الإثنين 6 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

محفوظ عبدالرحمن لـ«روزاليوسف»: عبدالناصر يكره «الناصرية»

محفوظ عبدالرحمن لـ«روزاليوسف»:  عبدالناصر يكره «الناصرية»
محفوظ عبدالرحمن لـ«روزاليوسف»: عبدالناصر يكره «الناصرية»


علاقة الكاتب الكبير محفوظ عبدالرحمن بالزعيم جمال عبدالناصر بدأت عام 1952، وقتها كان فى المرحلة الثانوية بمحافظة المنيا ،وكانت له مواقفه وأفكاره - رغم حداثة سنه- الرافضة لثورة 52، ومن هنا بدأت علاقته التصادمية مع النظام الجديد التى استمرت حتى وفاة ناصر عام 1970. فى تلك الفترة المبكرة من حياته الفكرية شارك فى ندوات للمعارضة ومظاهرات ضد النظام فى ذلك الوقت ودخل السجن، وامتد النضال حتى المرحلة الجامعية.
ثم جاءت حرب العدوان الثلاثى على مصر عام 1956 والتى كشفت عن مدى عشقه لوطنه، فالقضية عنده لم تكن قضية فرد بقدر ما هى قضية وطن، فتطوع فى الدفاع الشعبى وتلقى التدريبات العسكرية الأولية خاصة أنه كانت له خبراته السابقة مع السلاح لكون والده ضابط شرطة وتربى فى بيت يجيد معرفة كل أنواع الأسلحة ويقول: «وعيت على الحياة لقيت تحت سريرى بندقية».
حرب العدوان الثلاثى وتحديدا ما تبعها من قرار تأميم قناة السويس هى النقطة الفاصلة فى علاقة الكاتب الكبير محفوظ عبدالرحمن بالزعيم جمال عبدالناصر وإن كان عبدالرحمن زعيما أيضا ولكن بالكلمة، والتى خزنتها ذاكرته لسنين طويلة حتى اختزلها فى فيلمه الأشهر «ناصر 56».. «روزاليوسف» التقت بالكاتب الكبير ليفتح لنا خزانة ذكرياته عن عبدالناصر فى ذكرى وفاته.
 هل تغير موقفك من «عبدالناصر» بعد وفاته؟
- لم أتحمل شكل البلاد من بعده وغادرت إلى الكويت، رغم أننى أيام «عبدالناصر» حاولت كثيرا مغادرة البلاد، وكانت تمنعنى الجهات الأمنية.. مغادرتى لمصر جعلتنى أكتشف عبدالناصر من جديد حيث وجدته يطاردنى فى كل مكان، الكل هناك يقدره ويعرف قيمته ووصل الأمر فى بعض الأحيان إلى درجة العشق، أذكر فى سفرياتى لأوروبا عندما يسألنى أحد عن بلدى فأقول له «مصر» أجده يقول لى «ناصر».. زرت مرة قبرص مع أولادى، وأثناء جولاتنا الشرائية فوجئت بابنتى تقف أمام محل ملابس وقد وضع على واجهته «بوستر» لـ«كيسنجر» وزير الخارجية الأمريكى الأسبق كتب عليه (wanted - مطلوب-) فأصررت على الحصول عليه، ولما طلبناه من صاحب المحل أبلغنا أنه ليس للبيع، ثم سألنا: «انتوا منين»؟ قلنا له: من مصر.. قال «ناصر».. وفوجئنا به يغيب عنا 10 دقائق ليعود لنا بـ6 «بوسترات» لـ«كيسنجر» وليس «بوستر» واحدا.. الأجمل أننا عندما وجدنا صاحب المحل «ذوق» إلى هذه الدرجة قلنا ننفعه بشرائنا لبعض الملابس.. المذهل أنه رفض حتى الحصول على ثمنها حبا فى «عبدالناصر»، هذه الأشياء تلزمك بإعادة التفكير فى هذا الرجل الذى اكتشفت أنه أسطورة بكل المقاييس.
وللعلم «عبدالناصر» كان يستعين بـ«قبرص» كثيرا فى عمليات مخابراتية أهمها ما أفاده فى موقعة تأميم قناة السويس عام 1956، عندما أرسل شخصية شامية (لبنانى أو سورى) للحصول على معلومات وصور عن القوات البريطانية والتى ساعدته كثيرا فى اتخاذه قرار التأميم.
 وهل رأيت «عبدالناصر» عن قرب؟
- مرتين، الأولى عام 1953وكنا فى «كفر الشيخ» وهى المحافظة التى نقلنا إليها من «المنيا» مع والدى فى نهاية المرحلة الثانوية فى أعقاب الثورة، وتصادف زيارة «عبدالناصر» للمحافظة وكان يسير فى الشارع بجانبنا مترجلا، المرة الثانية عام 1954 كنت أنا وصديق لى نشاهد فيلم «يوليوس قيصر» أول أفلام النجم العالمى «مارلون براندو» فى سينما مترو بوسط القاهرة، وفجأة أثناء عرض الفيلم وجدت صديقى الذى لمحته «ينغزنى» فى قدمى ويقول لى «بص شوف مين ورانا» لنجد «عبدالناصر وعبدالحكيم عامر» اللذين غادرا السينما مع نزول التيترات وركبا سيارة «عامر» «الفولكس» وانطلقا.
