الأحد 11 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

بعد تدوير «الفضلات» بالمخالفة للشروط الصحية: حفاضات «باسوس».. جملة وقطاعى

بعد تدوير «الفضلات» بالمخالفة للشروط الصحية: حفاضات «باسوس».. جملة وقطاعى
بعد تدوير «الفضلات» بالمخالفة للشروط الصحية: حفاضات «باسوس».. جملة وقطاعى


مع التهديدات التى تحدق بالحياة على الكرة الأرضية، بفعل تلوث البيئة، أصبحت عمليات إعادة تدوير النفايات واحدة من أهم الوسائل لمواجهة التلوث وتقليل الانبعاثات الحرارية الناجمة عن حرق ملايين الأطنان من المخلفات يوميًا، لكن هذه العملية ليست عشوائية، إذ ترتبط بشروط صحية وإلا أصبحت كارثة بكل ما للكلمة من معانٍ.
 
إعادة التدوير أصبحت فى الغرب صناعة بالغة التقدم، بل سلوكًا شعبيًا أيضًا، لكن فى مصر وبما أن الكثير من الأشياء محكومة بقاعدة «قل يا باسط»، و«ربنا يسترها» و«كله على الله»، فإن إعادة التدوير «سداح مداح» إلى درجة أن ورشًا تحت «بير السلم» تمارس إعادة تدوير حفاضات الأطفال، وتطرحها فى الأسواق تحت أسماء تجارية مزورة، بغض النظر عما قد يكون للأمر من مخاطر أقلها تعرض حديثى الولادة لالتهابات جلدية تصل إلى درجة الحروق جراء استعمال هذه الحفاضات التى لا تخضع لأساليب التعقيم الصحية.
جريمة تحدث على نطاق واسع «عينى عينك» فى قرية «باسوس» بمحافظة القليوبية، فالقرية أصبحت مصنعًا لحفاضات أطفال الغلابة، يتوافد عليها التجار، يشترون بالأطنان، يطرحون فى متاجرهم، يشترى الآباء، ويصاب الأطفال بالأمراض.
معظم الوافدين على القرية من تجار محافظات بورسعيد والصعيد، يشترون «البالات» ليوزعوها على الآباء الغافلين عن حقيقة أن مرض فلذات أكبادهم يسكن «عبوة مغلفة».
السطور المقبلة تكشف عن الكارثة المستترة فى ورش «باسوس».. عن ذاك النشاط الاقتصادى البعيد كليًا عن الرقابة بمختلف درجاتها.
ما إن تطأ قدماك «باسوس» حتى تلاحقك العيون، حتى فى «الميكروباص» يباغتك السائق بالسؤال: «عايز حفاضات»؟.. الإجابة بالطبع نعم، كانت الخيط الأول لدخول هذا العالم السري. سائق الميكروباص ذاته يملك «ورشة».. أصل الرزق محتاج إنك «تخف عشان تعوم»، واسمه «ناصر» يقول: «تستطيع هنا الشراء بأى مبلغ حتى تبدأ أعمالك، حتى لو كانت البداية بألف جنيه، فالرزق سيأتى وهذه تجارة رائجة ومضمونة».
ويحصل أصحاب الورش على الحفاضات منتهية الصلاحية والفاسدة عبر الاستيراد من بلغاريا وألمانيا والبرازيل وتصل البضاعة إلى «باسوس» فى «بالات» مضغوطة، أما المصدر الثانى فيتمثل فيما يورده جامعو القمامة للورش من حفاضات مستعملة.
سؤال اعتراضى ممزوج بصرخة: «هل تقول مستعملة»؟ يجيب السائق: نعم.. ففى الورش تُغسل وتنظف وتجفف ثم تضاف إليها مواد عطرية لتنتهى عملية إعادة التدوير فى النهاية بإعادة التدوير والتغليف ولصق اسم تجاري.
بعد الوصول إلى القرية، كان «محمد محسن» صاحب أحد المحالات التجارية، هو الوجهة التى نصحنا الأهالى بالتوجه إليها. الرجل بشوش وذو قدرة استثنائية على إذابة الجليد مع الغرباء، يتوافد عشرات التجار عليه، يقدم أسعارًا هى الأفضل لأن أحدًا لا يناقشه فيها. يقول محسن: «إياكِ من الغشاشين، أنا بأقدم أحسن الأسعار، المكسب فى العلبة الواحدة 20 جنيهًا، وفى العموم يتراوح عدد الحفاضات بالحقيبة البلاستيكية ما بين 30 إلى 40 حفاضة، حسب الاسم التجاري، الملصق عليها».
الاسم مضروب بالطبع.. لكن لولاه لما اشترى الناس البضاعة. على أن عروض التاجر المغرية لم تدفعنا للشراء بالطبع، والمبرر حتى نتملص منه، أننا ندرس السوق ولم نتخذ القرار بعد.. فودعنا الرجل مبتسمًا، بعدما أعطانا بطاقته وعليها رقم هاتفه وأيضًا «بريده الإلكتروني»، للتواصل معه فى حال عقدنا العزم على خوض هذه التجارة.
غير بعيد عن متجر «محمد» تقف «سماح» تنادى على بضاعتها بدورها، هكذا بمنتهى البساطة أمام المارة، ولا أحد يسألها عن مصدر تلك البضاعة.
