الإثنين 20 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

مراكز «دروس خصوصية» يقودها تجار مخدرات وبلطجية وقوادون

مراكز «دروس خصوصية» يقودها تجار مخدرات وبلطجية وقوادون
مراكز «دروس خصوصية» يقودها تجار مخدرات وبلطجية وقوادون


«تضمن لك النجاح والحصول على تقدير».. هذا هو الشعار الذى رفعته مراكز الدروس الخصوصية التى انتشرت فى الآونة الأخيرة فى معظم شوارع القاهرة، وعدة مدن، فى الوقت الذى أعلنت فيه الدولة الحرب على الدروس الخصوصية، وتعهدت بالقضاء عليها، لإصلاح منظومة التعليم.
والواقع المؤلم أن منظومة التعليم فى مصر تعانى أمراضا مزمنة، توطنت واستفحلت بعد انهيار الخطط القومية للتعليم، وظهور مراكز الدروس الخصوصية.
عرفنا التعليم المفقود فى الأماكن المخصصة للتحصيل، بعد تخلى الدولة عن دورها فى تطوير المناهج وإعداد المعلمين وتجهيز المعامل والفصول الدراسية.
لم يفاجئنا التقرير الدولى الذى يؤكد أن مصر تأتى ضمن الدول العشر الأخيرة فى مستوى التعليم متأخرة عن اليمن وموريتانيا.
ومن بين الظواهر التى تعكس ما وصل إليه حال التعليم انتشار لافتات فى شوارع القاهرة الراقية والشعبية تحمل شعار «النجاح من غير كفاح» للإعلان عن أحد مراكز الدروس الخصوصية لطلاب الجامعات، خاصة أكاديمية المقطم.
 ظاهرة المراكز الخاصة هى الأبرز فى عام 2015 لتسببها فى استنزاف جيوب أولياء الأمور مستترة خلف مسميات لتتحايل على القانون وعن المساءلة القانونية، فقد وصفها أولياء الأمور بأنها قنبلة موقوتة ستنفجر قريبا فى وجوه القائمين عليها ثم المجتمع كله، لأنها ترفع شعارات مخالفة لكل قيم العلم التى يسعى إليها الطالب بعد تغير شعار «الكفاح يؤدى إلى النجاح».. إلى انجح بدون كفاح، وطالب بالتصدى لها بكل قوة.
مسئول بمركز «فودو» للدروس الخصوصية طلب عدم ذكر اسمه قال إن المركز يرفع شعار النجاح بدون كفاح لتشجيع الطالب والتأكيد على أن نجاحة من خلال المركز بكل ثقة لما يوفره، فلدينا مكتبة ضخمة بها جميع الملازم الدراسية للطالب بها الخلاصة من كبار الأساتذة، كما أننا نعلم مواعيد الامتحانات الشهرية فى الجامعات قبل معرفة الطلاب بها، لذلك قمنا بإنشاء صفحة على الإنترنت لرصد كل المعلومات الخاصة بأكاديمية المقطم، وإذا انضم إلينا طلاب آخرون من جامعة أخرى لا نرفضهم بل نوفر لهم شريحة قوية من الأساتذة المتخصصين للشرح الموجز والمفيد.
وأشار إلى أن المركز به 5 قاعات رئيسية كل قاعة تستقبل 42 طالباً جامعياً، وهى عبارة عن ديسكات كل «ديسك» مخصص لطالبين، ويكون دور المركز كبيرا فى الفترة قبل الامتحانات للإقبال عليه ويدفع الطالب 300 جنيه ثمنا للمحاضرة الواحدة.
وأن المركز يوفر للطلاب فى فترة الدراسة بشكل شامل إجابات عن أى أسئلة يتم طرحها نقوم  بتعبئتها وتسليمها خلال 48 ساعة محلولة بخط اليد مقابل 12 جنيها فقط، كما نطرح جميع الجداول الدراسية، والمواعيد لاستلام الكتب وتوفيرها للطالب غير المتواجد، ونتواصل مع بعض الطلاب  بالرسائل الهاتفية.
ويقول عبدالرحمن أحمد، أحد الطلاب: بيزنس المراكز يشتعل الآن فى جميع المراحل الدراسية لاقتراب الامتحانات، فالجميع لا يحضر المحاضرات ولا يهتم بدخول الكليات لأن كل شيء يتم توفيره بالمال بأسهل الطرق ، وتكلفة فترة الامتحانات لأى طالب من الدروس الخصوصية فى الجامعة لا تتعدى الـ2000 جنيه حتى يحصل على النجاح وبتقدير أيضاً، وندفع المال حتى نحصل على الشهادة الجامعية ونعلم جيداً أننا سنضعها بجوارنا مثل من سبقونا الذين فشلوا فى الحصول على فرص عمل، لذلك لا نبحث كثيراً عن التعليم فليس منه فائدة لذلك نشتريه بالمال.
أولياء الأمور «المراكز الخصوصية ليس لها كبير يتصدى لها»:
ويضيف محمد الشافعى  ولى أمر: مراكز الدروس الخصوصية للطلاب فى جميع المراحل التعليمية أزمة كبيرة لا تجد كبيرا يتصدى لها، وتؤدى إلى حدوث خلل كبير فى المنظومة التعليمية، وتحرق جيوب الغلابة أمثالنا فلدى من الأبناء أربعة الصغير منهم فى المرحلة الابتدائية يأخذ دروسا خصوصية تصل إلى 250 جنيهاً شهرياً بشكل ثابت على مدار العام حتى فى الإجازات، منذ  سنوات قليلة لم نكن نسمع عن الدروس الخصوصية فى المدارس الابتدائية إلا أنه أصبح يمثل بلاء جديداً لأن المرحلة الابتدائية أصبحت أيضا لا يتم التدريس فيها من قبل المدرسين، وأبنائى الثلاثة الآخرون فى المرحلتين الإعدادية والثانوية وتكلفة الدروس الخصوصية للمرحلة الإعدادية 400 جنيه شهرياً، والثانوية  شهرياً 500 جنيه، فماذا يتبقى لرجل راتبه 1200 جنيه شهرياً لذلك أعمل ورديتين حتى أستطيع توفير حياة «نصف كريمة» لأسرتي.
