الأحد 5 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

«جواز السفر» من الأحمر الملكى إلى الأخضــر الثــائــر!

«جواز السفر» من الأحمر الملكى  إلى الأخضــر الثــائــر!
«جواز السفر» من الأحمر الملكى إلى الأخضــر الثــائــر!


لم يكن المجتمع المدنى حتى بدايات القرن السادس عشر يعرف شيئاً اسمه (جواز سفر)، بل كانت وثيقة المرور الوحيدة وقتها هى (الصكوك)، ولم يكن يتعامل بها سوى التجار أثناء مرور قوافلهم ذهاباً وإياباً .حتى قوافل الحجاج لم يكن لهم (صكوك)، بل كانت لهم ما يعرف برخص الدواب التى يسافرون بها - سواء (جمال) أو (حمير) - وكان يقودهم مندوب من الدولة يحمل معه قائمة بأسمائهم - دفعة واحدة -كضامن لهم.

(الصكوك) كانت هى الضامن الرسمى سواء فى الترحال أو لضمان الأموال عند التجار،خاصة من كان عليه دين ويخشى الدائن على أمواله.. (شهبندر التجار) كان الموكل الوحيد فى ضمان هذه الصكوك - فى حال سفر التجار - لجدية التعامل ولضمان الأموال.
أما المأموريات والمهام الرسمية فكان يستخدم فيها نظام الرسائل، بأن يقوم الملك أو السلطان أو الخليفة بإرسال رسول من عنده لنظيره فى أى من بقاع الأرض حاملاً منه رسالة لتسهيل مروره عبر حدود الدول.. وسواء (الرسائل) أو (الصكوك) كانت تكتب فى بدايات عهدها على جلد الغزال أو الماعز، ثم تطورت لتكتب على الورق، وحفاظاً عليها يتم وضعها فى جراب أسطوانى بدأ أيضاً من الجلد ثم تطور إلى الخشب، أما رسائل الحكام فكانت تحفظ فى أسطوانات فضية وذهبية.
مع مجىء الدولة العثمانية منذ ما يزيد على الـ(400) سنة بدأ المجتمع المدنى يعرف أول وثيقة سفر رسمية.. أطلق عليها (تذكرة مرور)، أو كما هو مكتوب عليها.. (مرور تذكرة سى).. هذا الاسم يمثل الوثيقة الرسمية التى كان يتم التعامل بها وتمنح سواء لحجاج بيت الله الحرام للسماح لهم بالمرور - عن طريق السفن فى البحر أو الجمال فى البر - عبر القطر المصرى إلى الأراضى الحجازية لأداء الفريضة، كذلك كانت تمنح لمن يريد السفر إلى خارج القطر المصرى عبر البحر أو البر - سواء للسياحة أو للعمل - وخاصة (التجار).. الوثيقة العثمانية الممهورة بشعار (الطرة) -  شعار الدولة العثمانية - والمختومة بأختام الباب العالى العثمانى،كتب فيها (بناءًً على قانون الدولة يسمح بمنح حاملها الإذن بعبور الحدود إلى الأراضى الحجازية لأداء فريضة الحج مع تسهيل المهام له)، وكذلك بالنسبة لمن يريد السفر لأى دولة أخرى ..الوثيقة تتضمن اسم حامل التذكرة ومحل الميلاد والإقامة والصنعة -  المهنة - والمواصفات الشكلية (الطول، العرض، لون العينين) والسن. الوثيقة تعد من أغلى الوثاثق العثمانية نظراً لاحتوائها على طوابع تمغة نادرة .. كانت تذكرة المرور وقتها لا تصدر بصور شخصية، بل كان يتم الاكتفاء بالمواصفات الشكلية فقط.
مع قدوم النظام السلطانى - السلطنة المصرية - فى أواخر القرن الثامن عشر وبدايات القرن التاسع عشر، بدأ استحداث (تذاكر المرور) ليتحول اسمها من (تذكرة مرور سى) إلى (تذكرة جواز سفر) وهذه المرة كانت الصورة هى العلامة الدامغة للتحقق من مواصفات صاحب الجواز بدلاً من الاكتفاء بالمواصفات فقط.. (تذكرة جواز سفر) فى بادئ الأمر صدرت على هيئة وثيقة كرتونية مقواة، ثم وجدت الدولة صعوبة فى استخدامها لحصولها على حيز كبير سواء فى المحفظة أو الجيوب، فرأت - الدولة المصرية - استبدالها بالوثيقة الورقية العادية التى كانت تحمل الصورة بجانب البيانات الشخصية كالاسم ومحل الولادة ومحل الإقامة والجهة التى يقصدها - أى يسافر إليها- والغريب أنه رغم وجود الصورة الشارحة لتفاصيل ومواصفات صاحب الجواز، إلا أن الجواز كان يتضمن شرح المواصفات الشكلية مثل السن،طول القامة (طويل أو قصير)، لون البشرة،شكل الوجه (مدور- مستطيل)،لون الشعر، شكل الحواجب..وكانت البيانات تصدر باللغتين العربية والإنجليزية،مع وجود تعليمات على الجواز تقول :
