«ويكيليكس» كشفت وجود عسكرى ومخابراتى صينى على سواحل البحر الأحمر
عبد الواحد إبراهيم
بجد واجتهاد تعمل سفارات الكثير من الدول على نقل المعلومات عن الأنشطة السياسية والاقتصادية والعسكرية فى البلدان التى تتواجد فيها، وتعتبر الخرطوم مصدراً للمعلومات عن الدولة السودانية والكثير من الدول بحكم الجغرافيا السياسية للدولة السودانية وارتباطاتها عربياً وأفريقيا وإسلامياً.
موقع ويكيلكيس الشهير نشر مؤخراً الكثير من المراسلات والوثائق الخاصة ببلدان كثيرة ومن سفاراتها فى الخرطوم، وتعتبر المراسلات المتعلقة بالصراع العربى - الإيرانى أهم تلك الوثائق على الإطلاق فهى غنية بالمعلومات وكشفها مدى الارتباطات العميقة بين نظام الخرطوم ونظام الملالى فى إيران، إضافة إلى الوثائق المتعلقة بالعلاقة بين السودان ودولة جنوب السودان.
فقد ضجت المواقع الإخبارية ومواقع التواصل الاجتماعى بحركة نشطاء سياسيين أعادوا نشر صور لخطابات ومراسلات ووثائق كان قد قام بنشرها موقع «ويكليكيس» فى وقت سابق منتصف الأسبوع الماضى، ونسب بعضها إلى وزارة خارجية المملكة العربية السعودية وممثلياتها فى السودان وبعض المراسلات بينها وبين كل من وزارة الخارجية ووزارات سودانية مختلفة، ويرجح الكثير من الخبراء صحة المعلومات الواردة فيها بسبب اتساقها مع سياسات نظام الخرطوم الذى ارتبط بإيران لفترة طويلة.
وكشفت تحركات إيرانية كثيفة فى السودان، حيث قدمت الحكومة السودانية الكثير من التسهيلات للأجهزة الإيرانية المتواجدة بكثافة فى السودان منذ وقت طويل، ففى العام 2010 إبان الانتخابات العامة فى السودان، عبرت إيران عن رصدها لتحركات أمريكية تستهدف فصل جنوب السودان وخاطبت الأجهزة الإيرانية فى السودان طهران بذلك قائلة: «إن الاستعمار الأمريكى أخذ على عاتقه استغلال هذه الانتخابات لدفع السودان نحو التقسيم وأن أمريكا رصدت نحو 112 مليون دولار لمساعدة الانفصاليين وأن إحدى الدول العربية استجابت للطلب الأمريكى بدعم الانتخابات بهدف دفع السودان نحو الانفصال- حسب الوثيقة -وقد دفعت مبلغ نحو 250 مليون دولار أمريكى لذلك)، وأشارت الوثيقة إلى موقف إيران من المعارضة السودانية حيث ترى إيران: (أن المعارضة سوف تهدد بمقاطعة الانتخابات وأنها لن تبسط يدها بالتهنئة ولن تعترف بنتائجها أو تقبلها بل ستقدح فى نزاهة اللجان وتتهمها بالتزوير وترمى القول على عواهنه)!
وكشفت بعض الوثائق التى تعود إلى نهاية العام 2011 عن إرسال الجمهورية الإسلامية الإيرانية لبعض المعدات العسكرية والحاويات التى تحوى معدات تقنية حساسة لتخصيب اليورانيوم.
وأشارت الوثيقة إلى وجود عسكرى ومخابراتى صينى على سواحل البحر الأحمر وتعامل سلاح الطيران السودانى مع نظيره الإيرانى إبان حربه ضد جنوب السودان، حيث قدم الإيرانيون مساعدات عسكرية عززت موقف نظام البشير وجعلته يستعيد بلدة هجليج النفطية إحدى المناطق الحدودية فى أبريل من العام 2012م.
