الأحد 25 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي

السلوفينيةالتى أنقذت أطفال البحاروة

السلوفينيةالتى أنقذت أطفال البحاروة
السلوفينيةالتى أنقذت أطفال البحاروة


على بعد 59 كيلومترًا هى المسافة التى تبعد مدينة «العياط» عن القاهرة اختارت «ديدى» أو «ديانا ساندور»، المولودة فى سلوفينيا وتعلمت فى ألمانيا والبالغة من العمر 64 عاما، عزبة «البحاروة» لتنشئ عليها مدرستها الصغيرة المطلة على النيل وتحيطها زراعات من جوانبها الثلاثة، مرسوم على بابها الكبير ما يعبر عن بساطة وجمال هذه البيئة والمكان يتكون من 3 غرف على اليمين توجد غرفة متوسطة الحجم يتوسطها منضدة صغيرة وبها رفوف موضوع عليها قصص للأطفال بأكثر من لغة مثل الإنجليزية والألمانية، غرفة أخرى اتخذتها ديدى لمعيشتها بها أثاث بسيط تحتوى على سرير ومكتب صغير، وفى الخارج خصصت مساحة كافية لجلوس الأطفال حول مائدة لتعلم فن الرسم والتلوين، كما وضع بها مجموعة من الألعاب بالإضافة إلى وجود «سبورة» صغيرة مكتوب عليها الحروف العربية لتعليمهم «ألف - باء» ولتقديم المساعدة بلا مقابل مادى.

