الجمعة 2 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

«دكتور زيفاجو» يشعل الحرب الباردة بين أمريكا وروسيا

«دكتور زيفاجو» يشعل الحرب الباردة بين أمريكا وروسيا
«دكتور زيفاجو» يشعل الحرب الباردة بين أمريكا وروسيا


الفيلم الأمريكى «دكتور زيفاجو» الذى أدى دور البطولة فيه النجم العالمى عمر الشريف عام 1965 من أشهر الأعمال السينمائية على الإطلاق، حيث حصد خمس جوائز أوسكار وهو ثامن أنجح فيلم على مستوى شباك التذاكر فى التاريخ، وتتعدى إيراداته «تايتانيك» حتى رغم فرق السنوات مع حذف معدلات التضخم المالى الحديثة.
«دكتور زيفاجو» فى الأصل رواية روسية تم تحويلها للعديد من الأعمال الفنية، التى قال النقاد أنها كانت دور العمر بالنسبة للنجم العالمى «عمر الشريف» الذى قادته الصدفة وحدها ليصبح نجما عالميا، عندما حضر اختبارات أداء للفيلم الأمريكى لورانس العرب للمخرج دايفيد لين فى دور شخصية العربى صديق لورانس، وكان المرشح قبله رشدى أباظة الذى تغيب عن الحضور ليتم اختيار «عمر»، ويحصل بفضل هذا الدور على جائزة الجولدن جلوب ويرشح أيضا للأوسكار.
فترة الستينيات شهدت انطلاقة حقيقية لعمر الشريف إذ جسد فيها العديد من أدوار البطولة أمام عمالقة السينما الأمريكية التى ترك فيها علامة مميزة ببصمة مصرية عالمية إلى أن جاءته الفرصة الذهبية عام 1965 ليلمع نجمه فى سماء هوليوود بدور عمره فى فيلم «دكتور زيفاجو» مع «دافيد لين» للمرة الثانية ليعلن تربعه على عرش العالمية بحصوله على جائزة جولدن جلوب كأفضل ممثل، وتم أيضا ترشيحه للأوسكار عن الدور نفسه.
الرواية رومانسية تقدم قصة الحب والثورة بمشاهد رائعة وتأسرنا بطبيعة موسكو الخضراء قبل الحرب والثورة التى حصلت بسبب  الانتقاد الشديد الموجه للنظام الشيوعى، إلا أن «باسترناك» مؤلفها لم يجد ناشرا يرضى بنشر الرواية فى الاتحاد السوفيتى، لذلك هربتها المخابرات الأمريكية عبر الحدود إلى إيطاليا، ونشرت فى عام ,1957 مسببة أصداء سلبية واسعة فى الاتحاد السوفيتى آنذاك، وبالإيجاب فى الغرب.
بسببها منح «باسترناك» جائزة نوبل  للآداب، وهو الكاتب الوحيد الذى فاز بجائزة نوبل عن رواية واحدة، كما ذكرت لجنة الجائزة حينها «إن سبب منح باسترناك الجائزة يتمثل فى القيمة الفنية لرواية دكتور زيفاجو»، لكن باسترناك رفضها!!
حاليا بعد كل هذه السنوات يعاد تقديم الرواية على شكل مسرحية غنائية تعرض رسميا على مسارح برودواى فى نيويورك، وهو من أهم المسارح والشوارع التى تتسم بالزخم الغنائى المسرحى والأداء العالى الذى طالما عمل فيه النجوم العالميين وكان من رواده الأمراء والملوك وأغنى رجال الأعمال فى العالم والعديد من متذوقى الفنون وذى الحس الراقى والسياح من مختلف الدول.
الرواية أصلا تدور حول قصة طبيب جراح مشاعره متعلقة بين امرأتين، زوجته وممرضة تعمل معه فى أجواء ما قبل وبعد الثورة الروسية، أخرجها فى 1965 ديفيد لين وقام بدور يورى زيفاجو عمر الشريف وحبيبته لارا «جولى كريستى» وزوجته تونيا النجمة وابنة العبقرى شارلى شابلن «جيرالدين شابلن»، أما النسخة الحديثة فيقوم ببطولتها النجم «تام موتو» الذى يشبه كثيرا النجم عمر الشريف وتقوم بدور زوجته زوجته «لورا لى جاير» ودور حبيبته «كيلى باريت».
وفقا لموقع مسرح برودواى على الإنترنت فإن تحويلها لمسرحية بدأ فى 2006 فى مسرح لا جولا فى سان دييجو ثم تجولت فى أماكن مختلفة فى أستراليا فى عام ,2011 وها هى مرة أخرى تلعب بعقول الجماهير وتأخذه إلى وقت الفساد السياسى واللحظات المسروقة من الحنان والحب والعشق بين أهوال الثورة والحرب الباردة.
