الخميس 1 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الخلفية «الأزهرية» تطارد وزير الثقافة

الخلفية «الأزهرية» تطارد وزير الثقافة
الخلفية «الأزهرية» تطارد وزير الثقافة


على مدار التاريخ لمع على الساحة الثقافية فى مصر العديد من الأسماء التى كانت جذورها الأولى تمتد إلى الكيان الأزهرى. الروافد كانت تعود إلى المنبع الرئيسى الذى استمد منه معظم المصريين قطرات العلم الأولى. أسماء كبيرة أحدثت  تنويرا لايزال بريقه متواجدا حتى الآن وتطورا لمستوى الثقافة المصرية وضعها على القمة فى العالم العربى واقتربت من قمة الثقافة فى العالم. ولكن كان لهؤلاء الأزهريين أسلوب محدد فى الفكر المستنير التقدمى مما جعلهم يندمجون بل أحيانا يصوغون المشهد الثقافى فى مصر. لذلك فالعمل الثقافى ليس غريبا على الأزهريين ولا يعيب العامل فى الحقل الثقافى أن يكون ذا خلفية من أى نوع سواء تعليمية أو سياسية، المهم، أن يكون ذا عقلية قادرة على استيعاب المعنى الحقيقى للثقافة من تفتح أفكار وتعدد رؤى وحرية إبداع.


بعد التعديلات الوزارية الأخيرة اختير من جديد وزير ثقافة أزهرى هو «عبدالواحد النبوى» وهو الثانى الذى جاء من تعليم أزهرى بعد «صابر عرب» الذى تولى الوزارة فى الفترة السابقة ثلاث مرات. أن يكون الوزير أزهريا لا يعنى المثقفين ولكن التصريحات الأولى التى جاءت على لسان «النبوى» هى التى أثارت الجدل.. هى التى كادت أن تحقق فلسفة «تكلم حتى أراك».. تصريحات كانت من نوعية «دعوته إلى عدم الخلاف بين المثقفين، الإبقاء على بعض كوادر وزارة الثقافة، الدعوة إلى أفلام تدعو إلى الأخلاق والقيم، تشجيعه للأعمال الوطنية وفى النهاية خبر استعداده لزيارة القرى والنجوع لتفقد قصور الثقافة هناك». كان لابد من التوقف للحظات عند هذه التصريحات وعند رد الفعل حول اختيار وزير أزهرى للمرة الثانية فى أربع سنوات.
الروائى «جمال الغيطانى» كان له رأى مؤيد للوزير الجديد حيث قال: مبدئيا أعتقد أن أى شخص بدلا من جابر عصفور - الوزير السابق -  هو اختيار موفق، لأننى أعتبر «عصفور» أفشل وزير إذا وضعنا التأييد الذى حظى به فى البداية فى الاعتبار.. إلا أنه خذل مؤيديه بأدائه السيئ. ولا يعيب الوزير الجديد أن يكون أزهريا فما يهمنى هو نظافة يده وسلوكه الأخلاقى ولم يظهر على «النبوى» أى شىء يدل على أنه ضد التحرر.. بينما كنا نجد أداء مخزيا من «جابر عصفور» فى مواقفه ضد حرية الرأى مثل موقفه من الصحفى «طارق الشناوى» الذى رفع «جابر» قضية ضده، بسبب إحدى مقالاته. وكنا نجده أيضا يدخل فى معارك مع الأزهر غير مفهومة كما لو كنا فى نظام مبارك فى  التسعينيات.. وحول تصريحات «النبوى» بأنه يدعم الفنون التى تدعو إلى القيم والأخلاق أضاف الغيطانى: هذا يدعو للنقاش والجدل معه لأن الأخلاق كلمة واسعة وأى فن يدعو للأخلاق.. فهذا يدعو للنقاش وإذا اختلفنا معه وأثبتنا ذلك بالممارسة الفعلية سوف ينتهى عصره مثل غيره. أما عن تصريح «النبوى» بدعوة المثقفين إلى الابتعاد عن الخلافات قال الغيطانى: لا يوجد مثقفون بدون خلافات.. وكثيرا ما أختلف مع أقرب أصدقائى.. وأعتقد أن هذه التصريحات هى عبارات حسنة النية ومن الممكن أن نستمد توضيحات حولها بالنقاش.. أما التغيرات المتلاحقة على وزارة الثقافة فأراها علامة على الحيوية.