وأشارت وثيقة أخرى إلى رصد زيارات لرجال أعمال بحرينيين إلى السودان ومقابلتهم سفير الجمهورية الإسلامية بالخرطوم، حيث احتوت الوثيقة رصداً لحركتهم بصورة دقيقة فى العاصمة السودانية من قبل عدة جهات مخابراتية.
كما أشارت وثيقة أخرى إلى اهتمام روسيا بالحرب التى كانت دائرة بين البلدين وقتها من خلال خبرائها وممثليها فى مجلس الأمن، الذين أكدوا على عزم جوبا تغيير النظام فى الخرطوم، كما تضمنت الوثيقة اعتزام جهاز المخابرات السودانية بالاشتراك مع جهاز دولة عربية أخرى اغتيال رئيس جنوب السودان «سلفاكير ميارديت» وإرسال تلك الجهة ثلاثة من أفرادها إلى الخرطوم للتنسيق مع المخابرات السودانية وتنفيذ العملية.
يقول «ضحية سرير توتو» القيادى بالحركة الشعبية لتحرير السودان/ شمال (إن ما جاء فى وثائق ويكيلكس فيما يتعلق بالسودان وعلاقة طهران بالخرطوم أمر معلوم للناشطين فى الشأن العام، وظللنا نردده نحن فى الحركة الشعبية باستمرار). ويضيف ضحية قائلا: (لدينا كل الدلائل التى تثبت مدى تورط النظام الإيرانى فى دعم حكومة عمر البشير لوجيستياً وسياسياً كما أن حدود إيران تقوم من وقت إلى آخر بمد نظام البشير بالسلاح والذخائر، وتقدم إمدادات فنية عبر عسكريين).
ويؤكد ضحية عمق الارتباط بين النظامين فى الخرطوم وإيران ويقول: (لدينا يقين تام بأن إيران شريك أساسى فى كل شىء بما فى ذلك الحروب والجرائم التى ترتكبها جماعة البشير المتطرفة فى حق المدنيين، إضافة إلى جرائم أخرى تقوم بها بالاشتراك مع إيران سواء كان على مستوى الدولة السودانية أو على المستوى الأفريقى والعربى، ونحن نوهنا وحذرنا كثيراً من خطورة التدخل الإيرانى فى الشأن السودانى، وهذا ما كشفت عنه وثائق ويكيلكس التى أثبتت مصداقيتها فى أكثر من مرة).
كما حملت وثيقة بتاريخ 2011م تفاصيل اجتماع ضم مسئولين من السفارة السودانية باسمرا وممثلين للرئاسة بإريتريا تناول موقف السودان من الضغوط التى تمارسها اثيوبيا على اسمرا، حيث طلب «يمانى قبرائيل مستشار الرئيس للشئون السياسية فى إريتريا من السودان أن يعمل على تخفيف ضغوط إثيوبيا، وأن يحدد موقفه الاستراتيجى من إريتريا وذلك عقب اعتقال السلطات السودانية لاثنين من كبار تجار المحاصيل بولاية القضارف شرقى السودان عقب شرائهما محاصيل بغرض تصديرها لإريتريا مما عده المسئولون الإريتريون انحيازاً إلى صف أديس أبابا.
وكشفت إحدى الوثائق إحباط الرئيس السودانى عمر البشير من زيارته إلى المملكة العربية السعودية فى العام 2012 حيث تم استقباله بشكل متواضع على غير ما كان ينتظر، حيث قام أحد مستشاريه بتوجيه صوت لوم إلى وزارة الخارجية بالمملكة العربية السعودية وتنسب الوثيقة إلى مصطفى عثمان مستشار الرئيس ووزير الاستثمار السابق قوله مخاطبًا وزير الخارجية السعودى السابق (تمنيت لو لم تتم هذه الزيارة فقد جاء الأخ الرئيس محبطًا وبغير الصورة التى كان يأتى بها بعد كل زيارة للمملكة «وماخد فى خاطره شديد»)، ويبدو أن البشير كان يتوقع أن تقدم المملكة العربية السعودية له دعماً مالياً مقدراً وهذا ما لم يتم حسب الوثائق.
