الجمعة 2 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

11 مليون جنيه لتأمين الإرهاب فى مترو الانفاق

11 مليون جنيه لتأمين الإرهاب فى مترو الانفاق
11 مليون جنيه لتأمين الإرهاب فى مترو الانفاق


بعد ثورة 30 يونيو 2013 خرج تأمين محطات الخطوط الثلاثة لمترو الأنفاق من سياق الرفاهية الأمنية، فأصبح ضرورة، خاصة بعد أن شهد عدد من المحطات تفجيرات إرهابية خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، وبعد حادثة سقوط الطائرة الروسية المنكوبة فوق سماء سيناء، ازداد عدد ضباط وعناصر وجنود تأمين مداخل المحطات المهمة، بجانب إمدادها قبل شهور قليلة بأجهزة تفتيش «إكس راى» وبوابات الكشف عن المعادن.

 ولوحظ أن الزيادة فى عدد الضباط والعساكر المكلفين بتأمين مداخل المحطات لم تعن زيادة دقة التأمين نفسه، وفى بعض الأوقات يبدو التأمين غير موجود أصلاً، ويكون بإمكان مواطنين العبور بحقائبهم دون تفتيش رغم وجود ماكينات التفتيش.
المهندس على فضالى رئيس جهاز المترو فى أكتوبر الماضى قال إنه «تم طرح مناقصة لتركيب كاميرات مراقبة فى مداخل وأرصفة وصالات جميع محطات الخطوط الثلاثة لمترو الأنفاق، بتكلفة قدرها 45 مليون جنيه للكاميرات، و31.5 مليون جنيه لشراء 120 جهاز أشعة ثابتًا أى «إكس راى»، و120 بوابة إلكترونية للكشف عن المعادن و500 ألف جنيه لـ5 أجهزة «أشعة محمولة»، وتم بالفعل تركيب كاميرات مراقبة فى 3 محطات بتكلفة 4 ملايين جنيه، وبواقع 55 كاميرا للمحطة الواحدة بتكلفة مليون جنيه لكل محطة بعد الانتهاء من إجراءات التعاقد مع الشركة التى ستتولى التنفيذ.
من كل ذلك تبدو إجراءات التأمين المتبعة جادة جداً من قبل الدولة وجهاز تشغيل المترو وشرطة المواصلات بعد تخصيص ميزانية تخطت حاجز الـ75 مليون جنيه، وتوفير حوالى 800 مجند لتأمين المحطات، بعضهم مزود بواق من الرصاص بالإضافة للأسلحة، لكن من خلال هذا التحقيق المصور نكشف ونوثق سوء التأمين على مداخل بعض المحطات الهامة مثل «العتبة والشهداء والسادات ومحمد نجيب».
البداية كانت من محطة العتبة، وهى من أهم المحطات وأكثرها ازدحاماً بعد محطة الشهداء، نظراً لمكانها القريب من المسرح القومى وميدان العتبة وأسواق الموسكى وسور الأزبكية وأيضاً شوارع وسط البلد، قبل أيام قليلة من إجراء هذا التحقيق كان عبور البوابة الإلكترونية للكشف عن المعادن سهلاً جداً فى أوقات التكدس على البوابة، و«هى كثيرة»، فبإمكانك أن تتجاهل الملايين التى صُرفت و«الاكس راي» والليزر، عن طريق عبورك من الباب الأيسر للمحطة والذى يخلو من أى أفراد أمن، بينما الضباط والعساكر على الجانب الأيمن مشغولون مع آخرين أو يتحدثون إلى بعضهم البعض.
لكن أثناء إجراء التحقيق، لوحظ وقوف عسكرى فى منتصف البوابة، يوجه الداخلين إليها إلى التزام الجانب الأيمن حيث مكان «إكس راى» والبوابة الإلكترونية، ورغم ذلك يظل التفتيش روتينيًا، لا ينتج عنه أى شىء، فتمكنت من عبور البوابة دون أن يستوقفنى أحد رغم انطلاق إنذار الكشف عن المعادن، وعبر بعدى آخرون ولم يصمت الانذار عن الصراخ، ولم يتحرك فرد الأمن لإيقاف أحد أو لإسكات الجهاز الغاضب.
وفى المحطة ذاتها تمكنت من الدخول إليها والخروج منها عبر كل بواباتها المفتوحة أكثر من مرة لالتقاط صور للتقصير الأمني، دون أن يلاحظنى أى فرد أمن، ودون أن يتناب الشخص المكلف بمراقبة الكاميرات أى قلق أو فضول لمعرفة من هذا الشخص الذى يتجول فى المحطة على مدار 40 دقيقة بحرية كاملة.
وفى محطة السادات التى شهدت أطول فترة إغلاق لمحطة مترو «22 شهراً» بسبب عدم القدرة الكافية على تأمينها، تمكنت من خلال كاميرا الهاتف من التقاط صور لمكاتب مهجورة خاصة بضباط شرط المواصلات على مدخل المحطة من ناحية مدخل جراج التحرير، وكانت الساعة وقتها تقترب من الخامسة مساءً، حيث كانت المحطة مزدحمة بالداخلين إليها والخارجين منها.