فى  العرض المسرحى الموسيقى تأخذنا إلى حالة من الجنون  ولحظات الحب العابرة، ورغم ذلك لا يمكن أن نتجاهل فكرة أن يورى كان رجلا خائنا لزوجته رغم روعة قصة حبه للممرضة لارا، وكما يكون الأدب الروسى وهو أرقى وأروع الآداب العالمية وبنفس النهاية يموت البطل المخطئ.
كان من المفترض فى المسرحية أن تكون حالة الرومانسية هى التركيز الرئيسى، ولكنها أعطت مساحة كبيرة للفرق الغنائية لتظهر الفنون الروسية والرقص التقليدى الوطنى، أظهرت أيضا حالات الثورة فى عهد لينين وستالين، وعلى المسرح يبهرنا الممثلون بتجسيد قصص الصراع والأجواء المرعبة، الموسيقى لا تخجل من العنف بل ترسم الصدمة بطريقة مثيرة، إطلاق الرصاص والانفجارات تأخذنا لويلات الحرب الباردة التى كانت فى ذروتها فى ذلك الوقت بين الاتحاد السوفيتى والولايات المتحدة. 
الحوار والأغانى والطريقة التى تم تناول الرواية بها فى هذا العرض قد تكون مختلفة عن الأداءات السابقة بحسب ما قاله النقاد الذين حضروا العرض الأول قبل فتح المسرح للجماهير، وتم وصف العرض بأنه متطور يجلب المزيد من التفكير والتعمق لتلك القصة الشهيرة على أكبر مسارح نيويورك.
وبعيدا عن الحالة الفنية للرواية فقد أثارت وكالة المخابرات الأمريكية «CIA» الجدل فى 2012 بإفراجها عن 100 وثيقة بأكثر من لغة ما عدا الروسية التى تتعلق باستخدامها لرواية «دكتور زيفاجو» الروسية للأديب «بوريس باسترناك» التى تناولت الحياة فى موسكو فى الفترة ما بين 1903 و1929 بشكل كبير من السلبية، حيث تكشف على مراحل الأحداث فيما قبل الثورة الروسية وما بعدها وتطرقت بشكل كبير إلى أيديولوجية الثوار وأفكارهم وطموحاتهم وأحلامهم وهم يخططون لثوراتهم وماذا تفعل السلطة فيهم بعد تحقيقهم لأهدافهم ووصولهم لسدة الحكم فى بلادهم.
واليوم تعيد السى أى إيه ما فعلته فى الخمسينيات والستينيات وفى الألفية الثانية ولعبها بالرواية الروسية فى حربها مع روسيا، ولماذا الآن: تتجدد الحرب الباردة من جديد بين قطبى العالم الدب الروسى والعم سام فى عدة مربعات على رقعة الشطرنج الدولى، فى أرض الفراعنة وتزايد العلاقات بين الرئيس المصرى عبد الفتاح السيسى ونظيره الروسى فلاديمير بوتين، وفى سوريا، وفى أوكرانيا، فضلا عن عدة أزمات منها لجوء إدوار سنودن الملقب بكاشف أمريكا والمبرمج فى وكالة الأمن القومى الأمريكى، الذى كشف حالات التجسس الرهيبة التى تقوم بها الوكالة وغيرها من الوكالات الاستخبارية الأمريكية حول العالم.
تفرج وكالة المخابرات الأمريكية عن الوثائق، ولكن هذه المرة باللغة الروسية، وترى صحيفة «برافدا» الروسية أن التوقيت يأتى مع صعود حالة الحرب الباردة مجددا، وفك حظرها باللغة الروسية يأتى لتأليب الشعب الروسى على بوتين ومحاولاتها للتأثير عليه من خلال الأدب والفن مثلما تفعل فى جميع أنحاء العالم واستخدامها للعديد من الكتاب حتى فى أحداث الربيع العربى مثل «فرتيجو» لأحمد مراد ومجموعة مقالات لعلاء الأسوانى «لماذا لا يثور المصريون» وأفلام مثل «رامى الاعتصامى»، و«هى فوضى».
فى الوقت الذى تزيد شعبية بوتين داخل روسيا تحاول السى أى إيه من جديد إثارة الروس، وذلك بنشرها للوثائق وأجزاءً من الرواية باللغة الروسية لأول مرة منذ عام ,1958 وذلك للكشف عن أوجه القصور فى الحياة السوفيتية، والذى يحاول أن يعيد بوتين أمجادها، حيث كانت تلك الحقبة سببا فى تحويل موسكو الخضراء إلى أقوى دول العالم مما يجعلها تنتصر على دول المحور فى الحرب العالمية الثانية وتتحول إلى قوة اقتصادية وصناعية.
