فقائمة متابعى السوشيال ميديا الخاصة به لا تنفك «ترزع» مواطناً أمريكياً «بلوك» رئاسى من آن لآخر بسبب أو بدون سبب.
فى بادئ الأمر لم يصدق الكثيرون المسألة واعتبروها سقطة غير مقصودة من الفريق الإعلامى للرئيس، سيما وأن من تعرضواً للحذف أو المنع من متابعة «ترامب» هم مواطنون عاديون يبدون رأيهم فى قراراته أو حتى يعلقون على تصريحات إعلامية له، لكن تكرار الأمر وتوالى قرارات الـ«بلوك» أكدت أنه ما من خطأ فى الموضوع، بل إن «ترامب» شخصياً يتولى بنفسه «تبليك» المواطنين فى أغلب الأحيان.
لقاء البابا فرنسيس والرئيس الأمريكى الشهر الماضى ربما يشكل أول بوادر مذبحة البلوكات الرئاسية، حينما أرسلت متابعة أمريكية صورة «چف متحركة» على حساب شخصى للرئيس الأمريكى على تويتر يظهر فيها البابا ينظر له من زاوية جانبية بشكل يوحى كما لو كان ممتعضاً منه، وكتبت المستخدمة تعليقاً تقول فيه: «هكذا يراك العالم كله» فوجئت بعدها بنحو ساعة بأنها ممنوعة من التعليق على هذه الصفحة وأنها حجبت عن حسابها، واستمر الأمر بعدها بما يقطع أى شك فى وجود خطأ تقنى.
بعد أقل من أسبوع تساءل متابع عن سبب تراجع «ترامب» عن وعده بحضور «رالى بيتسبرج لا باريس» الذى كان قد سبقت إدارته الجمهورية الشخصية أن أعلنت عن تنظيمه فى محاولة لإعلان ثباتها على موقف «ترامب» من الانسحاب من اتفاقية باريس للتصدى للتغير المناخى بدعوى حماية المصالح العليا لأمريكا وشعبها، وكمحاولة كذلك لاحتواء الأزمة التى فجرها قراره هذا ضارباً عرض الحائط بإرادة مواطنى «بيتسبرج» أنفسهم المؤيدين بشدة للاتفاقية إلى حد تصعيد عمدة المدينة «بيل بيداتو» بإعلانه الانضمام إلى مؤتمر العمد المؤيد للاتفافية تضامناً مع رغبة مواطنى مدينته وحفاظاً على مصالحهم وحقوقهم فى حماية بيئتهم وضمان مستقبل صناعى أكثر أمانا لهم.
انسحاب «ترامب» من الاتفاقية بينما استغل اسم المدينة بفجاجة فى شعاره «أمثل بيتسبرج لا باريس» فيما جاء قراره مستهزئاً برغبة مواطنيها تماماً ثم عدوله عن حضور الرالى خوفاً من مواجهة معارضيه أو استخفافاً بهم جعلت متابعه «جو باب» يصفه بـ« الرئيس الفالصو» فى هاشتاج أطلقه فى نهاية تغريدته، ليلقى نفس مصير مواطنته بـ «بلوك» سريع من الرئيس الأمريكى.
بالنسبة لمسألة حجب أو منع أو «بلوك» مستخدم لآخر على السوشيال ميديا فالأمر لا يشكل قضية حقيقية، بل كثير ما يمر الأمر دون ضجة كبيرة، لكن أن يكون الرئيس الأمريكى هو الفاعل سيما فى بلد يتشدق بالحريات وحمايتها فيما لا يتحمل حرية افتراضية لمواطنيه، فالأمر بدأ يتخذ شكلاً أكثر حدة، إذ يراه مواطنون وإعلاميون وحقوقيون انتهاكاً مباشراً للدستور الأمريكى وبنده الأول الذى ينص على عدم دستورية أى إجراء من شأنه طرد مواطن أو منعه من ارتياد ساحة أو ميدان عام أو مكان حكومى عمومى لمجرد الخلاف أو عدم قبول آرائه السياسية الشخصية.
هذا المنحى التصعيدى مجدداً تسببت فيه هذه المرة أيضاً التصريحات الإعلامية لإدارة «ترامب» الجمهورية، إذ بدأت تعليقات تنتشر بين دوائر المحجوبين كرد فعل تصف الرئيس بضيق الأفق ومحدودية العقل وقصور التفكير السياسى وغيرها من التوصيفات التى لا يمكن بحال - على قسوتها - اعتبارها تنحدر إلى مستوى السباب مثلاً أو تداول ألفاظ بذيئة، إلا أن المسئول الإعلامى للبيت الأبيض «شون سبايسر» أطلق تصريحاً نارياً أكد فيه أن «تويتات ترامب تعتبر تصريحات رسمية لرئيس الولايات المتحدة الأمريكية» ومادام حسابه - شأن سائر الحسابات الأخرى - يتيح فرصة التعليق والرد فالبعض ربما يعتبره ضرباً من المنتديات النقاشية العامة.
