الجمعة 10 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

المصالحة مع الإخوان فى سبتمبر

المصالحة مع الإخوان فى سبتمبر
المصالحة مع الإخوان فى سبتمبر


«المصالحة على الدم خيانة» شعار رفعه المصريون فى وجه كل من طالب بالمصالحة مع جماعة الإخوان، ووجهت اتهامات بالخيانة لكل من شرع فى الحديث عن مصالحة.
المفارقة أنه دائمًا يظهر أن جماعة الإخوان هى التى تطلب المصالحة..  أما الآن فالدولة هى التى تطلب المصالحة وعلى لسان المستشار مجدى العجاتى وزير الدولة للشئون القانونية ومجلس النواب على اعتبار أن البرلمان سيناقش قانون العدالة الانتقالية قبل شهر سبتمبر المقبل، وبالتالى انتقل مبدأ المصالحة من مرحلة المرفوض قطعًا إلى التفاوض والتفاصيل والشروط.

قبول الإخوان للمصالحة والتى ظهرت فى تصريحات قيادى الجماعة من نحو إدانة العنف وانتهاء مدة المعزول الرئاسية فعليًا  لم تكن مبنية على مراجعات أو اعترافًا بالأخطاء والدماء التى أسالوها، وإنما انحناء للعاصفة وهو مبدأ أرساه حسن البنا منذ أربعينيات القرن الماضي.
تبقى العقبة الأصعب التى تواجه رجال الدولة الذين ينادون بالمصالحة، دماء الشهداء، وأنهم هل يأمنون للإخوان مرة أخري.
اقتراب المصالحة مع الإخوان أصبح حقيقة لدرجة أنه أصبح متوقعًا المصالحة قبل نهاية شهر سبتمبر المقبل وفقًا لما أكدته مصادر بالبرلمان، رغم جرائمهم المثبتة فى حق الوطن والشعب.
والجديد والخطير فى موضوع المصالحة أنه هذه المرة يتم التحدث عنها عبر تصريحات من مسئولين فى الدولة مثل المستشار مجدى العجاتى وزير الشئون القانونية ومجلس النواب، ومن قيادات برلمانية مثل اللواء سعد الجمال رئيس ائتلاف دعم مصر صاحب الأغلبية الكاسحة فى البرلمان، وليس عبر أطروحات من شخصيات عامة كما كان يحدث من قبل مثلما كان يحدث من الدكتور سعد الدين إبراهيم مدير مركز ابن خلدون للدراسات.
وفى نفس التوقيت نلاحظ أن قيادات الإخوان، ومنهم الدكتور إبراهيم منير الأمين العام للتنظيم الدولى للإخوان والدكتور جمال حشمت القيادى الإخواني، قد اختلفت نبرتهم وأصبحت أحاديثهم تتجه صوب إدانة العنف وضرورة الابتعاد عنه لدرجة أنهم تخلوا عن رفقائهم من التيار الإسلامى كالجماعة الإسلامية وأدانوا عنفهم، كما أطلقت مجموعة القيادى محمود عزت القائم بأعمال مرشد جماعة الإخوان حملة مراجعات داخلية لوقف أعمال العنف، كما أطلق راشد الغنوشى زعيم حركة النهضة التابعة للتنظيم الدولى للإخوان تصريحات بضرورة الفصل بين الدعوى والسياسي، حيث جعل النشاط السياسى للحزب ومجال الدعوة لمؤسسات المجتمع المدني، تحقيقًا للتوافق الوطني، للسعى للمصالحة مع التيارات السياسية.
