الورد اللى «دبل» فى سجون مصر
أحمد شوقي العطار
قرار العفو الرئاسى الذى أصدره الرئيس عبدالفتاح السيسى بحق 165 معتقلاً من المتهمين بخرق قانون التظاهر فى أحداث سياسية مختلفة بمناسبة شهر رمضان الكريم فتح الباب لظهور عدة تساؤلات لم يستطع أحد الإجابة عليها حتى الآن، كما ظهرت أيضا مجموعة من السيناريوهات فى محاولة لاستنباط أسباب العفو عن شباب ذى خلفية إخوانية مع تجاهل تام وواضح لشباب ثورة يناير الموجودين بالسجون منذ أكثر من عام ونصف العام، مع اعتبار ما حدث جزءًا من خطة الدولة من أجل تغيير الوضع السياسى فى مصر خلال الفترة المقبلة.
وقبل أن نخوض فى السيناريوهات المطروحة حول خلفيات قرار العفو المفاجئ، دعونا نعيد طرح الأسئلة التى أثيرت بعد القرار مباشرة لعلها تصل إلى المسئولين عن هذا الملف وقد نستمع منهم إجابات واضحة، لماذا تجاهل القرار كل من ينتمون للقوى المدنية وشاركوا فى ثورتى الخامس والعشرين من يناير و30 يونيو؟، ولماذا تم استثناء أحداث الاتحادية ومجلس الشورى، وهل الدولة حتى هذه اللحظة تعتبر ثوار يناير غير المنتميين لأى تيار خطرًا على أمن الدولة القومى؟، هل تدخلت - كما يروج البعض- أجهزة أمنية لمنع الإفراج عن نشطاء يناير؟ كل هذه الأسئلة ليس لها إجابات حتى الآن، وهناك مصادر تؤكد أن المفرج عنهم هم مجرد دفعة أولى وأن الرئيس يسعى خلال الفترة القادمة للإفراج عن عدد كبير من الشباب المسجون حاليا وسيكون بينهم نشطاء يناير ولا يسعنا الآن سوى تذكير مؤسسة الرئاسة بالدور العظيم الذى قام به أبناء وشباب ثورة يناير الموجودين بالسجون طوال السنوات الماضية بدء من المساهمة فى إسقاط نظام مبارك وحتى إسقاط مرسى وجماعته.
وعلى الرغم من أن هذا القرار - أيا كانت الأسباب والأسس التى بنى عليها- هو قرار سليم ويخفف من حدة الأوضاع فى البلاد ويزيل جزءا من الحاجز الموجود بين مؤسسة الرئاسة والشباب بشكل عام، لكنه بشكل أو بآخر يزيد أيضا الفجوة بين شباب 25 يناير وبين مؤسسة الرئاسة، فمن غير المعقول ألا يشمل أول قرار عفو رئاسى فتيات وشباب تظاهرة الاتحادية جميعًا، وشباب قضية مجلس الشورى، المتهمين فيها علاء عبدالفتاح، سناء سيف، أحمد دومة، يارا سلام، وغيرهم من الشباب الذين كان من المتوقع صدور قرار بالعفو عنهم لدورهم المعروف فى مناهضة نظام مبارك ونظام محمد مرسى، وأيضا نشطاء الإسكندرية المحبوسين بسبب وقفة للمطالبة بمحاكمة عادلة لقتلة خالد سعيد، وماهينور المصرى ويوسف شعبان ولؤى قهوجى فى الإسكندرية المحبوسين لأنهم تظاهروا ضد الإخوان.
فأحمد دومة يكفيه ما فعله ضد نظام مبارك وسنوات عمره التى قضاها داخل معتقلات وسجون حبيب العادلى ومعارضته الشرسة للإخوان ولمحمد مرسى لكى يظفر بقرار عفو من سجنه المستمر منذ شهور طويلة، يكفيه رفضه المهادنة مع الإخوان فى نفس التوقيت الذى تحركت فيه رموز مبارك الموجودين خارج السجون الآن وعدد كبير من رجال الأعمال لإتمام الصفقات مع الجماعة والتوافق معهم من أجل العمل تحت سقف نظام الإخوان المرفوض شعبيا، والشواهد على ذلك عديدة.
تستحق ماهينور المصرى أن تحصل على عفو رئاسى بسبب وقفتها - اللى بمية راجل - أمام الجماعة واعتقالها فى عهدهم بسبب تضامنها مع المعتقلين من شباب الثورة فى سجون الإخوان.
من حق سناء سيف عبد الفتاح ذات العشرين عامًا، ابنة المناضل أحمد سيف عبد الفتاح المحامى والحقوقى الذى أفنى عمره من أجل هذا الوطن أن تنعم بالحرية بعد ما فعلته من أجل مصر وحياتها التى تعرضت للخطر أكثر من مرة من أجل تخليص الشعب من حكم الديكتاتور فى عهدى مبارك ومرسى.
ألا يستحق علاء عبد الفتاح الذى قضى شهور طويلة فى سجون الإخوان بسبب معارضته لممارستهم أن يكون ضمن المعفو عنهم؟.