من ثم فقد اتخذ معهد فارس الدستورى الحقوقى التابع لجامعة كولومبيا خطوة غير مسبوقة، حيث أرسل منذ أيام خطابا لمؤسسة الرئاسة الأمريكية يطالب بوضوح بمنح المواطن الأمريكى أحقيته فى ممارسة حرياته التى كفلها البند الأول للدستور الذى يقوم المعهد بالأساس على ضمانه، وخص المعهد فى الخطاب البيان حالتى المواطن «باب» صاحب تويتة الرالى والمواطنة «أوريلى» صاحبة تويتة الصورة سالفة الذكر.
وجاء فى تعليقات مسئولى المعهد - وهم من أصول عربية كما يتضح من الأسماء - أن هناك عشرات الحالات التى تقدمت للمعهد الجامعى بتمثيلها وكلها تعرضت للحجب عقب بثها لنقد صريح لسياسات الرئيس الأمريكى أو لأى من تصريحاته وهو ما يعد تمييزاً غير دستورى وانتهاكًا لحقوق المواطنة على أساس يقوض حرية الرأى وحق إعلانه.
يقول قانونيون كذلك إن للرئيس حسابين، كلاهما يمثله رسمياً وهو لا ينكر أيهما، أحدهما كثف استخدامه مؤخراً بعد توليه الرئاسة وهو يمثل الحساب الرسمى لمؤسسة الرئاسة الأمريكية، والآخر بعنوان دونالد  ترامب الحقيقى وهو الحساب الشخصى له قبل توليه الرئاسة، ويخصصه لبث كل آرائه وتصريحاته التى لا تنال أموراً شخصية أو خاصة بالضرورة بقدر ما هى أقرب لتصريحات سياسية مباشرة موجهة للشعب الأمريكى كله بلا استثناء، وأغلبها تعكس أفكاره المتضاربة وسياسته غير المستقرة ومواقفه المعادية لتيارات متباينة من الأمريكيين، ويضيف البعض كذلك أن المشكلة تكمن فى أن الحساب الرئاسى الأول لا يتعدى متابعوه الثمانية عشر مليون متابع، أما الحساب الشخصى الثانى فيقترب من ضعف هذا الرقم، وهو لايستخدمه لأمور تخص علاقته الأسرية أو أموره العائلية بل هو يستخدمه كأداة إعلامية تعكس الرأى الرسمى لتوجهات البيت الأبيض.
«مايكل ماكونيل» الرئيس السابق لمركز القانون الدستورى وقاضى محكمة الاستئناف يرى أن الأمر كله غير واضح وقابل للتأويل، فبالنسبة لحساب شخصى افتراضى لأى شخص فيمكن لصاحبه دوماً إضافة أو حذف من يتراءى له دون إبداء الأسباب، وترامب على هذا يمكنه محادثة من يشاء وقتما يشاء ويمكنه كذلك مقاطعته، إذ لا يمكن أن تكره شخصاً على «مصادقة الآخرين».
وهو ما يعتبره قانونيون آخرون مردودًا عليه بالنظر إلى كيفية استعمال هذا  الحساب وقاعدة متابعيه.
مدونون وحقوقيون كثيرون اعتبروا المسألة شائكة وتستحق نقاشاً، حتى أن أحدهم كتب فى مدونة تستضيفها الواشنطن بوست أن الحساب الشخصى لترامب يمثله كفرد وليس كرئيس، برغم أنه تكثف استخدامه بعد توليه منصبه الرئاسى وبرغم إطلاقه وإدارته من منصة حكومية ومتابعة نشر تغريداته فى أوقات عمل حكومية، إذ إن حجب فرد أو مجموعة من الأفراد من متابعته أو التفاعل لا يؤثر فى الحقيقة على صلب العمل الحكومى أو سيره العام كما لو كان مشروعاً أو عملية سياسية قائمة بحد ذاتها، وهو رأى لو اتخذ العمل به يرسخ سابقة ومعنى خطيرًا فى مثل هذه الحالات الشائكة وذوى المناصب الحساسة، إذ حال سحبها على غيرها - مع الأخذ فى الاعتبار حكومية الإدارة والإطلاق - لبتنا أمام تعقيدات مقلقة قياساً على موظفى السفارات مثلاً الذين يتعاملون مع خوادم ومطلقات تمثل حكوماتهم وجهة عملهم فى دول مضيفة لا يحملون جنسياتها.
البلوكات الرئاسية «تحولت لعمليات ردح أون لاين بين مؤيديه ومعارضيه» الذين يرفعون تدوينات وتغريدات بعضها بات يعتبر عملية الحجب نفسها وسامًا على صدر من ينالها، إذ يرون أنه شرف أن يرفض رئيس يفتقر لكل مقومات الثقافة والعمل السياسى السماع لآرائهم، فيما يدونه آخرون مجرد تاجر جشع ليس لديه الحس الراقى لمعرفة القيمة الحقيقية لجوهر الأشياء مما يشرف هؤلاء المحجوبين - على حد تعبيرهم - برفعهم من قوائم معرفته، بينما يراها آخرون خاصة من ذوى الأصول العربية والشرق أوسطية بادرة اضطهاد فى أحيان أو وسيلة شهرة فى أحيان أخرى. 