كما نلاحظ أن حديث المصالحة الحالى يأتى فى توقيت زمنى يتلاشى فيه الحديث عن الشرعية، باعتبار أن الرئيس المعزول محمد مرسى أنهى مدته الدستورية رئيسًا للجمهورية هذا الأسبوع بالفعل، وبالتالى انتهى نزاع الشرعية بقوة الواقع، والحقيقة أن نزاع الشرعية لم يكن موجودًا، لأن الذى أزاح الإخوان وعزل مرسى هو ثورة الشعب فى 30 يونيو، والسلطة الحالية جاءت عبر انتخابات حرة ونزيهة، إلا أن فكرة نزاع الشرعية كانت ضاغطًا على النظام السياسى محليًا ودوليًا خاصة من الإسلاميين والدول الذين وصفوا ثورة يونيو زورًا بأنها انقلاب على رئيس منتخب لم يتنازل عن السلطة مما يستوجب أن يستكمل فترة رئاسته، وبانتهاء مدته الرئاسية هذا الأسبوع تنتهى فكرة نزاع الشرعية بقوة الواقع.
كل ذلك يشير إلى أن مشوار  المصالحة مع الإخوان قطع شوطًا بالفعل، وأن ما يحدث حاليًا هو تهيئة لأجواء المصالحة خلال هذه الفترة.
كما أن إعلان رئيس ائتلاف دعم مصر صاحب الأغلبية فى البرلمان والتى ستحدد مصير قانون العدالة الانتقالية فى حالة عرضه بالبرلمان عن ترحيبه بالمصالحة مع الإخوان ولكن وفق شروط، يعطى الانطباع بأن حديث المصالحة انتقل الآن من مرحلة «المبدأ المرفوض سابقًا» إلى مرحلة «التفاصيل والشروط» مما يؤكد أن مشروع المصالحة قادم بأسرع مما نتوقع.
ولكن السؤال الذى يطرح نفسه هل إذا وافقت الحكومة والبرلمان على المصالحة مع الإخوان، فهل سيتصالح معهم الشعب خاصة بعد دماء أولادنا من الجيش والشرطة والشعب الذين تسببوا فيها، فهل ننسى حق الشهداء والضحايا من الشعب المصري؟ والسؤال الأهم من يأمن جماعة الإخوان بعد كل ما فعلوه؟
أكد مصدر برلمانى أن مشروع المصالحة مع الإخوان يجب أن يصدر قبل شهر سبتمبر المقبل، وأن الحكومة فى طريقها لإرسال قانون العدالة الانتقالية الذى يضع إطارا للمصالحة الوطنية الشهر القادم، وذلك لأن الدستور فى باب الأحكام العامة والانتقالية نص على أن «يلتزم مجلس النواب فى أول دور انعقاد له بعد نفاذ هذا الدستور بإصدار قانون للعدالة الانتقالية، يكفل كشف الحقيقة والمحاسبة، واقتراح أطر المصالحة الوطنية، وتعويض الضحايا، وذلك وفقا للمعايير الدولية «متابعا: وبما أن دور الانعقاد الأول لمجلس النواب ينتهى فى شهر سبتمبر المقبل، فإن قانون العدالة الانتقالية الذى يوضح إطار المصالحة الوطنية يجب أن يرسل لمجلس النواب فى أقرب وقت لمناقشته ليتمكن مجلس النواب من إصداره قبل نهاية دور الانعقاد الأول فى شهر سبتمبر المقبل.
وصرح المستشار مجدى العجاتى وزير الشئون القانونية ومجلس النواب بإمكانية المصالحة مع الإخوان من غير المتورطين فى العنف، وأن الدستور يريد إنهاء تلك المسألة الخلافية (المصالحة مع الإخوان) وأن نعود نسيجا واحدا، ليس هناك إخوان وغير إخوان، وممكن التصالح مع الإخوانى إذا لم تلوث يده بالدم، لأنه مواطن مصرى فى النهاية.
واستخدام هذه اللغة العاطفية جديد وغير معهود من المسئولين عند الحديث عن جماعة الإخوان، فطالما وصفوهم «بالخونة» و«الإرهابيين» و«العملاء» مما يشير إلى أن مشوار المصالحة قد قطع شوطا بالفعل من خلال فريق عمل قد يكون المستشار العجاتى نفسه أحد الفاعلين فيه.