الأسماء كثيرة، والشواهد على دور هذه الأسماء المرتبطة بثورة يناير فى إنقاذ بلدهم وشعبهم من الديكتاتورية كثيرة أيضا، فلولاهم لبقينا تحت سطوة نظام مبارك المجرم أو تحت رحمة نظام الإخوان الفاشى.
وكان من الأجدر بالأجهزة الأمنية التى اقترحت على الرئيس قائمة بأسماء ليشملهم قرار العفو، أن تضع شباب يناير المعروف انتماءاتهم ودورهم على رأس هذه القائمة، كى لا تفتح الباب أمام السيناريوهات التى تبناها البعض من أجل تفسير ما شملته قائمة المفرج عنهم بقرار عفو رئاسى، فالبعض تبنى سيناريو يؤكد أن قرار العفو الأخير هو خطوة على طريق المصالحة مع جماعة الإخوان ويستندون لبعض الشواهد من أجل دعم وجهة نظرهم وأهمها أن جميع المفرج عنهم والبالغ عددهم 165 شابا تم اتهامهم فى أحداث عنف وتخريب عقب فض رابعة العدوية أو تظاهرات تدعم الرئيس المعزول فى محافظات مختلفة، حيث شمل قرار العفو 44 متهما بـ«أحداث روض الفرج» التى تظاهر فيها الإخوان عقب فض اعتصام رابعة العدوية عام ,2013 و6 طلاب محكوم عليهم فى القضية المعروفة إعلامياً بـ«اقتحام جامعة الأزهر» عام 2013 عقب فض اعتصام رابعة العدوية أيضا، و14 محكوما عليهم فى قضية مظاهرات الإخوان فى حى عابدين والإسكندرية فى الذكرى الأولى لفض اعتصام رابعة، و5 محكوم عليهم فى قضية مظاهرات الجماعة بمطروح فى 29 نوفمبر ,2013 و 10 من المحكوم عليهم فى قضية أحداث العنف بكفرالشيخ عقب فض اعتصام رابعة العدوية و3 من المتهمين فى قضية أحداث العنف ومظاهرات إخوانية بدون تصريح أواخر 2013 فى الإسماعيلية، وأخيرا اثنين من المحكوم عليهم فى أحداث مظاهرات الإخوان بالمعادى يناير ,2014 كما استند المؤيدون لهذا السيناريو لدلالة اختيار التوقيت، حيث طفا على السطح خلال الأيام الأخيرة بعض المبادرات التى أطلقها عدد من رجال الإخوان بالخارج للتصالح بين الدولة والإخوان وبعض المؤيدين للمصالحة فى الداخل.
السيناريو الآخر يتقاطع تماما مع السيناريو الأول ويرى مؤيدو هذا السيناريو أن القرار تسبب فى صدمة كبرى لجماعة الإخوان، التى تسعى لتشويه مصر خارجيا وترويج أكاذيب حول انتهاك حقوق الإنسان فى مصر واتهام القضاء بالتسييس واضطهاد الإخوان بشكل عام، وأن قرار العفو هدم تماما ما تحاول الجماعة بناءه خلال الفترات الماضية، وأكد للرأى العام الداخلى والخارجى أن الدولة لا تنتهك حقوق الإنسان وتمد يدها للجميع وتعتز بالشباب وتسعى لتمكينه.
سيناريو أخير يتبناه بعض شباب الحركات الثورية ومؤيدى ثورة 25 يناير يرى أن المفرج عنهم الذى شملهم قرار العفو ليس لهم علاقة بالإخوان ولا بالثوار، ورغم أنهم كانوا متهمين بالفعل أنهم إخوان ومشاركين فى أحداث دبرها الإخوان ودعوا لها، لكن حقيقة الأمر- وفقا لسيناريو شباب الثورة- أن المفرج عنهم كانوا غير مشاركين فى هذه التظاهرات، وتم القبض عليهم تحت بند «الاشتباه» مؤكدين أن من أسهل الأشياء خلال الفترة الأخيرة هو اتهام أشخاص من قبل وزارة الداخلية بالانضمام لجماعة إرهابية- وفقا لما صرح به عضو بحركة 6 إبريل- ولهذا يعتبرون قرار العفو مجرد قرار شكلى وأن الأجهزة الأمنية انتقت هذه الأسماء وأقنعت بها الرئيس لأنهم يعرفون جيدا أن هؤلاء ليسوا إخوانا ولا علاقة لهم بشباب الثورة.
هذه السيناريوهات تحمل قناعات مروجيها وتحاول إضفاء صبغة سياسية على هذا القرار المفاجئ، لكن حقيقة الأمر أن القرار بالعفو عن المسجونين تم بناؤه على أسس مبهمة، وغير واضحة على الإطلاق، ولم يتم ذكر أسباب واضحة أو منطقية أدت لاختيار هذه الأسماء وفى كل الأحوال لا وجود لشباب الثورة الحقيقيين والمنتمين لفصيل 25 يناير والمشهود لهم بالوطنية والانتماء للبلد بين الأسماء التى تم الإفراج عنها.∎