وعند صلاة المغرب شاهدت أثناء تجولى بالمحطة ضابطا كبيرا ينضم للمصلين داخل المصلى الموجود داخل المحطة لأداء صلاة المغرب التى تصادفت مع وقت الذروة، فالتقط له صورة، وربما نسى هذا الضابط أن العمل عبادة أيضاً، خاصة إذا كان مرتبطاً بأمن وحياة المواطنين المكلف بحمايتهم.
وبالانتقال إلى محطة الشهداء الأكثر ازدحاماً بسكان القاهرة والقادمين من محافظات أخري، رصدت من خلال مشاهد مختلفة عساكر شرطة المواصلات غير ملتزمين بتعليمات التأمين، والتقطت صوراً لعساكر يتحدثون فى الهاتف، وآخرين يتجاهلون شاشات عرض محتويات الحقائب لانشغالهم بالحديث مع بعضهم البعض أو بتناول الطعام.
وفى المحطة ازدادت الفوضى عند أحد مداخل المحطة بجانب منطقة الفجالة، وشاهدت ضابطا يجلس وبجانبه كرسى لضابط آخر ترك مكانه قبل التقاط الصورة، الشاشة تعرض محتويات حقائب المواطنين العابرين دون أن يركز الضابط المسئول فى شاشة العرض وانشغل أحياناً بمتابعة هاتفه وأحيانا بالنظر يساراً أو يميناً للتسلية.
ورصدت أيضاً أن عدداً من أمناء الشرطة لا يستطيعون التعامل مع جهاز الاكس راى، فيضطرون إلى التفتيش اليدوى البسيط وهو «إمساك الحقيبة من الخارج ليتحسسها فقط»، وهذا يكشف سبب عودة انتشار الباعة الجائلين داخل المحطات وعربات المترو، فربما يكون السبب فى قدرة الباعة على خداع عناصر التأمين الذين لا يدققون فى التفتيش، وربما تكون هناك تسهيلات تقدم لهم تمكنهم من عبور المداخل والانتشار داخل العربات بكل بساطة.
والغريب فى الأمر أيضاً أن اللواء السيد جاد الحق مدير الإدارة العامة لشرطة النقل والمواصلات، قال فى يونيو من العام الجارى إنه تم تزويد مرفق المترو بـ«أفراد شرطة سريين بالزى المدنى يصعدون إلى عربات المترو دون أن يشعر بهم أحد، ويقومون بتبديل الخدمات فى محطات معينة لينزل أحدهم ويركب الآخر ليستكمل رحلات القطار، وتكون وظيفتهم الوحيدة متابعة الحالة الأمنية داخل العربات»، وانتشار الباعة يشير إلى وجود تقصير أمنى فى هذا الإطار.
وفى محطة الدقى التى كانت ضمن آخر المحطات التى حصلت على أجهزة الإكس راى والبوابات، لم يختلف المشهد، بل زاد عشوائية، فعندما يزداد الزحام على مدخل المحطة نتيجة «غلق عدد من مداخلها الأخرى»، ويظهر التقصير الأمنى بوضوح عندما يعبر الناس بجانب البوابة الإلكترونية سواء بحقائبهم أو بدون، وفى أحد الأيام الماضية فى تمام الساعة الخامسة والنصف مساء عبر أمامى أكثر من سيدة ورجل يحملون حقائبهما فشعر العسكرى بالارتباك واختار اثنين لإجبارهما على العبور من البوابة ووضع حقائبهما على سير الاكس راى، بينما حوالى 8 أشخاص آخرون عبروا من ممر آمن دون أى مشكلة ودون أى تأمين يذكر، وهذا ما تم تصويره.
ولمعرفة رأى المواطنين فى مدى جدوى هذا الشكل من التأمين، قالت إحدى الطالبات قبل دخولها إلى المحطة: «أنا مش شايفة إن الأجهزة دى ليها لازمة، كلها عيرة، والتأمين ده أى كلام ومش مفيد».
وفى الشأن ذاته قال أحد الأشخاص وكان يحمل حقيبة يد: «التأمين الجديد مايفرقش كتير، مشكلته إنه بيعمل تكدس على الفاضي، وساعات بعدى بحقيبتى من جنب البوابة الإلكترونية من غير ما حد يسألنى رايح فين، والأسلوب ده مش هيمنع أى حد عايز يفجر أو يخرب».
ورغم الملايين التى صُرفت على شراء أجهزة الليزر، والمرتبات التى يحصل عليها أفراد الأمن الموجودين على مداخل وداخل المحطات، فإن التأمين خال من الدقة، ولا ينتج عنه أى شيء سوى التكدس والازدحام أمام المداخل، وهو ما يسبب أحيانًا شجارا بين المواطنين والأمن، واستياء الداخلين خاصة فى أوقات الذروة التى تكون مزدحمة بطبيعتها ولا تحتاج لأى عوامل سلبية.■