الأحد 19 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الزار فن يا أهل المغنى

الزار فن يا أهل المغنى
الزار فن يا أهل المغنى


عرفت مصر مصطلح الزار فى القرن الـ18 كوسيلة لطرد الجن أو الأرواح الشريرة، وتراجع وجوده بعد الطفرة العلمية خلال العقود الأربعة الأخيرة، ليتحول بعد ذلك من مجموعة طقوس خرافية إلى فن، له أبطاله ومريدوه، الأهم فى الطفرة الأخيرة أنها صححت المفاهيم حوله وأظهرته أنه فن وليس عادة منبعها الدجل لطرد الأرواح الشريرة.

فرقة مزاهر الزار، عملت على إحياء فن الزار مرة أخرى بعد أن بدأ فى الاختفاء من الساحة، وذلك بتقديم حفلات فنية باسم فنون الزار فى العديد من المسارح والأماكن الفنية، الأمر الذى أعاد التساؤل: هل الزار طقس دجلى للمس الشيطانى أم أنه لمسة من اللمسات الصوفية لتطهير الروح وتحقيق السلام النفسي؟
الفرقة لعبت دورًا كبيرًا فى تحويل طقس الزار لفن من فنون الأدائية التى ترافقها إيقاعات خاصة وإشارات ورموز تتحرر فيها النفس البشرية من قيود الزمان والمكان، أو تنتقل من حالة إلى حالة أخرى، حسب التوصيف العلاجى لها الذى احتل مكانة عليا، وبالتالى يقبل الجمهور على الزار باعتباره متنفسًا لهم من ضغوط الحياة اليومية فيشعر بالسكينة.
انقسم فن الزار فى مصر إلى ثلاثة أنواع: الزار المصرى أو الصعيدى كما يطلق عليه البعض، وزار أبو الغيط، ثم الزار السودانى الذى يعود إلى أصول نوبية قديمة، ومن هذا المنطلق ظهرت فرقتا أسياد الزار ومزاهر الزار على الساحة ليصبحا آخر جيل يقدم فن الزار فى مصر بعد أن انعدم ظهور جيل جديد من الشباب يرغب فى تعلم  فنون الزار نتيجة لضعف سوقه فأصبح جميع الموجودين على الساحة يتجاوزون الـ50 عامًا.
ولأن لكل فن مدلولاً فى الدراما والسينما المصرية، كان للزار شكل خاص جسدته أفلام التسعينيات كأحد الطرق لإخراج الجن واعتمد فى كل الأفلام طقسًا للشعوذة والدجل، كفيلم «البيضة والحجر» الذى قدم الفن طول مدته طقسًا دجليًا بعيدًا عن أى أداء فنى، وسبقه فيلم «الإنس والجن» وغيرهما من الأفلام.
مع تطور الوضع واختلاف بعض ثقافات الشارع المصرى حاول أصحاب طقس الزار تحويله إلى فن صريح بعيد كل البعد عن الدجل والشعوذة، بل على العكس أصبح  يضم بعض اللمسات الصوفية، فالموسيقى الهادئة والحوائط القديمة والإضاءات الخافتة، والكراسى الخشبية والطوابق المنخفضة، الزار الملون والمديح النبوى فيصبح وراء أبواب المسرح حالة من الانفصال التام عن الواقع الخارجى.
هذا الدور لعبته فرقة مزاهر الزار وبها آخر كوديات زار فى مصر، بالتعاون مع المركز المصرى للثقافة والفنون «مكان»، ومعها فرقة أسياد الزار المقدمة فى المسرح المكشوف بدار الأوبرا المصرية، والتابعة لمركز المصطبة التراث الشعبى بقوة، معتمدين فيها الزار فن من فنون التراث وتقديم حفلات أسبوعية فى المسارح المعروفة فيقبل عليها المصريون من مختلف الفئات والأجانب أيضًا من مختلف الدول لسماع ومشاهدة عروض الزار المقدمة.
فرقة مزاهر الزار، ضمت الكودية «مديحة» والكودية هى مساعدة السأنجة عازف الفرقة والذى يدور الحوار بينه وبين الكودية كنوع من الدروشة لتوصف أجواء الحفل فتقول: تبدأ الحفلة بالافتتاحية من خلال استخدام الآلات الموسيقية ذات الإيقاع الهادئ تمهيدًا للموسيقى الصاخبة القادمة والرقص الهيستيرى، ثم وصلة مديح النبى وتعد بمثابة افتتاحية لباقى الفقرات فيتوحد الجمهور مع الحالة الفنية ولا يستفيق إلا بعد انتهاء الحفل.