الفتاة ليست لبقة مثل محمد، عيناها ترمقان الغرباء بنظرات فاحصة «بادرتنا: انتوا صحفيين والا بتوع التموين»؟.. الأمر الذى استدعى جدلاً بيزنطيًا طويلا، انتهى بأنها وافقت على اصطحابنا إلى ورشة ما، لأننا نريد كمية كبيرة، وعمولتها «فى الحفظ والصون».
تقول سماح: «الطن فى الورش يباع بسعر 17 ألف جنيه، وفى الشارع بخمسة وعشرين ألفًا، أنا هأوفر لك 8 آلاف بس عايزة عمولة ألف جنيه».. وبعد مفاوضات انتهت إلى تخفيض العمولة إلى 850 جنيهًا، استدعت طفلا اسمه «إبراهيم» ليأخذنا إلى ورشة بعينها.
إبراهيم يحفظ طرق القرية كما يحفظ خطوط كف يده، وأخيرًا بلغنا ورشة تعيد تدوير الحفاضات تحت اسم تجارى غير معروف.. هنا تساءلنا: لماذا لا يضعون اسمًا معروفًا كغيرهم؟ أحد العمال قال: «الزبون يرتاب حينما يكون الاسم المعروف زهيد الثمن، نحن فى السوق منذ زمن بعيد، ولا توجد ورشة لها زبائن مثلنا، كما أننا نرفض بيع الحفاضات بأسعار مرتفعة، الناس غلبانة».
أما الورشة ذاتها، فهى عبارة عن بدروم مغلق بستائر داخلية، وملحق بها مرآب «جراج» به كميات هائلة من الحفاظات، ويعمل بها من 5 إلى 8 عمال.
تقول راوية إحدى العاملات: أعمل فى المهنة منذ 10 سنوات وهى ليست متعبة، كل ما أقوم به هو فرز البالة القادمة من الخارج وإعادة تدويرها بشكل نهائى حتى مرحلة التغليف، وخلال المراحل المختلفة أقوم بالقص والفك والفرد وصولا إلى طى الحفاظة بالشكل الصحيح، وجميع الماركات هنا تحمل اسم «بيبي»، وبعده اسم يختاره صاحب الورشة ويغيره من وقت لآخر. ولا تعرف «راوية» شيئًا عن معايير التعقيم الصحية وإعادة التدوير، لكنها تقول: «المهم تتغسل كويس»، وتوضح أنها تحصل على جنيهين عن كل علبة، وتعمل يوميا 12 ساعة.
وهناك تجار كبار يحضرون إلينا ويدفعون لنا مبالغ طائلة والمواصلات والطعام كى نقوم بعملية التعبئة للبالة لهم داخل محلاتهم فى بورسعيد وسوهاج وغيرهما، ونحن نذهب معهم من أجل لقمة العيش إلا أن سعر الشاب فى اليومية فى المهنة يتضاعف عن الفتاة لأنه أكثر نشاطا.
حسن شاب عشرينى أخذ يراقب كل تحركاتنا فى الجراج يؤكد أن الورش مراقبة بشكل كبير من الصحة فى الآونة الأخيرة، إلا أننا نعمل بهدوء فى شكل سرى لذلك نمنع التصوير حتى لا يتسرب سر المهنة ويعلم بالأمر أحد، ونستطيع تقديم أفضل الأسعار للزبون الموثوق منه، والزبون غير الموثوق فيه يتم طرده على الفور.
ويتابع: «أصحاب الورش والعاملون فيها يد واحدة، فلقمة عيشنا مرهونة ببعضنا البعض»، موضحًا أن القرية بها نحو 100 ورشة لتصنيع الحفاضات.
ويقول أحمد شلبي، صاحب ورشة: إن أسعار الحفاضات جيدة والجميع يقبل على شرائها ونقوم بإكرام الزبون، ونعمل على مدار اليوم والمهنة معروفة عن القرية ونمارسها منذ عشرات الأعوام ونتمسك بها فمكسبها جيد والورشة الواحدة تفتح ما يقرب من عشرة منازل من العمال بسطاء الحال ممن لا يجيدون سوى التعبئة.
ويعترف بوجود أخطاء صحية فى تصنيع وإعادة تدوير المنتج فهو يحضر لنا فى البداية غير صالح ونحن نحاول تجميله، مشيرًا إلى أن أجهزة الصحة والبيئة داهمت القرية فى السابق، لكن الوضع منذ عامين يميل للهدوء.
ويقول: ليست هناك معايير صحية للعملية التصنيعية، لكننا نحرص على أن يكون المنتج نظيفًا، لم يحدث أن سمعنا أن منتجاتنا تسبب أمراضًا للأطفال.. والمصانع الكبيرة «يمكن بتعمل زينا»!
 ويؤكد مصدر مسئول بقطاع التجارة الداخلية فى وزارة التموين، أن ظاهرة الحفاضات غير الصحية موجودة بالفعل وتتخذ طرقًا متعددة للتقليد والغش التجاري، وهناك عدد من المحاضر لعدد من القائمين على ذلك، ونقوم بحملات تفتيش دائمة لضبط المخالفات.
- هل ضبطتم ورشًا فى الآونة الأخيرة؟
لا يجيب المصدر.
- ومتى كانت آخر حملاتكم؟
لا يجيب أيضًا.
شكرًا حضرة المصدر الذى طلب عدم ذكر اسمه.