الناقد «على أبو شادى» هو من أكثر المرتبطين بالعمل مع وزارة الثقافة وقد تولى العديد من المناصب العليا بها.. بدأ «أبوشادى» تعليقه قائلا: أن يكون وزير أزهريا فهذا ليس استثناء فقد كان «صابر عرب» أزهريا أيضا وقدم إنجازات متعددة وعمل بخلفية تنويرية ولم يكن مخيباً للآمال. لذا فلن أحكم على «النبوى» بسبب خلفيته الأزهرية، فالخلفية السياسية أيضا أزمة مثلها مثل الخلفية التعليمية ولكنها أزمة تتعلق بأسلوب تفكير الشخص المنتمى لها. والأمر يتعلق بموظف قادر أو غير قادر على العمل.. وأظن أن اختياره جاء على أساس أنه لا يحمل أى فواتير خلافية ولا يوجد لديه عداءات أو خصومات وليس محسوبا على أى مذاهب أو تيارات باستثناء الخلفية التعليمية. والتى من الممكن أن تكون فى إطار المصالحة مع الأزهر. لكن المنصب الوزارى يحتاج إلى رؤية واضحة لما سوف يقدمه هذا الوزير.
أما عن تصريحاته فقال: أعتقد أنها تصريحات استهلاكية لأن الأمور ليست بهذه البساطة فقد كان من الأفضل أن يصمت لفترة لأنه سوف يحاسب على كل تصريح يتفوه به فى هذه الفترة المبكرة، فمثلا عن تصريحه بأنه سيذهب إلى القرى والنجوع.. لا أعتقد أنه يوجد وزير يترك عمله ويذهب بنفسه فمن المفترض أن تكون هناك مؤسسات لعمل ذلك.. فالعمل الوزارى ليس بالطاقة البدنية ولكن بالطاقة الذهنية.
عبلة الروينى الناقدة الأدبية ورئيس التحرير الأسبق لجريدة أخبار الأدب قالت: لا تعنينى خلفية الوزير التعليمية بقدر ما يعنينى ألا يكون متشددا دينيا أو متطرفا فكريا. المهم أن يكون مستنيرا يقبل التعددية والاختلاف فى الرؤى وليس ذا فكر واحد.. أما عن تصريحاته فمن الممكن أن أتفهم تصريحه حول تجنب الخلافات والمعارك. فالخلاف غير مطلوب لكن الاختلاف هو الثقافة. الأزمة هنا ولعل التوقيت المبكر لا يجعلها أزمة بالمعنى الحرفى.. أنه لم يقدم أى أفكار تنم عن رؤيته الثقافية فهو بالنسبة للمثقفين جاء من المجهول، فنحن لا نعرفه وليس لديه تاريخ أو نشاط ثقافى معروف وليس لديه احتكاك مباشر أو حضور سابق أو ملموس. نحن لا نعرفه وهذه هى المشكلة الحقيقية.. فى النهاية ما يحدث فى وزارة الثقافة هو ما يحدث فى المجتمع والحياة السياسية من حالة الارتباك التى نعيشها حاليا والتى جاءت نتيجة أطول مرحلة انتقالية نمر بها. فلا يوجد استقرار ولم تتشكل المؤسسات بعد.