تبدأ كودية الزار دورها بقيادة الفرقة من خلال  توزيع الإشارات هنا وهناك على أعضاء الفرقة ثم تدعو الجمهور ليردد الكلمات خلفها كنوع من أنواع التلاحم مع الحالة الموسيقية المعروضة، ودقة بدقة تتزايد الدقات على الطبول لتشتد حدتها مع تصاعد الضحكات لنساء أعضاء الفرقة، واللعب بالصاجات اليدوية، والرقص بحركات دائرية، لكن من دون كلمات الدجل أو الشعوذة المعتادة، فقط استحضار الصفاء النفسى وليس الأرواح الخبيثة من أجساد البشر، ومن ثم تبدأ حالة الانفصال التام والاندماج فقط بين الفرقة والجمهور.
فنانو فن الزار اعتبروه كنزًا موروثًا عن الأجداد، ويقدم المورث فى الحفلة على شكل فقرات، أشهرها فقرة الطبول السودانية المعروفة بـ«الطمبورة السودانية».
بعض علماء النفس أكدوا أن هناك الكثير من الطقوس القديمة تم تطويرها إلى فنون ولابد من اعتبار فن الزار من الطقوس القديمة التى حظيت بهذا التطوير، فبعد أن كانت طقوسًا تطهيرية وعلاجية لطرد الأرواح الشريرة، عن طريق رقصات هستيرية بالإيقاع والأداء الحركى والأغانى إلى فن تراثى يعتمد على الأداء ذاته.
تنتشر بعض حفلات الزار وإن كانت قليلة الآن، فى القرى والمناطق الشعبية فى القاهرة وتحديدًا فى الدرب الأحمر، درب التبانة، السيدة زينب، والغورية.
زكريا إبراهيم، مؤسس فرقة «أسياد الزار»، أوضح أنه بعد البحث الميدانى فى مناطق ومحافظات وجد أن هناك تراجعًا فى الذوق العام المصرى وأن الفن الشعبى يعانى من مشكلة ثقافية تزداد فجوتها مع الوقت، فقرر أن يؤسس مركز المصطبة ليكون بمثابة طاقة نور تضئ الاتجاهات وتسلط الضوء مرة أخرى على الفنون الشعبية، لكن دون معلومات مغلوطة، وبالتنسيق بين المحافظات الشغوفة بالفنون الشعبية كمدن القناة.
وأضاف: أنشأت فرقًا مختلفة كالتنورة البورسعيدى، والحنة السويسى فى السويس، وفرقة الركيبوا من السودانيين، مع الإشارة إلى أنه تم تجميع وحفظ ما يقرب من 300 ساعة فيديو وإنتاج ألبومات تمثل الموسيقى الشعبية من المناطق كافة، وتقديم فرقة «الجركن» المؤدية لفنون الإيقاع الباركشن، عروض أسبوعية على مسرح الضمة فى عابدين، للحفاظ على فنون التراث.
اختيار اسم المصطبة - بحسب زكريا إبراهيم - كأول مسرح شعبى  أنشئ فى الأرياف من دون قصد للجلوس للحديث عن المشكلات وطرح حلول عفوية، وبالتالى يصبح مركز المصطبة نقطة التقاء الأشخاص، مع توضيحه أن الموسيقى الشعبية تراث غير ملموس يعتمد على الشفاهية ينتقل من جيل إلى آخر، على عكس التراث الملموس كالأهرامات، وبالتالى فالتراث الشعبى الموروث من جيل لجيل لا يعرف مؤلفًا بعينه، عكس الفن الشعبى الذى يقدم حاليًا الخاص بأحمد شيبة، وشعبان عبدالرحيم وغيرهم هو فن شعبوى وليس تراثًا شعبيًا، فقط محاولات دخيلة تصنف نفسها على أنها فن شعبى، لكنها ليس لديها القدرة على الاستمرار.
وأوضح: «المصطبة» تسبح فى الأسفلت للنهوض بفنون التراث الشعبى وأهمها الزار وتطوراته فى مصر، فقدمت عروضًا فى المسرح  المكشوف بدار الأوبرا المصرية لكسر حالة التعالى والتهميش من الأكاديميين، وتعديل الخلل.
فبعد أن عانى فن الزار فى مصر من حالة ظلم تاريخية وتم التعامل معه على أنه فن للدجل والشعوذة، وكل الفرق التى جاءت بعد فترة 1898 أكدت هذا الكلام  ورسخت المضمون نفسه.
الأمر الذى دفع  فرقة «أسياد الزار» للتعامل مع فن الزار على أنه دراما شعبية يحاول تقديم مساعدة لمن يعانى من مشاكل شعبية معتمدًا على حالة الهوس الجماعى نتاج الرقص الهستيرى والموسيقى الروحية، وتحطيم الفكر الراسخ بأن فن الزار فن دجل أتى من الترويج لمفهوم أن الأرواح غير المرئية تتجسد فى الأشخاص، وهنا يأتى دور الزار لكسر الحاجز بين الروح غير المرئية والجسد فيحدث حالة من المصالحة بينهما من خلال الرقص والمزيكا.