قصر «المسافرخانة» مسافر زاده الإهمال

رحمة سامي
يعد قصر المسافر خانة أحد أهم إبداعات العمارة الإسلامية، وأكبر القصور العثمانية فى القاهرة، ويضم أكبر مشربية أثرية وأجمل القاعات زخرفة، وصفها البعض بأنها تنافس قاعات روايات «ألف ليلة وليلة».
حال القصر الآن الذى يقع بحى الجمالية- لا يسر عدو ولا حبيب، أصبح أطلالاً بعد أثر يشعر الناظر إليه بالبهجة، بيت عاش بين جدرانه الخديوى إسماعيل صار مرتعًا للحيوانات الضالة، ووكرًا لخفافيش الظلام، وتعاطى المخدرات.. حوائط مهدمة وأفنية ملئت بمخلفات البشر شاهدة على سوء تعاملنا مع تراثنا وتاريخنا.
أنشأ القصر محمود محرم الفيومى أحد كبار تجار القاهرة عام 1779، ثم أهداه إلى إبراهيم باشا ابن محمد على، الذى أهداه بدوره إلى ابنته فاطمة والدة الخديوى إسماعيل، ليشهد أول 8 سنوات من حياته ثم تعرض القصر لحريق كبير عام 1998.
يقول أحد سكان حى الجمالية عبدالله فضل: فى البداية كنا نعتبر أنفسنا حُراسًا لهذ الأثر قبل أن يندلع الحريق، ومنذ ذلك سرقت الآثار المتوجدة بداخله جميعها وترك بحالة يرثى لها، فقد كان ارتفاعه نحو 23 مترًا، ويضم العديد من التحف المعمارية الفنية فى ذلك العصر، بالإضافة إلى احتوائه على ثانى أكبر مشربية فى العالم بألوان مزخرفة تسر أعين الناظرين إليها، مشيرًا إلى أننا كأهالى كنا نعلم جيدًا قيمته الأثرية ومحافظين عليها حتى أصبح مأوى للمجرمين فلم نستطع التدخل، كما تحدثنا مع كثير من المسئولين لإنقاذه ولكن دون جدوى.
وأضاف: المبنى كان فى الأصل ينقسم إلى جزءين يحتوى الأول على ثلاثة طوابق، والثانى على طابقين، ليضم «الحرملك» ويعنى المكان المخصص للنساء بالقصر، و«السلاملك» الذى يمثل المكان المخصص لاستقبال الضيوف الرجال، و«التختبوش» وهو مكان به فرق موسيقية تعمل على استقبال ضيوف القصر.
وتذكر أم صباح صاحبة أحد المحلات القريبة من القصر: اثناء طفولتى كان القصر تحفة فنية ولكنه الآن تحول إلى وكر لتعاطى المخدرات والتجارة بها، وسلة مهملات لكل بيوت ومحلات المنطقة وبعد أن كان مكانًا لاستقبال كبار الأمراء والسكن، أصبح مأوى للكلاب الضالة والمجرمين، والخارجين على القانون، ولم يكن هناك شيء من هذا القبيل قبل الحريق الذى تعرض له القصر، ولم يهتم أحد من الآثار حتى الآن.
القصر شهد خروج العديد من الفنانين التشكيليين، من بينهم الفنان محمد عبلة وفاروق حسنى ومحمد قنديل، وآخرون من مبدعى الفن فى عهد وزير الثقافة ثروت عكاشة.
«المسافر خانة كان يضارع قصر الحمراء بإسبانيا وإيوان كسرى بفارس وطوب قابى سراى بأسطنبول» هكذا وصفه الأديب جمال الغيطانى، إلا أنه لا يحظى بأهتمام أو محاولة لتنظيفه،فقط يتم استعماله كمقلب للقمامة يقوم عمال النظافة بإلقاء القمامة داخله، موضحة أن الجهات المختصة قررت بعد حريقه أن تتم إحاطته بسور عازل حتى تتم إعادته إلى أصله مرة أخرى، ولكن لم يحدث شيء وتحول فى وقت قصير جدًا إلى خرابة.