كما أشارت الوثيقة الى إغلاق المملكة العربية السعودية المجال الجوى أمام الرئيس السودانى، وكان وقتها فى زيارة إلى إيران لحضور حفل تنصيب الرئيس الإيرانى الرئيس حسن روحانى، وإلى قيام السودان بمحاولة إرضاء دول الخليج العربى بإغلاق المراكز الثقافية الإيرانية فى كل مناطقه.
وأشارت إحدى الوثائق إلى وصول خبراء تكنولوجيا فلسطينيين ويونانيين بهدف التجسس الإلكترونى، وتأهيل أفراد من جهاز الأمن والمخابرات السودانى على قدرات عديدة من بينها إمكانية تدمير المواقع المعارضة للنظام، وتعطيل شبكات الإنترنت، والتشويش الإلكترونى الشامل.
يقول الصحفى والناشط السياسى السودانى المقيم بفرنسا «جعفر السبكى»: (الوثائق المسربة من ويكيليكس هى حقيقية، رغم محاولات الحكومة نفيها والسودان بهذه الوثائق المسربة أثبت للعالم أن حكومته تمثل خطراً كبيراً يهدد أمن المنطقة وأفريقيا، فهذه الوثائق التى اعترفت بها الحكومة السعودية منتصف الأسبوع الماضى، وبأنها أى هذه الوثائق مرتبطة بعملية قرصنة تعرضت لها الوزارة سابقاً مما يؤكد افتراءات حكومة السودان وأكاذيبها بنفيها جملة وتفصيلاً).
ويرى السبكى (أن هذه الوثائق كشفت للجميع مدى انحدار نظام الخرطوم وتورطه فى عملية الإرهاب والقتل والتصفية وهذا يؤكد ما نشر من أخبار حول محاولة اغتيال الرئيس السابق مبارك، والآن الرئس سلفاكير).
ويرجح السبكى أن تتدهور العلاقة مع دولة جنوب السودان ويقول إن الحزب الحاكم فى السودان «المؤتمر الوطنى» متورط فى محاولات اغتيال كثير من القادة الأفارقة ووبعض قيادات المعارضة آخرهم دكتور خليل إبراهيم رئيس حركة العدل والمساواة، وأن النشطاء والمعارضين يدركون ذلك جيداً ويعتبرون أن هذه الوثائق إحدى مصادر المعلومات المهمة لهم وأن موقع ويكيليكس معروف لهم منذ ظهوره وتأسيسه فى العام 2007 بنشر معلومات أثبت الواقع صدقيتها وشفافيتها وهى مفيدة للعاملين فى الشأن العام الذين يعملون فى وضع حد للفساد والانتهاكات وحماية حقوق الإنسان فى ظل الأنظمة الفاسدة.
ويشير السبكى إلى أن هذه الوثائق كشفت نية نظام الخرطوم والأدوار التى تقوم بها الحكومة فى الداخل والخارج وأن نشرها فى هذا الوقت له دلالات وخلفها دول كبيرة لها نفوذ فى المنطقة العربية خاصة أن تقارب السودان والسعودية من خلال المشاركة فى عاصفة الحزم جعلت بعض الجهات التى تريد أن تضع حداً لهذه العملية تتحرك.
وينوه السبكى إلى ضرورة أخذ ملاحظة البعض «بأن ويكيليكس تستخدم فى بعض الحالات للضغط على بعض الدول التى تنتهك فيها حقوق الإنسان وتعانى من الفساد مثل السودان» ويرفض السبكى تصوير نظام الخرطوم نفسه كضحية وأنه مستهدف بنشر هذه الوثائق.∎