يؤكد راضى حجازي، ولى أمر: أعمل موظفا، وظاهرة المراكز مصيبة تهدد البيوت المصرية، خاصة محدودة الدخل، فقد كنا نسمع كثيراً عن  الدروس الخصوصية فى الشهادتين الإعدادية والثانوية، لكن الكارثة الجديدة المنتشرة فى الجامعات، فأحد أبنائى يحضر المحاضرة الواحدة فى الجامعة فى مراكز الدروس الخصوصية بـ100 جنيه وفى بعض الأحيان فى المراجعات النهائية تصل الى 200 جنيه فى الحصة الواحدة وعدد الطلاب فى المدرجات يصل الى 150 طالباً، وهى مشاهد لم نكن نشاهدها، وأصبحنا نجبر عليها فى البدعة الجديدة المسماة الدروس الخصوصية للجامعات.
وقالت ولى أمر إحدى الطالبات، إنها علمت أن تجار مخدرات وقوادين يؤسسون عددا من مراكز الدروس الخصوصية، تحت عدة أسماء، رغبة فى الثراء السريع.
وتضيف منال شوقى ولى أمر: كنت أساند أبنائى فى البداية فى المذاكرة فى المنزل مثلما كانت تفعل مئات الأمهات، إلا أن أمر مراكز الدروس أجبرنا للعودة بعيدا عن الكتاب المدرسى وحل محلنا لكن بأموال طائلة نعانى منها كل شهر، لدى اثنان من الأبناء والمراكز تأخذ نصف راتبى بدون نقاش كل شهر ثمنا لعدم تخلف أبنائى ولخوفى الشديد عليهما وافقت وأصبحت أشرف ظاهريا فقط، لكن أتمنى عودة الحياة للمدارس والجامعات بعيداً عن مراكز الدروس الخصوصية التى أصبحت منتشرة فى كل شارع وأصبح بيزنس ضخما لا يستطيع أحد إيقافه وتأخذ شكل مدرجات ضخمة وكأن المدارس تم نقلها إلى تلك المراكز دون أى إشراف قانوني، وبالفعل هى حقيقة ليس هناك أى أشراف قانونى لوقف مهازل تلك المراكز فيما قال عدد من أولياء الأمور إن بعض هذه المراكز يديرها مسجلون خطر وبلطجية على علاقة بالأمن.
مصر بين الدول العشر المتأخرة فى العالم:
يقول الدكتور كمال مغيث الخبير والباحث بالمركز القومى للبحوث التربوية: من المفترض أن منظومة التعليم فى مصر جزء من المشروع الوطنى الذى لابد أن تتم خدمته بعناية، وهذا ما عاهدناه فى التعليم الحديث منذ عهد محمد علي، حيث كان التعليم جزءا من مشروع التطوير، ثم من بعده فى عهد الخديو إسماعيل  شهد طفرة كبيرة، خاصة فى تعليم البنات والربط بين التعليم والكوادر التى يتطلبها المجتمع المصري، ثم كان التعليم جزءا من المشروع الوطنى فى مصر بين الثورتين وجزءا من قضية الدستور والبرلمان والاستقلال وغيرها، وكان واضحاً أكثر فى عهد عبدالناصر خطته الطموحة فى التطوير ومجانية التعليم والاهتمام بالشق العلمى ودعمه، إلا أنه فى عهد السادات بدأت تظهر مشاكل التعليم فلم يكن جزءاً من المشروع الوطنى لأن الدولة لم يكن لها ملامح بارزة فى ذلك الوقت، وليس هناك حرية فكرية حقيقية أو حرية سياسية فانهار المشروع الوطني، مما أدى إلى انهيار التعليم وخطط التنمية الوطنية وانهارت الخطط القومية ما بين التعليم وبين العمل، وكانت النتيجة ما يحدث حالياً من ظهور مراكز للدروس الخصوصية وأزمتها واستنزاف البيت، وتبديل شعار النجاح سبيل الكفاح إلى النجاح بدون كفاح، والتباهى به، لذلك نحن كخبراء نطالب الدولة بإصدار قوانين صارمة لمواجهة الأمر لأن التعليم حالياً يستنزف الأسرة المصرية وكل راتبها الشهرى يصل إلى تلك المراكز التى تقيم الحصص بـ300 جنيه فى بعض الاحيان فى الجامعات.
ويشير مغيث، إلى أن ما يحدث الآن فى المناهج الدراسية يؤكد أن التعليم فى مصر فى أواخر أولويات الدولة، ومصر بين العشر دول الأواخر فى القدرة والتعليم بين دول العالم، وفى بعض الحالات تسبقها اليمن وموريتانيا، والإرادة السياسية تتجاهل ذلك، والعمل على شغل الناس بقضايا جزئية مثل «التابلت» وانشغال الطلاب به عن الكتاب أمر غير مقبول فى التطوير فى ظل ظروف التعليم الصعبة فى مصر لأن 50% من المصريين تحت خط الفقر، فكيف يتم تسليم  «تابلت» للطالب الفقير بألف جنيه ثم يتنازل عنه للاستفادة من الأموال التى يجنيها من بيعه، وهذا دليل على أن المنظومة تسير بشكل خاطئ.