ميدان التحرير سلاح ضد الاستبداد
محمود التهامي
محمود التهامي روزاليوسف الأسبوعية : 24 - 12 - 2011
ميدان التحرير سلاح قوى ضد الاستبداد، لا يجب إهداره باستخدامه عشوائيا ودون ضرورة بخضوعه لقيادة مجهولة لا نعرف من أهدافها الآن إلا اتخاذ الجيش المصرى عدوا وإشاعة الفوضى والتخريب، هذا ما يجب تنبيه الشباب الثائر الغاضب له، لا نخشى من أى عدو معروف وظاهر، ما نخشاه هو من يحرك الأمور فى اتجاه العنف دون أن نعرف من هو، وإن كانت أهدافه لا تخطئها العين.
لم يكن د. زويل العالم المصرى الشهير المحترم فى الولايات المتحدة والحائز على جائزة نوبل الوحيد الذى بكى من هول التردى فى الحالة المصرية، بل شاركه ملايين المصريين الذين بدا لهم ما يحدث من تخريب وحرق للتراث الإنسانى المصرى غريبا وشاذا فضلا عن أنه غير مبرر.
الغريب أن تردى الحالة المصرية لم يكن بسبب الانتخابات التى توقع البعض أن تكون دموية، وإنما بسبب أحداث شغب نتجت عن إصرار البعض من ناحية على ممارسة حقهم فى الاعتصام أمام مدخل مبنى مجلس الوزراء، وإصرار قوات الأمن على حقها فى تأدية واجبها فى المحافظة على منشآت الدولة الحيوية
. الأكثر غرابة أن تصدى الجيش المصرى لحفظ أمن المنشآت الحيوية لا يعجب البعض فحولوا الشغب إلى مواجهة بين الجيش المصرى وبين الثوار المدافعين عن الحرية!!! وكأن السيناريو الموضوع يقضى بضرورة أن تتحول مصر إلى ساحة حرب مثلما يحدث فى سوريا أو مثلما حدث فى ليبيا ويصطدم الجيش بالناس، وتأتى القوات الدولية لتفصل بينهم.
منذ أحداث شارع محمد محمود، وهى الموقعة التى سبقت اشتباك شارع قصر العينى بأسابيع قليلة وانتهت باستقالة حكومة شرف، تناثر الحديث عن طرف ثالث يعمل على توجيه الأحداث العشوائية إلى مصادمات، فى كل مرة يتوجه بعض المتظاهرين إلى محاولة اقتحام المبانى الحكومية التى ترمز إلى سيادة الدولة، ومن المثير حقا أن الجميع يكاد يقتنع أن الطرف الثالث موجود لكن لا أحد يفكر فى التوقف والتروى لاكتشاف هويته وأهدافه ومصادر تمويله.
الصور التى بثتها المحطات التليفزيونية تؤكد أن عمليات الحرق والتخريب تسير بترتيب وتنظيم وأبطالها من المخربين يظهرون فى الصور وبالتأكيد هؤلاء ليسوا ثوارا ولا يجيدون حتى القراءة والكتابة، ومع ذلك ظهرت مبادرات لوقف العنف تدعو الجيش والشرطة إلى عدم مواجهة المخربين وكأن عليها أن تنسحب من تأمين المنشآت العامة وتتركها ليحتلها من لا نعرف طبيعته ولا هويته.
فى لحظة ما من متابعة المعلقين فى وسائل الاعلام بدا لى أن المطلوب هو إلحاق هزيمة بالجيش المصرى فى موقعة الدفاع عن منشآت الدولة الحيوية، هزيمة مماثلة لما حدث يوم الجمعة 82 يناير الماضى بالنسبة لجهاز الشرطة الذى انهار تحت ضغط كثافة التجمعات الشعبية، لكن أقل مايمكن قوله أن هذا التصور ساذج وغير واقعى لسببين، أولهما أن غالبية الشعب المصرى إذا تأزمت الأمور سينحاز إلى جيشه ولن يتخلى عنه لحساب مجهولين لانعرفهم.
نقطة الضوء التى بدت بعيدة فى نهاية النفق المظلم كانت مبادرة بعض ذوى الرأى المحترمين وقد سمعت منهم على سبيل المثال لا الحصر منصور حسن وأحمد زويل والمستشار الخضيرى، وتصب آراؤهم فى ضرورة فرز العملاء من بين الثوار، وأن على الثوار ألا يقبلوا التصعيد والخروج على أهداف الثورة، وأن يحتفظوا بالتأييد الشعبى للمطالب المشروعة، وأن يكشفوا المندسين بينهم، كما لا يوجد عاقل فى مصر الآن يجادل فى حق الجيش المصرى فى حماية الشعب ومنشآته الحيوية.
هنا نقول إن الحلقة المفقودة فى المسألة كلها هى كيفية التفاهم بين المصريين على أساس التعايش بينهم دون قهر، فقد ذهب الخوف والقهر ولم يعد فى مقدور أحد فرض رأيه بالقهر مرة أخرى، وبالتالى فإن ممارسة الحقوق المشروعة كالإضراب والاعتصام يجب أن توضع لها قواعد واضحة من يتجاوزها يفقد حقوقه ولا يجد من يدافع عنه، هذه هى الطريقة الوحيدة التى تفرز البلطجية بعيدا عن الثوار.