(على موظفى السلطنة المصرية كما هو المرجو من وكلاء دولة بريطانيا العظمى فى البلاد الأجنبية وسائر ذوى الشأن أن يأذنوا لحامل هذا الجواز بالمرور بدون معارضة وأن يشملوه بحمايتهم ويؤدوا له كل مساعدة يكون فى إحتياج إليها».
مع مجىء السلطان فؤاد عام (1920) م تم تغيير شكل (جواز السفر) تماماً ليصبح وثيقة متعددة الصفحات واستمر هذا الشكل إلى يومنا هذا مع اختلاف اللون والتصميم والمحتوى، فبالنسبة للون،مر (جواز السفر) على مدار تاريخه من أيام السلطان (فؤاد) إلى اليوم بسبعة ألوان أولها (الأسود) وهى فترة السلطان (فؤاد) التى لم تستمر أكثر من عام وثلاثة أشهر بعدها تحول الجواز إلى اللون (الأحمر) منذ أن أصبح (فؤاد) ملكاً عام (1922) م وحتى بداية الثلاثينيات فأصبح لونه (أزرق) حتى بداية عصر الملك (فاروق) (1936)م - وهذا اللون يعتبر أندرهم على الإطلاق ليس لقلة فترة تداوله فقط، ولكن لأنه الجواز الذى يربط بين عهدى (فؤاد) و(فاروق) ..عاد بعدها الجواز إلى اللون (الأحمر) فى بداية الأربعينيات حتى قيام ثورة 23يوليو 1952 ليغمر لون الثورة (الأخضر) الذى اتخذته شعاراً لها هو لون الجواز، وهذا اللون صدر بدرجاته الثلاث (الغامق والفاتح والليمونى).
جواز السفر الملكى كان يحمل على غلافه التاج الملكى،الذى تغير بعد الثورة ليحمل غلاف أول (جواز سفر) فى عهد الزعيم (جمال عبد الناصر) نسر (صلاح الدين الأيوبى) المعروف بـ(نسر الشرق).
جوازات السفر المصرية صدرت من عدة جهات وإن كانت كلها تصب فى معين واحد هو (إدارة الجوازات) مع اختلاف المسمى، ففى العهد السلطانى صدرت عن طريق إدارة تسمى (داخلة مخصوص) - أى إدارة الجوازات الخاصة بنظارة الداخلية- وفى العهد الملكى صدرت عن طريق (مصلحة الهجرة والجوازات والجنسية) التابعة لنظارة الداخلية، وهى نفس الهيئة التى صدر منها أول جواز سفر جمهورى بعد الثورة قبل أن يتغير اسمها فى بداية السبعينيات إلى (مصلحة وثائق السفر والهجرة والجنسية) بوزارة الداخلية .. وفى بداية عام (2000) م عاد الاسم كما كان فى العهد الملكى مع اختلاف الترتيب، ففى العهد الملكى كان المسمى (مصلحة الهجرة والجوازات والجنسية) أما فى الألفية الثالثة فكان (مصلحة الجوازات والهجرة والجنسية) بـ(وزارة الداخلية) بدلاً من (نظارة الداخلية).
فى السبعينيات والثمانينيات بدأ إصدار جوازات سفر خاصة للطلبة محددة المدة، حيث كان (جواز السفر) يصدر لمدة ستة أشهر فقط لضمان عودة الطالب إلى دراسته، كما كان يصدر وثائق سفر خاصة للحج صدر منها لونان (البنى) فى السبعينيات و(الرمادى الفاتح) فى الألفية الثالثة.
الفلسطينيون خاصة أبناء قطاع (غزة) كانوا يستخرجون جوازات سفرهم من الدولة المصرية -على اعتبار أن (غزة) كانت تابعة لمصر من (1948) حتى (1967)م، بعدها أصبح استخراج  جواز سفر عن طريق حاكم (غزة) بالقاهرة. هذا الحق توقف من عام (2004) إلا فى الحالات الاستثنائية فقط.. (جوازات السفر) الفلسطينية التى كان يكتب عليها (وثيقة سفر للاجئين الفلسطينيين) صدرت بثلاثة ألوان (البنى) و(الأخضر) و(الأزرق) وإن كان (البنى) هو الأندر لقلة عدده لمحدودية فترة إصداره.
 (جواز السفر) يعتبر وثيقة حماية بين الدولة ومواطنيها للدفاع عنهم وحمايتهم من أى خطر يتعرضون له أو أية معوقات وصعوبات تعترض طريقهم.. هذا من المفترض أن يكون، ولكن للأسف.. إذا كانت كل أو معظم دول العالم وتحديداً دول الغرب تطبق هذا النظام فإن الوطن العربى وتحديداً مصر تتهاون كثيراً فى حق أبنائها، ففى الوقت الذى تكتب فيه (أمريكا) فى الصفحة الأولى من (جواز السفر) الخاص بها: (حامل هذا الجواز تحت حماية الولايات المتحدة الأمريكية.. فوق أى أرض وتحت أى سماء)، وفى أول صفحة من جواز السفر البريطانى كتب: (نحرك أسطولنا من أجلك) فإن جواز السفر المصرى كتب فيه : (عند فقدك لجواز السفر تدفع غرامة مالية)!!