  هاتان المرتان غير كافيتين لرسم ملامح وتفاصيل شخصية «عبدالناصر» بهذه الدرجة من الدقة فى فيلم  «ناصر»؟
- هذا ما قاله لى «هشام صادق» الشقيق الأكبر لـ«حاتم صادق» زوج «هدى عبدالناصر»، حيث فوجئت به يسألنى: أنت اقتربت من «عبدالناصر»؟ فقلت له: لم يحدث، فقال لى «أمال إزاى عملتلنا «ناصر56» بالبراعة دى.
 لو هناك حدث خيرت لتقديمه فى فيلم آخر عن «ناصر» ماذا كنت تختار؟
- كنت سأختار حرب 67 والتى عانى فيها «عبدالناصر» معاناة رهيبة لكنه لم ينكسر، فلديه واق فولاذى للمقاومة، كما أن الجيش تم بناؤه من جديد فى هذه الفترة، والخطط تم تجهيزها لرد الضربة فى تلك الفترة، بمعنى أشمل أن حرب 67 جعلت «ناصر» متفرغا تماما لصياغة وتقويم الجيش من جديد.
 ما أهم مميزات «ناصر» من وجهة نظرك؟
- كان يتمتع بذهن استراتيجى خارق، فكان يحسن تقدير الموقف من كل الجوانب واتخاذ القرار دون اندفاع أو عواطف، كما أن «عبدالناصر» كانت لديه قوة شخصية لا مثيل لها فعندما يتحدث الكل ينصت إليه، كما أن كثيرين كانوا لا يقدرون على التحدث أمامه، الكل كان يتلعثم، أيضا تواضعه وبساطته كانا جزءاً أصيلاً من شخصيته، أذكر أن «محمد حسنين هيكل» قال لى إن «ناصر» كان لا يعرف الأنواع الفاخرة من الأطعمة لحرصه الدائم على تناول طعام البسطاء خاصة «الجبنة البيضا»، ففى إحدى المرات وأثناء انعقاد إحدى القمم بأحد فنادق القاهرة الكبرى، فوجئ «هيكل» بأن «ناصر» يكتفى بطبق (الجبنة البيضا) تاركا كل الأنواع الأخرى، ولما عرض عليه أن يختار له بعضها، قال له «ناصر» دعنى أشعر بما يشعر به غالبية الشعب، كذلك كرهه للوساطة والمحسوبية، فبعد تخرج كريمته «منى» فى الجامعة الأمريكية أرادت أن تعمل، فطلب منها أن تسعى بمفردها دون تدخل منه، فتوجهت إلى دار المعارف للعمل بها وكتبت طلبا وقدمته لرئيس مجلس الإدارة الذى فوجئ باسمها لكنه شك أن تكون هى فاتصل بـ«هيكل» الذى أكد له أنها هى، ثم أبلغ رئيس مجلس الإدارة أنه غير ملزم بتعيينها إلا إذا كانت هناك بالفعل أماكن شاغرة وبنفس المرتبات التى يتقاضاها الآخرون.
وأذكر أيضا أن طباخه قرر فجأة ترك البيت، فسأله «ناصر»: حد زعلك؟ فيه حاجة مضايقاك؟ فرد عليه: بالعكس أنتم ناس رائعين بس مش عارفين مكانتكم.. يعنى إيه أبقى طباخ الرئيس وأروح السوق أجيب نص كيلو كوسة ونص كيلو طماطم؟!
 هل «عبدالناصر» مفترى عليه؟
- بعد وفاته شنت ضده حملات شنيعة  شارك فيها- للأسف- شخصيات مهمة منها «السادات» نفسه الذى كان يعلم جيداً براءة «جمال» عندما وافق على تحويل ما كتبه «جلال الحمامصى» فيما يخص ذمة (ناصر) المالية إلى مجلس الشعب الذى برأه تماما.
فى تصورى أن فترة «عبدالناصر» من أهم الفترات التى كانت فيها الحياة الاجتماعية آمنة جداً، وهى الفترة التى شهدت ثراءً فى المشروعات القومية والمصانع الكبرى، كان فيه هدف حقيقى للناس، كان فيه حب، كان فيه ثقافة وفن بجد، كان فيه قدوة حقيقية نلتف حولها.
 هل إعادتك لقراءة «عبدالناصر» مرة أخرى بعد وفاته جعلتك «ناصريا»؟
- «على فكرة» هو كان يكره هذه الكلمة تماما فى الوقت الذى يسعد بها حكام كثيرون، أذكر أنه مرة أبلغه أحد المنافقين أنه يؤسس تنظيماً تحت اسم «الناصرية» يومها انزعج جدا وقال له: أنا فى الحالة ديه «مش ناصرى».