توجهنا إلى المسئولين لمعرفة رأيهم فيما آل إليه قصر المسافر خانة ومحاولة إنقاذه فقال الدكتور محمد الكحلاوى أمين اتحاد الأثريين العرب وأستاذ الآثار الإسلامية: «الأزمة متعلقة بإهمال عام للآثار الإسلامية ولم يقتصر الإهمال على «المسافر خانة» فقط فآثار مصر تحولت إلى عشوائيات مهملة ونحن حاولنا جاهدين الحديث الدائم عن المسافر خانة بشكل خاص، لأنه كان يضم أكبر مشربية فى الشرق الأوسط ،وقد دمر بالكامل بعد الحريق.
وأردف: تعود هذه الكارثة لأسباب عدة يأتى على رأسها السلبية فى التعامل مع تحذيرات مفتشى الآثار المشرفين على القصر من احتمالات تعرضه لحريق، وأن الحريق نشب نتيجة خلاف بين شركات الترميم على التقسيم، وانتهى بحريق وتدمير القصر بالكامل، إلى جانب إهمال حى وسط القاهرة فى رفع المخلفات من حول القصر، مما ساعد على سرعة انتشار الحريق، وتخصيص وزارة الثقافة القصر كمرسم للفنانين، وأدى ذلك إلى إغلاق أجزاء كثيرة منه، ووجود مواد بهذه الأجزاء أدت إلى سرعة انتشار الحريق، ولأن القصر يقع بين مجموعة من الورش والحوارى الضيقة فكان كالقنبلة الموقوتة لذلك التهم الحريق كل شىء أمامه، مضيفًا أن المسئولية تقع على الجهات المسؤلة كافة وليس فقط وزارة الآثار.
وعبر عن أسفه الشديد لما وصل إليه حال الآثار فى مصر بشكل عام والإسلامية بشكل خاص، واصفًا القصر «بالمرحوم» الذى لا يمكن إحياؤه وأن السبب فى قتله الإهمال والتباطؤ، وعدم الوعى بأهميته هو وبأقى الآثار، مشيرًا إلى أن هناك خطرًا حقيقيًا يلحق بتلك الآثار إذا لم تتم التوعية بأهميتها للمسئولين والمختصين قبل كل شىء.
يقول الدكتور سعيد حلمى رئيس قطاع الآثار الإسلامية: «أنه يعلم بأن قصر المسافر خانة تحول إلى أطلال بعد الحريق الذى لحق به، وأن هناك أملاً فى تصميم مشروع لإعادة إعمار الأثر من جديد عندما يتوفر التمويل.
وأوضح أن وزارة الآثار لا تملك من المال ما يجعلها تقوم بإعادة إعمار أى من المشروعات الأثرية، ولكن الأمل فى مناشدة رجال الأعمال المحبين لمصر لتمويل مشروعات إعادة الأعمار والترميم مرة أخرى، لافتًا إلى أن هناك مشكلة واضحة فى الأحياء يضعون العقدة ويعلقون دائمًا أن الحى لا يتبع الآثار، ولكن الأمر لا يتعلق بتواجده داخل المنظومة أو خارجها، كما أن المخلفات تخص أهالى المنطقة الذين يلقون القمامة فى المناطق الأثرية لاعتقادهم أنها خرابة، ولكن الأمر يحتاج إلى توعية وتضافر بين الدولة كلها فالنظافة سلوك عام غير مرتبط بالمحافظة على الأثر فقط.
وكان وزير الثقافة قد وعد بإعادة بناء القصر، لكنه لاقى انتقادات عدة أبرزها من على رضوان رئيس «اتحاد الأثريين العرب» الذى طالب بتوجيه الأموال الذى سيعاد بها بناء القصر إلى ترميم الآثار المعرضة للخطر، وسمى القصر الذى سيعاد بناؤه بـ«المحروق خانة».