الكاتب المسرحى «لينين الرملى» قال: من الصعب أن أعبر عن رأيى فى الوزير الجديد ببساطة لأننى لا أعرفه. لكن فى العموم من المفترض أن يكون لدى الوزير فكر عن كل أنواع الفنون.. وأتمنى من الوزير الجديد أن يطرح نفسه على المثقفين ويعرفهم بنفسه لأن هذا مطلوب منه وليس مطلوباً منهم لأنهم «معروفين ومفهومين» لكنه ليس لديه فكرة حول منظومة الثقافة، عامة أشعر أن هناك نوعا من العداء تجاه الثقافة على الرغم من احتياجنا الشديد لها فهى لا تخص المثقفين فقط. بل تتبنى المواهب فى كل المجالات: موسيقى، شعر، أدب، سينما ومسرح، بالإضافة إلى أن وزارة الثقافة ليست لديها ميزانية وبها كل عيوب الوزارات الأخرى. والفساد منتشر فيها من قبل الموظفين العاملين بها من وساطة ومحسوبية وكل شىء «على حساب صاحب المحل». والحكومة ترى أنها وزارة «ملهاش لازمة».
وحول التصريحات التى قالها «النبوى» قال: لا يوجد شىء اسمه أفلام أو مسرحيات وطنية فهذا تعبير قديم جدا. الأعمال الوطنية مرتبطة بالأغانى فقط. أما عن دعوته لعدم الخلاف فلا أعتقد أنه يوجد عند المثقفين خلاف كبير، خلافهم الحقيقى مع المنظومة.. لكن الاختلاف هو شىء تقوم على أساسه كل أنواع الثقافة والفنون، وعامة أرفض أن يظهر وزير أو أى شخص يطالب الناس بعمل شىء محدد فهذا مرفوض.
المنتج السينمائى «محمد العدل» علق على اختيار الوزير الجديد قائلا: بشكل عام لا يتوافق أن يكون وزير الثقافة ذا تعليم أزهرى ولكن هذا ليس ضده. كما أن موقف إزاحة الإخوان له ليست من مميزاته. وهناك أزهريون متنورون جدا ومنهم أيضا رجعيون. لكن المهم أن تصريحاته عن السينما تؤكد أنه لا يعرف شيئا عن السينما يعنى عندما سئل عن آخر فيلم شاهده لم يجب. لذلك لدى شكوك حول متابعته للسينما أو آخر مرة ذهب فيها إلى دار عرض سينمائى.. قد يكون «النبوى» نابغا فى مجال الأرشيف والتوثيق لكن مفهومه عن السينما هو تقييم أخلاقى والفن له معايير خاصة. وأرجو من «النبوى» أن يوضح لنا معنى مصطلح «فيلم وطنى» فهل مثلا فيلم «لامؤاخذة» يعتبر فيلما وطنيا؟ هل «فتاة المصنع» فيلم وطنى؟ التصريحات التى قالها «النبوى» لا تطمئن، كلام من الممكن أن يقال من أى شخص عادى. فلا نجد استراتيجية. فقط لدينا أمل أن يعقد جلسات مع المثقفين ويتبنى مطالبهم.
وإن كان هناك أى تفكير لموقف ضد «النبوى» كما حدث من قبل ضد «علاء عبدالعزيز» الوزير الإخوانى قال «العدل»: الأمر مختلف تماما  فـ«علاء عبدالعزيز» كان يريد أخونة الوزارة كجزء من أخونة الدولة وهذا ما اعتصم ضده المثقفون ولم يقبلوه. أما «النبوى» فمن الممكن أن نختلف معه.
وأنهى «العدل» حديثه حول تبدل عدد من الوزراء على الوزارة قائلا: الأزمة أن الدولة لديها منهج معين فى التعامل مع وزارة الثقافة على أن أى شخص قادر على توليها، لأنها وزارة غير مؤثرة ولا تحتاج إلى تفكير. واختيار وزرائها يكون أقرب إلى الترقيات الوظيفية منه إلى اختيار أصحاب الفكر والمناهج الواضحة.. والتعددية ليست غلطة الوزراء ولكنها غلطة من يختارهم. وأرى أن وزارة الثقافة مثل الأوانى المستطرقة. عندما تزيد فى الرواية، تزيد فى الفنون التشكيلية، السينما وهكذا.. الوزير الوحيد الذى قرر استقلالية السينما كان «عماد أبو غازى».. يعنى كل إناء ينضح بما فيه. فالدولة لا تضع استراتيجية لوزارة الثقافة وبالتالى فالسينما ليس لها استراتيجية.. وربنا يتولانا برحمته.∎