وكرر اللواء سعد الجمال رئيس ائتلاف دعم مصر صاحب الأغلبية الكاسحة فى البرلمان كلاما مشابها لكلام المستشار مجدى العجاتي، حيث أكد على عدم ممانعة الائتلاف فى المصالحة مع جماعة الإخوان وفق شروط محددة، وأشار إلى أنه لامانع فى المصالحة مع أعضاء الإخوان ممن لم تتلوث أياديهم بالدماء وكانت لديهم نوايا صادقة وليس مناورة وأن يعترفوا بأخطائهم ويدينوا العمليات الإرهابية التى حدثت خلال الفترة الأخيرة.
وهذه التصريحات لائتلاف الأغلبية تشير إلى أن حديث المصالحة انتقل من مرحلة المبدأ المرفوض إلى مرحلة التفاصيل والشروط مما يؤكد أن مشروع المصالحة بات قريبا جدا.
يذكر أنه قبل هذه التصريحات الرسمية كان الدكتور سعدالدين إبراهيم مدير مركز ابن خلدون للدراسات، قد أكد بعد عودته من تركيا ودول أخرى التقى فيها بقيادات من جماعة الإخوان أن المصالحة ضرورية، وأن الإخوان لديهم الاستعداد الكامل لإنجازها من أجل المصالحة الوطنية.
وتلاحظ أنه فى نفس توقيت التصريحات الرسمية عن المصالحة مع الإخوان فإن قيادات بالإخوان أصبحت أحاديثهم تتجه صوب إدانة العنف وضرورة الابتعاد عنه.
وأكد الدكتور إبراهيم منير أمين التنظيم الدولى لجماعة الإخوان المسلمين خلال مشاركته بجلسة الاستماع التى نظمتها لجنة الشئون الخارجية بمجلس العموم البريطانى حول الإسلام السياسى يونيو الماضي، أن الجماعة لا ترفض زعامة المرأة وترؤسها لحزب الحرية والعدالة حال انتخابها وهاجم خلالها عنف الجماعة الإسلامية فى مصر، بقوله إن جماعة الإخوان رفضت العنف فى التسعينيات، لأنه ضد مبادئهم.
كما انتقدت قيادات الإخوان استمرار سياسة إدارة تنظيم الإخوان بشكله الحالي، وكشفت عن وجود حراك داخلى حالى داخل الإخوان، وضرورة وجود مراجعة حقيقية
كما انتقد الدكتور جمال حشمت القيادى بجماعة الإخوان المسلمين خلال لقائه ببرنامج «إنى أعترف» الذى يذاع على قناة مكملين التابعة لجماعة الإخوان استمرار سياسة الجماعة فى إدارة التنظيم بشكله الحالي، كما انتقد البيان الذى أصدرته الجماعة فى إدانة القتل والدماء التى وقعت فى أوروبا نتيجة التفجيرات الإرهابية، ولم تدن دماء الأبرياء التى وقعت فى مصر، وكشف عن وجود حراك داخلى داخل الإخوان نتيجة استمرار السياسة الخاطئة.. مشيرا إلى أن بعض القيادات سمحت فى تصعيد الخطاب الاستفزازي، معترفا بأن الإخوان تتحمل جزءا من إدارة فض رابعة.. مطالبا بضرورة وجود مراجعة حقيقة خاصة فيما يتعلق بمسألة التكفير.
ومن الواضح أن حراك قيادات إخوان مصر ليس بمعزل عن الحراك السياسى لقيادات الإخوان بالدول الأخرى خاصة تونس التى تعتبر خطواتهم هناك سابقة لإخوان مصر بخطوة، فقد سبق تصريحات إخوان مصر التصريحات التى أطلقها راشد الغنوشى زعيم حركة النهضة التونسية التابعة للتنظيم الدولى للإخوان، فى مؤتمر الحركة العام الذى عقد منذ أسابيع، والذى دعا فيه للفصل بين الدعوة والسياسة، حيث جعل مجال النشاط السياسى للحزب، ومجال الدعوة لمؤسسات المجتمع المدني، تحقيقا للتوافق الوطني.
وهذه التصريحات قوبلت باحتفاء باعتبار أنها تأخذ شكلا ديمقراطيا.