5 سنوات هى عمر «ديدى» فى مصر، و«نهر النيل» هو الاسم الذى أطلقته على مدرستها التى مولتها تمويلا ذاتيا منها واختارت «عزبة البحاروة» مكانا لها بعد اقتراح من إحدى صديقاتها البريطانية المتزوجة من مصرى لتعليم الصغار، وفضلت ديدى هذا المكان على غيره لإعجابها الشديد به، لكن عدم وجود مدارس لتعليم الصغار فى هذا المكان كان هو الدافع الرئيسى لإنشاء مدرستها فيه  حتى يحصل أطفال هذه العزبة على حقهم فى التعليم فهذه ليست المرة الأولى التى تقوم فيها بهذه التجربة، فلقد طبقتها فى أكثر من بلد وليس فى مصر فقط مثل: الهند وتايلاند وهاييتى والفلبين وماليزيا وفيتنام.
بدأت «ديدى» هذه التجربة فى حديقة أحد أصدقائها لمدة عام ثم أقامت به كوخا صغيرا لتعليم الرسم والقراءة والألعاب «البازل»، لأطفالها وخلال عام أقامت علاقة وطيدة بينها وبين الأهالى بعد أن شاهدوها أثناء تدريسها للأطفال ثم اشترت الأرض التى تقع عليها المدرسة بالتمويل الذاتى وأجرت كل الإصلاحات بنفسها بما فى ذلك عمليات التنظيف وزراعة الزهور والاهتمام بالمكان لأنها لم تكن تملك المال الكافى لكل هذا، وساعدها فى ذلك الأطفال إتمامها رسالتها السامية فى أن تساهم فى تعليم الأطفال بالمجان.
وذكرت ديدى أنها لا تجد أية صعوبة فى التعامل مع الأطفال رغم أنها لا تستطيع التحدث أو قراءة القصص باللغة العربية وتنطق حروفها بصعوبة التى تعلمتها من الأطفال، ومع ذلك ترى أنها تستطيع أن توجههم وتعلمهم، ففى كل يوم يأتى 40 طفلاً إلى المدرسة.
فى صباح كل يوم وما بين الساعة 8 وحتى 11 ظهرا تستقبل «ديدى» الأطفال الصغار تبدأ أعمارهم من 5 سنوات، وعند الواحدة والنصف ظهرا يذهب إليها بعض من طلاب المدارس الحكومية حتى سن 14 سنة الذين يريدون أن تساعدهم فى اللغة الإنجليزية بعد انتهاء يومهم الدراسى لأن كل الأطفال يذهبون إلى المدرسة فى كفر الشحاتة، بالإضافة إلى مدرسة  يطلق عليها اسم «من أحياها» التى أنشأتها إحدى منظمات المجتمع المدنى فى نوفمبر الماضى، حيث ينتهى اليوم فيها فى الساعة 5.30.
وعن الفائدة التى تعود عليها من إنشائها لهذه المدرسة قالت إن الفائدة «شخصية» فالإنسان من وجهة نظرها، يجب أن يفعل شيئا مفيدا فى الحياة - بصرف النظر عن المكان - فلابد أن يخدم المجتمع ويساعد غيره بشكل مستمر فهى تريد أن تستكمل رسالتها السامية فى الخدمة التطوعية بعيدا عن التمييز سواء كان بسبب اللون أو الجنس أو الدين، وأنها تحلم بأن يكبر هذا المشروع، ولكنها ذكرت أنها لن تستطيع أن تكمل حلمها بمفردها لأنها الآن ليس لديها فريق يعاونها حتى يصبح هذا المكان أكاديمية فهى تحتاج إلى فريق يساندها حتى يمكن لباقى الأطفال والطلاب أن يدرسوا ويتعلموا فيه الزراعة والتغذية والحرف اليدوية والصناعات المختلفة.
وبالنسبة لرد فعل أحد المواطنين فى القرية على هذه المدرسة المجانية لأولادهم عبر عن رضاه وسعادته مما تقدمه ديدى معتبرا ذلك من أعمال الخير قائلًا: «ربنا يقدر الناس على فعل الخير»، وقالت إحدى الأمهات إن لديها 3 بنات يذهبن إلى مدرسة «ديدى»، إنها تعلمهن النظافة والسلوك واللغة الإنجليزية. أضافت: إن المدرسة أنشئت لأنه لم يكن هناك مدارس فى «البحاروة»، ولكنها حتى الآن لم تسجل ضمن المدارس الحكومية، وأكدت أنها ليست قلقة على أولادها هناك وقالت: «إحنا مش حاسين إن فيه خطر على ولادنا» على الرغم من وجود بعض التخوفات التى يبثها بعض الشيوخ وإمام أحد المساجد داخل نفوس بعض الأهالى لكونها ليست مسلمة، لكن الأم ذهبت إلى المدرسة وجلست مع بناتها داخل هذه المدرسة خلال أحد الأيام لمتابعة بناتها عن قرب حتى تأكدت أنه ليس هناك أى أضرار على بناتها وأنها لا تتدخل فى الدين تماما وأحيانا تعطيهم هدايا، وأما فى رمضان فتتوقف المدرسة «لأن ديدى تخاف عليهم أثناء الصيام» وأما شيماء فتاة ذات الـ 14 عامًا فذكرت أنها استفادت كثيرا عند ديدى تعلمت عربى وإنجليزى لأنها طلعت من المدرسة.
وقالت إنها تبحث عن أحد الأشخاص الذى يمكنه أن يعيش فى «العياط» ويستطيع أن يكون مسئولا وأن يكون متعلما كى يعاونها ويساعدها فى تعليم هؤلاء الأطفال وأن يشرف عليهم داخل المدرسة فى حال سفرها، فهى حتى الآن تكتفى بفتاتين فقط هما من تساعدانها.. الأولى تدعى «سماح» 16 عاما بسيطة لم تكمل تعليمها الثانوى، والأخرى لم تذهب إلى المدرسة مطلقا، ولكن بسبب مساعدتها لـ«ديدى» استطاعت أن تتعلم أيضا داخل هذه المدرسة، وتصفهما ديدى بأنهما فتاتان جيدتان على علم بالحروف العربية والأجنبية والأرقام وبعض الأغانى البسيطة وتستطيعان أن تعتنيا بالأطفال، لكنهما لا تعرفان أهمية المدرس الخاص بالحضانة ولا كيفية تنمية قدرات هؤلاء الأطفال سلوكيا أو تربويا.
«ديدى» حلمها التعلم الذى قدمته فى عدة بلاد منها مصر، يمكن اعتبارها ملاكًا يمشى على الأرض يقدم الخير والمحبة، بعيدًا عن الصراعات، فلغتها الإنسانية انتصرت على كل الأيديولوجيات والتوجهات.