تستخدم السى أى إيه الآن وسائل التواصل الاجتماعى لنشر تلك الوثائق والبوستات ومنها التغريدات على موقعها الرسمى على تويتر وأيضا باللغة الروسية ومنها تغريدة تقول فيها: «نحن نرى أن «دكتور زيفاجو» هى نقطة انطلاق ممتازة تناولت الشيوعية مقابل حرية التعبير»، وتغريدة أخرى على لسان مؤلفها باسترناك: «لقد كتبت الرواية من أجل أن تنشر وتقرأ وهى رغبتى الوحيدة» دليل على أن المخابرات تخطط لاستخدامها كمؤثر على الشعب الروسى. الذى رفض تلك اللعبة مرارا وتكرارا خلال السنوات الماضية، وتفاصيل أخرى تنشرها وكالة المخابرات وكيفية نشر الكتاب فى لاهاى وتهريبه إلى إيطاليا وإلى دول العالم فضلا عن محاولاتها لإيصاله إلى روسيا عبر قنوات مختلفة وتوزيع الرواية بين الروس ليس فى بلادهم، ولكن حتى فى الجاليات الروسية فى جميع أنحاء العالم، وحتى للبحارة الروس.
ويقول التقرير إن وكالة الاستخبارات المركزية لديها تاريخ من تهريب الكتب التخريبية فى البلدان وليس فى روسيا فقط التى تعتمد على غرس البذور الخبيثة، الرواية ظلت على رأس قائمة الكتب الأكثر مبيعا لصحيفة نيويورك تايمز.
وفى مقره فى لانجلى بولاية فرجينيا، يقع متحف المخابرات الأمريكية  توضع رواية «دكتور زيفاجو» وسط أجزاء من غواصات وأسلحة تفتخر السى أى إيه باستخدامها للقضاء على أعدائها أو أثناء حربها التجسسية، وحتى الآن هى القطعة الأدبية الوحيدة فى تلك الأجواء الحربية وهذا إن دل فإنما يدل على أهمية الرواية كأداة استخباراتية وسلاح دعائى أثناء فترة الحرب الباردة، وذلك ليس من أجل جدارتها الأدبية.
كان تهريب الرواية من روسيا والعمل على نشرها تحديا للشيوعية وكانت طريقة لإثارة الروس وقتها حتى يتذمروا على حياتهم ويتساءلوا عن قمع حكومتهم لأحد كتابهم، الغريب فى الأمر أن المخابرات البريطانية هى أول من أدرك القيمة الدعائية للرواية فى 1958 وأرسلت لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية نسختين مصورتين من صفحاتها وهى التى أوصت بنشرها فى الاتحاد السوفيتى وأوروبا الشرقية المجاورة وأعطت تلك الخطة الخبيثة لنظيرتها الأمريكية.
فبينما يتغير المشهد السياسى ويسقط نظام القياصرة الروس، تعكس علاقات دكتور زيفاجو الاضطراب السياسى الذى كان يسيطر فى جميع الأوساط نتيجة أحداث الثورة، وكذلك الحرب العالمية الأولى التى كانت تدور رحاها فى تلك الفترة، وكيف تتغير المواقف وتتبدل الأفكار بين الثوار قبل السلطة والثوار بعد السلطة وماذا تفعل السلطة فى البشر، وبدأت القصة بموت والدة  زيفاجو، أما والده، وهو صناعى غنى، فقد انتحر جراء التأثير المحبط الذى مارسه عليه محاموه، ويتزوج زيفاجو قبل الحرب العالمية الأولى من امرأة جميلة  ويعيشان حياة مرفهة سعيدة، وفى أثناء ذلك تظهر امرأة  اسمها لارا، حيث إن عشيق والدتها الجنرال سترينيكوف كوماروفسكى  يحاول إغواءها ولكنها تتخلص منه بالزواج من شاب مثالى لكنه يتركها فيما بعد.
وأثناء الحرب العالمية الأولى تتطوع لارا للعمل كممرضة وتلتقى بالدكتور زيفاجو الذى كان يخدم فى الجيش كطبيب، فتربطهما قصة حب جارفة تنتهى بنهاية الحرب. عندما تحدث الثورة الروسية يلجأ زيفاجو وزوجته إلى قرية فى الريف الروسى فى منطقة الأورال، ويلتقى مرة أخرى بلارا التى كانت تبحث عن زوجها فى نفس المنطقة لتتفجر مرة أخرى مشاعر الحب .
ويعود الدكتور زيفاجو إلى موسكو عام 1922 ليعيش فى فقر مدقع، ويشعر فى أحد أيام عام 1929 بالغثيان متأثرا بكل ما يدور حوله، حين يكون  فى عربة الترام وبلحظة خاطفة قاتلة يلمح عن بعد حبيبته لارا تمشى على الرصيف المحاذى للشارع الذى يعبره الترام حاول اللحاق بها ولهث وراءها كحلم ودون أن يتسنى له لفت انتباهها ودون أن تدرك هى أنه حبيب عمرها كان وراءها على مسافة بضع خطوات وقع أرضا وباغتته سكتة قلبية ليموت على الرصيف الذى كانت قد عبرته لارا لتوها، هكذا عبر لنا باسترناك عن لهاثنا المخيف وراء السعادة.∎