إذن نحن أمام شعارات تعطى الانطباع بمرحلة جديدة، يسعى فيها الإخوان للمصالحة مع التيارات السياسية، ولكن أحمد بان الخبير فى حركات الإسلام السياسى كشف أن ما يصرح به قيادات الإخوان حاليا من نبذ العنف والاستعداد للمصالحة ليس من واقع قناعات بأخطائهم ومراجعات لأنه لم تحدث مراجعات حتى الآن داخل جماعة الإخوان، ولكن ذلك انحناء للعاصفة وشعور بالضعف جعلهم يتنازلون عن مواقفهم السابقة، أى تنازل مقابل المصالحة.. مضيفا أن الإخوان حتى القطاعات التى كانت رافضة لفكرة المصالحة داخلهم أصبحت مؤمنة أنها لا تملك أى أسلحة فى مواجهة الدولة، وبالتالى هى الطرف الأضعف فى مواجهة الدولة.   متابعا أن تدابير الدولة خلال الفترة السابقة وإحكام سيطرتها على الموقف نجح إلى حد كبير فى إشعار جماعة الإخوان بأنها لا تملك حيلة تجاه الدولة سوى القبول بالأمر الواقع.
موضحا أن الاتجاه داخل جماعة الإخوان هو ضرورة الحفاظ على التنظيم، ويتزعم هذا الاتجاه جناح محمود عزت القائم بأعمال مرشد جماعة الإخوان والقياديان محمود حسين وإبراهيم منير أمين التنظيم الدولى للإخوان، ويريدون المصالحة للوصول إلى تسوية، فقيادات الإخوان يرون أن هناك خطرا يهدد وجود التنظيم نفسه، ولا مانع من قبول مقتضيات الوضع السياسى الراهن والقبول بالأمر الواقع للحفاظ على التنظيم، مستطردا أن الحفاظ على الجماعة فكرة أرساها مؤسس جماعة الإخوان نفسه حسن البنا منذ الأربعينيات، فبعد أن اطمأن على تثبيت أركان الجماعة أراد ترشيح نفسه للبرلمان، وهو ما رفضه مصطفى النحاس باشا رئيس الحكومة آنذاك مهددا بحل الجماعة حال إصرار البنا على الترشح، فتنازل البنا عن رغبته فى الترشح مقابل استمرار الجماعة وزيادة انتشارها، لكن حسن البنا كان أكثر برجماتية من كل من جاء بعده، وكان مسيسا بشكل أكبر من الزعامات التى جاءت بعده، والوحيد الذى كان أقرب له عمر التلمساني، ولكن القيادات الإخوانية الحالية تفتقد لمواهب حسن البنا المراوغة، إلا لأنه لا يزال يحركها هاجس الحفاظ على التنظيم.
وأكد أن الأجواء الحالية تنبئ أنه يوجد مصالحة قادمة قريبا، وانتقلت إلى التفاصيل، وقد تكون قبل انتهاء الشهرين القادمين، لأنه يجب عرض قانون العدالة الانتقالية وتحديد موقف المصالحة طبقا للدستور خلال هذه الفترة قبل انتهاء دور الانعقاد الأول لمجلس النواب، محذرا من التهاون فى شروط المصالحة مع الإخوان والتزامهم بها، لأنهم فى حالة قبولهم للمصالحة فإنها ليست من واقع اقتناع ولكن من واقع قبولهم بالأمر الواقع ورغبتهم فى الحفاظ على وجود كيان جماعة الإخوان، خاصة أن إخوان مصر عندهم مشكلة وهى أن فكرتهم عن الإسلام السياسى نشأت على أرضية النصوص والطقوس، واكتسبت وجودها من جمود النصوص والطقوس، وبالتالى فهى تؤمن بأن السياسة من الدين، مما يعنى أنها فعليا لا تؤمن بفكرة فصل الدعوة عن السياسة، خاصة أنها تستمد قوتها السياسية على مر تاريخها من واقع استغلالها للدين.