الشرطة الصاحية والمصحصحة!!

عاصم حنفي
وهكذا يكون الشغل بحق وحقيقى.. وقد أثبتت الشرطة أنها عيون سهرانة لملاحقة الفساد والمفسدين والتسيب والرشوة والاختلاس والمال السائب.. والدليل أنها قبضت على مجرم خطير ومختلس محترف بعد أن دوخ الأمن كثيرا.. والمهم أنها ضبطته فى حالة تلبس حتى لا يحاول الإنكار وتبديد الأدلة.. وقد ضبطته فى لحظة فارقة وحتى لا يسافر بغنيمته إلى خارج البلاد كما هو المعتاد مع ملوك الجريمة وعتاة المجرمين..!
من المؤكد أن القبض على مجرم محترف احتاج إلى تحريات وأدلة وقرائن وإعداد الأكمنة وتجهيز إذن من النيابة حتى وقع المجرم متلبسا وقد اعترف على الفور بعد أن حاصرته الأدلة والتحريات والشهود.. ولهذا لم يضيع وقت الأمن والمباحث فاعترف على الفور باختلاسه ثلاثة جنيهات من العهدة.. حيث يعمل كمسارى على قطار منوف ولم يورد ثلاثة جنيهات قيمة تذاكر حصلها من الركاب..!
ونظرا لأهمية الحدث فإن الباشا الضابط اتصل بمندوبى الصحف والمجلات وقد سارع بعضهم بنقل الواقعة فى تقاريرهم اليومية والتى نشرتها الصحف تزف إلينا خبر مواجهة الفساد والمفسدين..!
ومن الواضح أن هناك تقصيرا من الإخوة مراسلى الصحف.. لأنهم لم ينشروا صورة فوتوغرافية للمجرم العتيد والكلابشات فى يديه.. حتى تجرسه بين الأهل والأبناء فى المدارس وبين الجيران فى منطقة سكنه.. وحتى يكون عبرة لمن يعتبر وحتى نحتاط منه فى المستقبل القريب..!
وهكذا تكون الصحوة الأمنية.. وهكذا نواجه الفساد والمفسدين.. بأن نبدأ بالمجرم مختلس الثلاثة جنيهات.. ثم نتدرج فنقبض على سارقى العشرة جنيهات.. ثم المائة جنيه.. أما المليون والمليار.. فلا يقدر على القدرة سوى الخالق سبحانه وتعالى..!
بعض العارفين ببواطن الأرياف يؤكدون أن الحكاية ليست حكاية اختلاس ثلاثة جنيهات والمسألة أبعد من ذلك.. وأن الغرض والهدف هو تجريس الرجل وتحقيره بين الأهل والأقارب والزملاء فى الشغل لأسباب كثيرة، كثيرا ما تحدث فى المدن والقرى الصغيرة.. وقد يكون الكمسارى قد نسى حجز تذكرة خصوصى للباشا أمين الشرطة.. وربما يكون قد تعامل بخشونة مع بنات واحد من باشوات الشرطة والأمن.. وربما لم يعمل الواجب عند ركوب واحد من البهوات الجدد، فكانت قرصة الأذن التى نشرتها الجرائد فى صدر صفحاتها..!
يقولون أن تكاليف التحريات والقبض والتحقيق تكلف الدولة العميقة أضعاف المبلغ المختلس.. ولا تنسى إضاعة وقت البوليس والنيابة والقضاء والمحامين.. وخصوصا أن القضايا مكدسة بالكوم.. ولكن لا.. الحق حق والعدالة لا بد أن تأخذ مجراها..!
وزمان زمان.. فى مثل هذه النوعية من الجرائم.. كان حضرة الضابط أو وكيل النيابة يسارع بدفع المبلغ المختلس من جيبه الخاص وحتى تنتهى القضية.. وحتى ينام الكمسارى المتهم فى بيته ووسط أولاده، ويعنى إيه اختلس ثلاثة جنيهات، والتهمة هايفة ولو أننى مسئول بالدولة لأمرت بإحالة الضابط والمأمور ورئيس النيابة إلى المحكمة التأديبية لإضاعة وقت الدولة فى قضايا لا محل لها من الإعراب.. والكيدية هنا واضحة وضوح الشمس.. ولا تنسى السهو والخطأ.. والمسئول الناصح يطبق روح القانون قبل أن ينفذ النصوص العبيطة..!
هناك من العقلاء من يرى أن القبض على الكمسارى هو علامة من علامات الساعة.. وأنها عودة للجاهلية حيث إذا سرق الفقير أقمنا عليه الحد.. أما الغنى فنطنش عنه على اعتبار أنه مسئول وله ضهر ولا يجوز لنا أن نضربه على بطنه.
الحمد لله أننا أقمنا العدل فى ربوع المنوفية.. وقد أثبتت الشرطة أنها صاحية ومصحصحة.. والدليل أنها وضعت يدها على المختلس الخطير الذى اختلس ثلاثة جنيهات.. وغدا وبإذن واحد أحد.. سوف تتمكن أجهزة الأمن من ضبط زملاء المختلس وربما زوجته وأبنائه..!